خضير بوقايلة kbougaila@gmail.com إذا الشعب يوما أراد العهدة الثالثة فلا بد أن يستجيب القدر... لو كان أبو القاسم الشابي يعلم أن حياة تنعم الرؤساء في هذه البقعة من الأرض سيكون أهم من استقلال وانعتاق الشعوب من حديد الاستعمار لغيّر بيته المشهور بالصيغة السابقة! أقول هذا وأنا أقرأ تقريرا عن تدخل معالي رئيس الحكومة في حصة إذاعية يرافع فيها من أجل تمكين صاحب الفخامة وولي النعمة من نيل عهدة ثالثة دائمة. يقول حبيب الشعب وقارئ أسراره إن نضاله من أجل تمديد حكم صاحب الفخامة فترة أو فترات تتجاوز ما نص عليه الدستور الذي أقسم أن يحترمه يجد تبريره في الإرادة الشعبية التي تطالب بذلك. ثم يضيف إنه لا يرى مانعاً في أن يتجاوز فخامته الدستور مطالبا بعهدة ثالثة ما دامت هذه هي إرادة الشعب. وعلى الذين يرفضون هذا الخيار الشعبي أن لا يسألوا بلخادم ولا صاحب الفخامة ولا الدائرين في الفلك ولا المدوّرين، بل عليهم أن يسألوا الشعب لماذا يريد تجاوز الدستور الذي صوّت عليه بأغلبية ماحقة ثم يأتي اليوم داعيا إلى جعل العهدة عهدتين ثم ثلاثا. الشعب يريد فخامته رئيسا أبديا، فلماذا يحاول بعض الذين تحركهم أصابع أجنبية أن يقفوا في وجه إرادة هذا الشعب العظيم؟! لماذا يحاول هؤلاء الذين لا يمكن نعتهم إلا بالخونة والمأجورين أن يقفوا في وجه الإرادة الشعبية التي لا تُقهر ويدفعوا أبناء هذا الشعب العظيم إلى مزيد من الإحباط واليأس وشل حركة البلد بمحاولاتهم اليائسة لقطع الطريق أمام تحقيق العهدة الثالثة المباركة؟! الشعب يريد عهدة ثالثة لفخامته فلا تحاولوا مواجهته لأنه سيجرفكم ويجرف البلد معه. أما الذين لا يزالون يترددون في ترسيم الحديث عن العهدة المباركة الثالثة وأيضا المعني الأول بهذه القضية، أقول لهم سارعوا إلى إطلاق بشارة الخير على الشعب ولا تتركوه معلقا أكثر من هذا. ألا ترون أن الشعب التواق إلى العهدة الثالثة منهوك خائر؟ ألا يدفعكم حاله إلى الإسراع بتحقيق مطالبه وتركه يعود إلى حياته العادية فرحا مبتهجا؟ هل سمعتم عن مظاهرات ورقلة؟ وهل تعلمون أنّ آلاف الشباب صاروا يرفضون العمل ويفضلون على ذلك الانتحار وركوب أمواج البحر القاتلة؟ وهل غاب عنكم أن التلاميذ وطلبة الجامعات صاروا يتعمّدون جر مستواهم التعليمي إلى الحضيض؟ وهل وصلتكم تقارير عن هروب العمال بالآلاف من مصانعهم نحو منازلهم أو ساحات ومقاهي الدومينو؟ وهل تدركون أن البلد يسير بخطى ثابتة نحو الشلل التام؟ طبعاً، لا علاقة لكل هذا بسياستكم الرشيدة ولا بحرصكم الشديد على خدمة مصالح البلد وشعبه الذي تكنّون له كل الاحترام والودّ. نعم، لا علاقة لكل هذا بهذا، بل كل هذا لأن الإعلان عن العهدة الثالثة قد تأخر أكثر من اللازم. الشعب سئم الوعود الرنّانة وهو الآن في حالة يأس وإحباط لأن إعلان العهدة تأخر. الشعب يريد هذه العهدة، وبلخادم العالم بما يخفي الشعب في صدره هو الذي يقول ذلك! فاعطوه العهدة الأبدية وسترون كيف أن