لست أدري إن كان مصطلح الخلافة عند الصحابة وهم يتصدون لاختيار من يتولى إدارة المسلمين يتقاطع مع تعريف مصطلح الخلافة ، بما تعنيه من "خلافة لصاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا" كما قال ابن خلدون، وهل كانت عندهم بمعنى "رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي" كما ورد عند كثير ممن تصدى للسياسة الشرعية، ولست مؤهلا قطعا للحكم، كل ما يجوز التصريح به في هذا الوقت المبكر أن ما كان يشغل الصحابة أكثر هو الحرص على أن تكون إمارة المسلمين خاضعة للشورى. ويحضرني هنا التذكير مجددا بما قاله الخليفة عمر لما بويع أبو بكر: أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي، وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهدها إلي رسول الله" وروي عنه قوله: فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا'' اخترت التوقف مطولا عند فهم الصحابة لشروط قيام إمارة للمسلمين ملتزمة بمقتضيات آيتي الشورى، دون الخوض في الجدل الذي سوف ينتج شبهة حول "هل الخلافة هي من الدين أم أنها شأن قد ترك الفصل فيه للمسلمين؟" وهي مماحكة سوف تؤسس لاحقا لأكثر من شبهة مولدة للفتن عبر تاريخ المسلمين وحتى يومنا هذا. فالفتنة الكبرى التي ستنشأ في نهاية خلافة عثمان رضي الله عنه هي مقدمة لمعظم فتن المسلمين على السلطة، حيث أنها لم تنشأ على خلاف بين المسلمين على طبيعة مؤسسة الحكم أي الخلافة، أو لأن من ثار على الخليفة من أقاليم مصر والكوفة والبصرة كانوا يشككون في شرعيته، أو يطعنون في إيمانه، بل جاءت الفتنة على خلفية سوء إدارة الحكم في الثلث الأخير من خلافة عثمان، وتسلط بني أمية على مفاصل وظهور ما يشبه الأثرة، ومن جهة أخرى عدم تقدير "الثوار" لتداعيات الخروج عن ولي الأمر في وقت لم تكن فيه الدولة لإسلامية قد استقرت بعد. غير أن أخطر ما في الفتنة الكبرى التي قامت على شبهة هو أنها سوف تمهد الطريق أمام من كان يتربص بالخلافة كمؤسسة قائمة على الشورى، ليحولها إلى ملك عضوض يورث بين بني أمية ثم بني العباس، وسوف نرى الفرق بين الأسباب التي قادت إلى الثورة على عثمان رضي الله عنه، والشبهات التي سوف تنشأ عليها الفتنة الحقيقية التي أطاحت بعد واقعتي الجمل وصفين بالخلافة الراشدة، ومعها بمبدأ الشورى الذي كان الصحابة أحرص ما يكونوا على تفعيله، ولأني أعتقد أن الخلافة كمؤسسة حكم ملتزمة بالنص الشرعي إنما سقطت مع الخروج عن مبدأ الشورى إلى الملك العضوض مع الدولة الأموية، وليس مع سقوط "الدولة" العثمانية التي كانت امتدادا للدولتين الأموية والعباسية وقد خرج الأمر فيهم صريح النص القرآني الذي جعل الأمر شورى بين المسلمين. لأجل ذلك سوف أحاول التركيز مجددا مع القارئ على تحرير الموقف من موضوع الخلافة تحت هذا العنوان المستفز لبعضهم: هل الخلافة من الدين؟ وهل كان لمثل هذا السؤال حضور بين الصحابة، أم هو محض شبهة أعاد بعضهم إحياءها بعد سقوط الدولة العثمانية، التي كان بعضهم يعتبرها امتدادا للخلافة الإسلامية، قبل الدخول في موضوع الفتنة الكبرى التي أعتبرها أم الفتن، كما أعتبر الشبهة التي أقبلت بها أم الشبهات التي تخدع المسلمين إلى يومنا هذا.