من منّا لم يتفرج على سلسلة بلاحدود، التي كانت محطة وهران تبثها في سنوات التسعينيات، ومن منا لا يتذكر ركن الدوبلاج الذي زاد الحصة بهاء وفرجة. "الشروق" بحثت في شوارع وهران وأزقتها وعثرت على العنصر الفعال في هاته الحصة الممثل عمر بن شراب، وأجرت معه هذا الحوار.
في البداية عرف بنفسك للجمهور، خاصة من لم يتسن له فرصة متابعة السلسلة الهزلية الخالدة بلاحدود؟ عمر بن شراب، أستاذ سابق في مادة الفيزياء، أحببت منذ الصغر الفن وبدايتي كانت مع المسرح لأنتقل مباشرة مطلع التسعينات إلى التلفزيون تحديدا محطة وهران وسعينا لإعداد حصة بلاحدود رفقة المخرج عبد الناصر لبيوض المدعو بابي.
كيف جاءتكم فرصة تخصيص ركن في الحصة للدوبلاج الهزلي؟ لعلمك أن حصة بلا حدود ظهرت في الأول سنة 1986، لكن ليس بالصورة التي رأيتموها سنة 1990، كانت البداية محتشمة وعمد القائمون على الحصة آنذاك خاصة المرحوم عباس، على تمرير بعض اللقطات المضحكة والفيديوهات الطريفة، لكن لم تبث سوى مرتين أو ثلاث مرات فقط. وفي المرة الثانية كانت الانطلاقة موفقة، واجتمع كل فناني الفكاهة بالناحية الغربية لطرح برنامج جلب اهتمام الصغير قبل الكبير.
إحك لنا ظروف عملك الخاصة بالدوبلاج ؟ كانت مهمة جد صعبة ، فالبداية هي انتظار وصول الفيلم المراد دبلجته عن طريق شريط فيديو يأتي من العاصمة ،لأنه في تلك الحقبة كانت محطة وهران لا تملك الإمكانيات التي تتوفر عليها المركزية، ثم عائق آخر يتمثل في إجبارية العمل بعد الخامسة مساء توقيت خروج عمال التلفزيون، وتنطلق أصعب مرحلة الخاصة بمشاهدة لقطات الفيلم التي ينتظر ترجمته للغة الفكاهة، بعدها تأتي مرحلة كتابة سيناريو الحلقة المراد دبلجتها، ثم اختيار اللهجة فمرة نتحدث بالقبائلية ومرة أخرى بلهجة غرب البلاد ومرات أخرى باللهجة الصحراوية ودواليك، حسب ما يقتضيه المشهد لنصل في الأخير إلى تركيب صوتنا على الصورة، وقد يستغرق دبلجة دقيقتين فقط من الفيلم أكثر من 4 ساعات من العمل الذي كنا نشترك فيه أنا وموح رزقي والحاج معطي رحمه الله، وهو ما يؤكد صعوبة المهمة، لكن كان يذهب تعبنا حين نلاقي جمهورنا في اليوم الموالي وهو جد راض على المردود.
هل كنت تعتمدون على تكوين ما؟ بطبيعة الحال، فأغلبية الفنانين الذين شاركوا في حصة بلا حدود يملكون خبرة حتى ولو كانت صغيرة عن المسرح والتمثيل، وهو ما ساعدنا في تكوين فريق قوي ومتلاحم.
ما رأيك في بعض الشباب اليوم الذين يحاولون دبلجة الأفلام والخطابات السياسية وغيرها؟ هي مبادرات مقبولة، لكن صراحة أقول لشبابنا أنتم محظوظون في زمن الأنترنت، لأن العمل اليوم الخاص بالدبلجة صار أكثر ليونة وسهولة.
ما هي أفضل الأعمال التي قمت بدبلجتها وترى أنها أثّرت، بشكل كبير على الجمهور؟ سأقول لك مباشرة؛ فيلم "روبوكوب" و"قادة المعسكري".
بعد 2001 اختفت حصة بلاحدود. ما هو السبب في نظرك؟ سأفاجئك بجوابي لو قلت لك أننا لحد الساعة لا ندري ماذا وقع لهاته الحصة، كنا نعمل بشكل عادي إلى أن جاء اليوم الذي أخبرنا فيها المخرج بتوقف تصوير الحصة لظروف قاهرة، فظننا أن المشكل بسيط وستعود الحصة، لكن طال الانتظار ولم تعد بلاحدود.
أين ذهبت الفرقة بعدها؟ كل اختار طريقه، فمنهم من اعتزل مباشرة ومنهم من تعرض لأزمة مرضية لغاية وفاته أخص بالذكر عباس والمرحوم عابد، أما البعض الآخر ففضّل مواصلة المشوار ومنهم أنا، حيث ملت لعالم السيديهات بحكم انغلاق التلفزيون العمومي، وأعددنا العشرات من السكاتشات الهزلية التي استحسنها الجمهور العريض ليس في الجزائر فقط بل حتى عند جاليتنا بالمهجر.
تتحدث بنبرة المتشائم، رغم أنك رفقة زملائك أسعدتم الملايين ما هو السبب؟ كيف لا أتشاءم ووضعية الفنان صارت في الحضيض، فلا دعم ولا اهتمام لرعاية الإبداع، فتصور مثلا أنني سجّلت أغنية تتحدث عن العادات والتقاليد القديمة للمجتمع الوهراني، حيث كتبت كلمات أغانيها المستمدة من ذاكرة عجائزنا وشيوخنا الذين أعتبرهم شخصيا مكتبة متنقلة حافظة للتراث، وأما التوزيع الموسيقي فكان للمرحوم تاج الدين عينوس والإيقاع منح لحسين نحّال رفيق الشاب حسني، وحين طلبت يد العون من المسؤولين على الثقافة بتصويرها على شكل فيديو كليب لإهدائها للتلفزيون الجزائري باعتبارها أغنية تراثية تحمل أخبار وعادات كانت في القديم سواء في طريقة اللباس أو حتى القعدات وطريقة الاحتفال بالمناسبات السعيدة وحتى الألعاب التي كانت تمارس في القديم، لكن لا حياة لمن تنادي وهو ما جعلني أحس بالاكتئاب والقنوط، طالما أن هناك أغاني لا تحمل أي معنى يسرع المنتجون إلى تبنيها وتكريمها بفيديو كليب.. للأسف هاته هي العقلية الحالية في الجزائر، وحتى أختم كلامي أقول أن الفنان في الجزائر إن لم يمت بالقنطة أو المرض يسير نحو طريق التسول نظرا للإهمال والتهميش المكرس ضده.