الجزائر ستتحول إلى أكبر معجزة في هذا القرن، بل في كل القرون. حققوا له العهدة الثالثة وسترون كيف تمتلئ المصانع بالعاملين وكيف يصبح الإنتاج الجزائري عملاقا أمام الصناعة الأمريكية واليابانية والصينية. أعلنوا عن هذه العهدة وراقبوا الشواطئ المهجورة كيف ستغص بالشباب الهارب من جحيم أوروبا إلى جنات بلده. أفرجوا عن العهدة المباركة وسترون كيف تعود الابتسامة إلى وجوه الجزائريين المكفهرة. باختصار شديد، إذا كنتم تريدون للجزائر أن تزدهر أكثر مما هي مزدهرة وتنطلق كالسهم الخارق في سماء النمو والتطور فما عليكم إلا أن تعطوه كلمة السر. أنقذوا شعبكم وبلدكم أيها السادة ولا تعطّلوا الجزائر عاما آخر، وخير البر عاجله! *** مسار الخصخصة في الجزائر لا يزال وفيًّا لإرادة حكامه، والإرادة ليست عادة مطابقة للتصريحات ولا للبرامج الحكومية. الحكومة الموقرة أعلنت في قرار شجاع وجريء عن وقف عملية خصخصة القرض الوطني الشعبي. أنا شخصيا لم أكن أنتظر أن تكتمل عملية الخصخصة هذه لا في 2000 ولا في 2003 ولا في 2005 ولا في مارس 2007 ولا في نوفمبر 2007 ولا حتى بعد انتهاء العهدة الثالثة! وأرجوكم أن لا تحمّلوا الحكومة الموقرة مسؤولية هذا الإخفاق المتكرر في مسار خصخصة بنك القرض الشعبي الوطني ولا حتى بيع المؤسسات الوطنية الأخرى. الحكومة، كما تعلمون جيداً، حريصة على مصلحة شعبها وترى نفسها دائما مسؤولة على الحفاظ على ثرواته ومدّخراته العالية، ومن هذا المنطلق جاء قرار وقف خصخصة القرض الشعبي الجزائري! البنوك الأمريكية والألمانية والفرنسية لم تستطع مجتمعة أن تقنع الحكومة بضرورة بيعها هذا البنك حتى يتحقق أول وعد من وعود إصلاح المنظومة المصرفية في البلد. حكومتنا الموقرة لم تجد في هذه البنوك الغربية ما يشجعها على التخلي عن تسيير هذا المنبع المالي الهام. وكل التحريات التي باشرتها الحكومة أثبتت بما لا يدع مجالا لأي شك أن المسيّر الجزائري ليس له نظير في العالم أجمع، لهذا قررت أن تبقي هذا البنك وكل البنوك الأخرى تحت التصرف الحكيم للمسيرين الجزائريين. تيقنت الحكومة أنها لن تجد في كل البنوك الغربية مسيرا واحدا يمكنه أن يحافظ على المال العام مثلما يفعل مسيرو بنوكنا الأفاضل. ليس هناك في كل بنوك العالم مصرفيون يحرصون على الأموال العامة أكثر من حرص الجزائريين عليها، لا تبذير ولا اختلاس ولا إسراف ولا صرف في غير محله، لا شيء من كل هذا! لن يجد أحد في كل بنوك العالم الغربي مصرفيين ينهون السنة المالية بحصيلة إيجابية، ويقدمون كل عام أرباحا بالملايير. لن تجدوا إلا في الجزائر مصرفيين يقدمون أفضل الخدمات لزبائنهم، ولا أعتقد أن واحدا منكم يحتاج إلى أمثلة كثيرة لتوضيح هذه الإنجازات التي تجعلنا نفتخر بالقائمين على بنوكنا. مصرفيون ساهرون على تطوير مؤسساتهم وعلى فرش البساط الأحمر أمام عملائهم، لكن إذا أصررتم على الحصول على أمثلة، فاسمحوا لي أن أكتفي بمثالين فقط، توجه إلى أي بنك وحيدا