في الوقت الذي يشدّد فيه رجال الدين على ضرورة اختيار أحسن الأصوات لرفع الأذان في المساجد رغبة في استنفار المشاعر لتهيئتها للخشوع في الصلاة واستلذاذ حلاوتها، تخترق أذاننا يوميًّا أصواتٌ كأنما أصحابها ينادون على البطاطا في أحد أسواق الخضر والفواكه. وبين متطوع اشتهت نفسه أن يُسمع صوته للناس عبر مكبّرات الصوت، وشيخ يتعكز على حبال صوتية المرتخية، لا نجد أثرا للأذان الذي يبعث الراحة في النفوس ويوقظ غفوتها، ناهيك عن الأخطاء التي يقع فيها المؤذنون. ورغم أن وزارة الشؤون الدينية خصّصت برنامجا للالتحاق برتبة مؤذن يضم 18 مادة منها العقيدة والقراءات والتجويد وبحجم ساعي يصل إلى 34 ساعة في الأسبوع طيلة مدة التكوين، إلا أنّ معظم المساجد لا تزال تعتمد على مؤذنين لا علاقة لهم بالأذان.
فوضى في المقصورة تزايدت في الآونة الأخيرة شكاوى المواطنين ضد المؤذنين الذين يحملون أصواتا منفرة تسبّب الإزعاج بدل أن ترغّب الناس في الصلاة، فيما يلجأ العديدُ من المصلين إلى وزارة الشؤون الدينية لإيداع شكاويهم "الرسمية" لعلّ الوزارة تتحرك وتوقف هذا "السيل" من الأصوات النشاز. وفي هذا السياق تقول "زينب. ع": إن المؤذن بمسجد الحي الذي تقطنه بعين وسارة لا يصعد إلى مقصورة المسجد لرفع الأذان إلاّ وأحدث فوضى كبيرة يسمعها كل الناس عبر مكبّر الصوت، إذ يبدو أنه يصطدم بالمُعدّات والأجهزة، أما إذا رفع الأذان تقول "زينب" فإنه "يسبّب إزعاجا كبيرا للناس بصوته المنفّر الذي لا يحتمل، ما حدا بالمصلين إلى التقدم بطلب لتنحيته فورا. ومع ذلك مازال يجلس فوق "قلوبنا". وتضيف: "ومن بين الأخطاء التي تضاف إلى رصيده، أنه ذات مرة رفع أذان الظهر في العاشرة صباحا دون أن ينتبه إلى ذلك فأكمل الأذان إلى نهايته".
شهادات صدرية ويقول "س. ل" وهو شاب مواظب على صلاة الجماعة وجدناه بالقرب من مسجد "ابن باديس" بسطيف، إن الأذان في المساجد مضطرب جدا خاصة في صلاة العشاء والفجر والإمساك في رمضان، إذ لا يكاد يتفق مسجدان على توقيت واحد، فبين الأذان في مسجدين بسطيف تفصل بينهما مسافة قصيرة دقائق كثيرة وقد وقفت على ذلك بنفسي. يقول "س. ل": حيث إننا كنا نصلي الركعة الثالثة في أحد المساجد بعد حوالي 10 دقائق من الانتظار وإذا بالأذان ينطلق من المسجد القريب من مسجدنا". وينتقد محدثنا بشدة المؤذنين الذين يحملون أصواتا "تصلح لكل شيء إلا الأذان" هكذا يقول، ومع ذلك يسمح لهم بتأدية الأذان على غرار المتطوعين والشيوخ الذين تعبت أصواتهم، حيث يقومون مقام المؤذنين المتغيبين، "يدفعون الباب ويصعدون إلى المقصورة كلما غاب المؤذن". وهنا يتساءل "س. ل": "هل تعيين المؤذنين يخضع لشروط معينة تحدّدها لجنة التحكيم في المسابقات أم لا؟ ويقترح "س" على وزارة الشؤون الدينية أن تشترط شهادات صدرية للمؤذنين تثبت خلوّ المؤذن من أي مرض صدري يعيقه في تأدية الأذان بطريقة جيدة، وربما يحتاج الأمر أيضا إلى إلزام المؤذن بأخذ قسط وافر من النوم حتى لا ينام أو يشعر بالنعاس أثناء الأذان. وهو ما حدث مع مؤذن بسطيف في صلاة الصبح، بالإضافة إلى أن صوته مزعج إلى درجة أن المصلين يستعجلون الانتهاء منه. ويطرح نفس الشخص مشكلة أخرى تعاني منها المساجد في شقها المتعلق بالأذان، حيث إن مكبّرات الصوت أصابها التلف، الأمر الذي يجعل الأذان غير مسموع أو ينطلق في شطره الثاني. وتقول المرشدة الدينية في مسجد "الأمير" بالعلمة "بثينة. م": إن معظم المساجد يقوم بتأدية الأذان فيها مسنون أصواتهم مترهلة، أو متطوعون تتوق أنفسهم إلى رفع الأذان. وتذكر في هذا السياق حالة مؤذن ينهي أذانه بطريقة توحي أنه نام أو سقط من مكان عال. "ولو كان الأمر يخضع لشروط معينة لما سمعنا هذا النشاز الذي ينطلق من هنا وهناك". وحول نفس الموضوع أيضا يقول "محمد. ط": إن أحد المؤذنين بقسنطينة ينهي أذانه وكأنه يسقط من مكان مرتفع ما جعل المصلين ينكتون عليه بقولهم إنه يؤذن وهو يسقط". ويضيف: "99 من المائة من الأذان في بلادنا غير جذّاب للمصلين وعلى وزارة الشؤون الدينية أن تلتفت إلى هذا الأمر".
الأصوات الجميلة هي الاستثناء وعن رأيه في الموضوع يقول "سفيان. ك": إن صوت المؤذن من الأهمية بمكان، ولولا أهميته لما اختار الرسول- صلى الله عليه وسلم- أشجى وأندى الأصوات، صوت بلال بن رباح". ويضيف: "ما نلاحظه اليوم على مستوى مساجد الجزائر قاطبة أن أصحاب الأصوات الندية هم الاستثناء في حين كان لا بد أن يكون العكس وأغلبهم إن لم نقل كلهم شيوخ، فمثلا في أحد المساجد بجيجل يؤدي أحد المؤذنين الأذان وكأنه عقوبة، إذ يستعجل الانتهاء منه ولا يعطي الحروف حقها فضلا عن الصوت النشاز الذي "يتمتع" به ونفس الشيء يمكن أن نقوله على أحد المؤذنين بباب الزوار، حيث إننا لا نكاد نسمع صوته وإن سمعناه لا نستطيع أن نردد خلفه كونه منفرا، ويؤديه على عجل وهو ما يجعلنا نتمنى غيابه ليؤذن بدله شاب يجبرنا بصوته الجميل على ترك الفراش الدافئ والذهاب لتأدية صلاة الصبح بصدر منشرح، وحتى غير المصلين يسعدون بصوته ويرددون الأذان خلفه.
لا بد من التكوين الجيد وعن الأخطاء التي يرتكبها المؤذنون قال الأستاذ الإمام "علي. ن": "صحيحٌ إن الأذان ينبغي أن يؤديه مؤذن صيّت ويتمتع بصوت جميل أسوة بالنبي- صلى الله عليه وسلم- الذي اختار بلال بن رباح الذي قال عنه: "هو أندى صوتا"، إلا أن الأصوات التي تقولون إنها مزعجة لا تشكل إساءة كبيرة إلى الأذان مقارنة مع الأخطاء التي يرتكبها المؤذنون الذين يبطلون بها صلاة الناس دون قصد بعدم العناية بمخارج الحروف وهو ما يغيّر المعنى ويسلب لبه". ويضيف: "بعضهم يقول "الله أكبار" و أكبار تعني الطبل، وبعضهم يشبع حركة الضم في "الله أكبر" فينطقها "الله وَكْبر"، كما يزيد بعض المؤذنين حرف الواو لعبارة "ولا إله إلا الله والله أكبر" ولا يقتصر الأمر على هذه الأخطاء فقط، لذلك ينبغي أن يتلقى المؤذن تكوينا جيدا في الأذان على أن يكون يتمتع بصوت مقبول على الأقل.