علي.ذ هل ستكشف هذه الزيارة النوايا الحقيقية لفرنسا تجاه الجزائر؟ قبل محاولة مناقشة هذه الأسئلة الهامة، يبدو السياق الذي جاءت فيه هذه الزيارة والأجواء التي سبقتها بقليل، ملفتا للانتباه... فقد أثيرت ضجة إعلامية مفتعلة استمرت أياما عدة، حول ما سمي "قضية" مرافقة المغني الفرنسي ذو الأصول اليهودية "انريكو ماسياس" لساركوزي في زيارته هذه. وبعد أن قطع ماسياس هذه الضجة بانسحابه من مرافقة ساركوزي إلى الجزائر- بعد أن تحقق المبتغى السياسي والإعلامي من اثارة "قضيته".. برزت قضية أخرى حرص الاعلام الفرنسي على تضخيمها وإثارتها بنوع من الحدة لتأجيج العواطف وإثارة النعرات. وتعلق الأمر هذه المرة بتصريحات وزير المجاهدين شريف عباس حول دور اليهود (دائما) في تتويج الرئيس ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الماضية. وكان واضحا أن الغرض من ذلك هو محاولة تحوير الحديث عن أهم الملفات المعروفة التي كان يفترض أن يبحثها الرئيس الفرنسي مع نظيره الجزائري. لقد كان طبيعيا جدا أن تطغى مسألة اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر، على باقي الملفات، باعتبارها قضية أساسية وجوهرية في العلاقات بين البلدين..ولكن، وعلى غير العادة، وعوض أن يأتي وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر لتحضير الزيارة، سافر وزير الخارجية الجزائري إلى باريس أياما قبل موعد الزيارة، ليعلن من هناك أن مسألة اعتذار فرنسا من عدمه ستترك للزمن، وهو ما أسقط هذا الملف على مايبدو من ملفات الزيارة وسهل بذلك على الرئيس ساركوزي كثيرا من الأمور، باعتبار موقف هذا الأخير الرافض لتقديم الاعتذار. أما ملف الهجرة، وهو ثاني أهم ملف بالنسبة للجزائريين، فلن يطرح بدوره على مايبدو، بعدما أكد الوزير الفرنسي للهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتنمية المشتركة السيد "برسيس هوركفو" في تصريح لوكالة الأنباء الإيطالية، أن مسألة المهاجرين الجزائريين لها وضع قانوني خاص وتتطلب المزيد من التشاور، مؤكدا في الوقت ذاته، اعتماد فرنسا على مبدإ الهجرة المنتقاة.. ومن جانب آخر يبدو أن تصريحات ساركوزي الأخيرة حول الصحراء الغربية، قد أغلقت نهائيا هذا الملف بالنسبة للجزائر، حيث بدا الدعم الفرنسي الواضح للطرح المغربي بخصوص هذه القضية. ويتضح من هذا وغيره أن الرئيس الفرنسي قادم إلى الجزائر بحقائب فارغة ويريد أن يعود بها مملوءة بالأموال الجزائرية لتمويل مشاريع الصناعة الفرنسية الكاسدة وتحريك دواليب التنمية المعطلة بفرنسا. على عكس زيارته الأخيرة للمغرب، التي أعلن إثرها على مشاريع استثمار حقيقية كمصنع السيارات لشركة "رونو" الحكومية، واستحداث مناصب شغل سواء في إطار بناء السكك الحديدية أو غيرها من المشاريع الممنوحة للمغرب والتي جاءت تأكيدا لموقف فرنسا الداعم لمشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب. ويرى المتتبعون أن سياسة فرنسا تجاه الجزائر لم تتغير ومازالت تعتمد الكيل بمكيالين، مستغلة بذلك تنامي المد المناصر لها في الجزائر والمعروف بحنينه "الكولونيالي"، والمدافع عن إبقاء الجزائر تحت المظلة الفرنسية ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، والمعادي لأي تقارب جزائري عربي، حيث يعمل أتباع فرنسا في الجزائر على إفشال مشاريع الاستثمار الضخمة المقترحة من الأشقاء العرب كمشاريع مجمع "اعمار" الاماراتي التي بقيت حبرا على ورق. ان ساركوزي الذي قال هو نفسه إنه سيأتي إلى الجزائر كصديق، لا يبدو أنه متحمس لاستثمارات فرنسية حقيقية في الجزائر ومساعدة الجزائر على المزيد من الانفتاح واكتساب العلوم والتكنولوجيا الحديثة، بل تشير كثير من المؤشرات أن هذه الزيارة لا تعدو أن تكون حلقة في مسلسل البحث عن ترسيخ التبعية الجزائرية والبحث عن المزيد من المال الجزائري لتشغيل الآلة الانتاجية في فرنسا للقضاء على البطالة وامتصاص غضب الشارع الفرنسي... والأيام القادمة ستوضح ذلك.