وحاملا لكل وثائق الدنيا لتفتح حسابا بالدينار أو بالعملة الصعبة، وستجد الموظف الأمين المحترم يرد عليك بكل لباقة (كومبلي)، وإذا لم تفهم معنى هذه الكلمة اعتقادا منك بأنها مستعملة في غير محلها، فعليك أن تعلم أنها مصطلح خاص معناه أن البنك لا يمكنه أن يستوعب حسابات أخرى جديدة، إما لأن الأرقام انتهت فلم يعد بالإمكان تركيب أرقام جديدة وإما لأن كمبيوترات البنك لم تعد تحتمل مزيدا من الضغط عليها. قد تصدّق أن هذا هو السبب، لكن لا تستعجل، لأن نزاهة المصرفي الجزائري الحريص على أن لا يدخل البنك مال مشتبه فيه، تجعله مستمرا في رفض فتح حسابات جديدة حتى يأتيه الزبون الجديد بشخص يعرف جيدا المصرفي البسيط أو مدير البنك! ليست في الحكاية معارف أو محاباة، بل إن المصرفي النزيه يريد أن يتأكد أن طالب فتح الحساب هو شخص نزيه وماله حلال. أما المثال الثاني فقد كنت أنا شخصيا ضحيته، كان لي حساب في القرض الشعبي الوطني، ولأنني لم أستعمله فترة طويلة ذهبت مرة لأنفض عنه الغبار فقال لي مدير الفرع بعد استنطاق حاسوبه إن حسابي أقفل. نعم أقفل لأنني لم أعد أستعمله، والجماعة عندنا حريصون على تحريك الأمور. وعندما طلبت منه إعادة فتح الحساب قال لي كلاما يشبه هذا (ما راناش نلعبو)، وبعد أن أصررت عليه قال لي إن العملية مستحيلة، ثم نصحني أن أذهب إلى أي فرع آخر ربما يحققون لي حلمي. ولا زلت لحد الآن أبحث عن فرع يقبل أن يفتح لي حسابا بالدينار، أما حسابي بالعملة الصعبة (الذي فتحته ذات عام بتزكية من زبون محترم) فلا أعرف مصيره، ولعل صاحب التوكيل يعرف عنه شيئاً. أقول كل هذا لتتأكدوا أن حكومتكم جادة في حفظ المال العام وفي الحفاظ على المسيرين النزهاء الأكفاء الذين شرفوا البلد ورفعوا عزها أمام المؤسسات المالية والبنوك العالمية الأخرى! *** قرأت في الخبر يوم الثلاثاء أن تلاميذ في مدارس الوزير الخالد يدرسون جالسين على الأرض. معلق الصحيفة فهم أن هذه المدارس الموجودة في جنوبالجزائر لا تملك إمكانيات مالية تسمح لها بشراء مقاعد وطاولات لتلاميذها وراح يقول إن أموال نفط الجنوب تذهب لتلاميذ سكان الشمال وبقي الجنوبيون محرومين. لكن الحقيقة هي أن تلاميذ رقان والمدن الجنوبية الأخرى هم الذين يرفضون الجلوس على المقاعد لأن الأرض أحلى لهم وأريح، والمسؤولون على قطاع التربية لا يزالون يصرون على إقناع هؤلاء التلاميذ وأوليائهم بضرورة استعمال الكراسي والطاولات كبقية تلاميذ الجزائر إلا أنهم يرفضون، ولا يزال مسؤولون يلحون عليهم ويجلبون لهم كل يوم كراسي وطاولات من أرقى ما تجود به مصانع الجزائر، لكنهم مصرون على إصرارهم. وأنا أرى أن أحسن حل حتى يُجبر هؤلاء التلاميذ على قبول الجلوس في الكراسي الفخمة الموفرة لهم وعلى التمتع بالمدافئ والمكيّفات الهوائية المكدسة في مستودعات أكاديميات التربية الولائية هو أن يُسرَّحوا جميعاً ويطرَدوا من المدارس حتى يعرفوا قيمة التضحيات التي تبذلها من أجلهم حكومتهم!