يتوجه الناخبون في ليبيا إلى صناديق الاقتراع، الأربعاء، لانتخاب برلمان خلفاً للمؤتمر الوطني العام الذي انتهت ولايته في مارس الماضي، وتميّز بضعف في الأداء وتبديد للأموال، ما أثار معارضة شديدة له. وستكون هذه التجربة الانتخابية الثالثة في ليبيا بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، إذ توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في آذار الماضي، لاختيار أعضاء الهيئة التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور والتي تعرف ب"لجنة الستين". وتجرى الانتخابات غداً في ظل هواجس أمنية خصوصاً في الشرق حيث تدور مواجهات بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وخصومه الإسلاميين، تضاف إلى هواجس سياسية تتعلق بغموض انتماءات المرشحين السياسية، وتفضيل الغالبية الساحقة منهم الإعلان عن أنفسهم كمرشحين مستقلين، لتجنب تداعيات الفرز الناجم من الصراع بين الإسلاميين الممثلين بتيار "الإخوان" وحلفائه، والليبراليين الذين أضفوا على أنفسهم صفة "التيار المدني" لتجنب تصنيفهم التقليدي. وعززت القوانين التي تجري على أساسها الانتخابات وخصوصاً قاعدة "مرشح واحد لكل ناخب"، الشكوك في شفافية الاستحقاق، باعتبار أن هذه القاعدة تؤدي إلى إخفاء الانتماءات السياسية وإبراز النزعات القبائلية والجهوية، من دون أن تقضي على التكتلات السياسية التقليدية التي يتوقع أن تعود إلى البرلمان الجديد الذي سيتألف من 200 عضو، بصيغة "ثنائية الأضداد" (إسلامي - ليبيرالي) التي يحملها كثيرون مسؤولية تعثر المرحلة الانتقالية. ولعل الدليل الوحيد إلى انتماء هذا المرشح أو ذاك، هو تصور كل منهم للاستحقاق الرئاسي المقبل، ذلك أن الليبيراليين لا يخفون تفضيلهم انتخابات رئاسية مباشرة من الشعب، فيما يفضل الإسلاميون انتخاب الرئيس العتيد في البرلمان. واستدعى عزوف "ليبيي الشتات" عن المشاركة في الانتخابات يومي السبت والأحد، شكوكاً في تدني نسبة المشاركة في الداخل غداً، إذ لم تتجاوز نسب الإقبال في 13 دولة حول العالم، ال 27 في المئة للمقيمين في الدول الأوروبية، فيما وصلت النسبة إلى أدناها في الدول العربية مثل مصر على رغم أنها تؤوي ما يزيد على مليون مهاجر ليبي معظمهم لجأوا إليها بعد سقوط نظام القذافي. واعترفت المفوضية العليا للانتخابات (مستقلة) بظاهرة عزوف الناخبين، باعتبارها ملفتة إذ لم يتجاوز عدد المقترعين في الخارج ال 2442 من أصل 10087 ناخباً مسجلاً. أما في الداخل فلم يتجاوز عدد الذين سجلوا أسماءهم كناخبين ال 1.3 مليون مواطن. ولعل أبرز هواجس الناخبين تتعلق بعدم معرفتهم بحقيقة انتماءات المرشحين، بعد اتهام الإسلاميين بالتغلغل في المجلس الانتقالي في بدايات الثورة، ولاحقاً في انتخابات المؤتمر الوطني في جويلية 2012 حين قدموا أنفسهم على أنهم مستقلين كما هو الحال اليوم، من دون أن يفوت بعضهم تضمين برنامجه الدعوة إلى جعل الشريعة "مصدر التشريع". في المقابل، يتخوف الإسلاميون من تسلل مرشحين ليبيراليين إلى البرلمان بحجة أنهم مستقلون. ويتخوف الناخبون من أن يتكرر في مجلس النواب المقبل، مشهد المماحكات التي شهدها مقر اجتماعات المؤتمر في "قاعة ريكسوس" في طرابلس والتجاذبات التي كان هدفها تحقيق مصالح حزبية على حساب المصلحة الوطنية العليا، ما أوجد نزعة لدى كثير من الناخبين إلى تفضيل انتخاب الرئيس المقبل من الشعب لئلا يتحول رهينة للتوافقات السياسية عند منحه الثقة أو سحبها منه. ويرى كثيرون أن القوى الإسلامية المسيطرة على المؤتمر حالت دون إجراء الانتخابات البرلمانية على أساس التنافس الحزبي وتفضيل الترشح الفردي لضمان إيصال مرشحين إلى الندوة البرلمانية، تواصل من خلالهم تلك القوى سيطرتها من على السلطة الاشتراعية وبالتالي بسط نفوذها على الحكومة المقبلة التي سيكون من صلاحيات البرلمان الجديد اختيارها ومنحها الثقة أو إسقاطها.