عبد الناصر "باغيتة" الخبز عندنا أصبحت مثل هلال رمضان، لا أحد يعلم متى تطل، وأهلّة ترقب هذا الهلال تعجز عن فهم ظهورها كلما سجلت سلة البترول رقما قياسيا في ارتفاع الأسعار، والغريب أن الحكومة أعلنت تحديا مهمّا عندما حاولت إنزال أسعار السميد، فإذا بالخبازين يقرعون طبولهم، ليس في آذان الحكومة وإنما في جيوب المواطنين البسطاء الذين أصبحوا يدركون أنهم مجرّد "خماسة" في صراع الثيران، فسلة النفط قرعت باب المئة دولار، وهو رقم كان مجرّد حلم في التسعينيات حتى أن رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي في لحظة غضب مزيج بالقنوط قالها مرة في التلفزيون وفتيل الفتنة يشتعل "لو بلغ سعر النفط أربعين دولارا لقضينا على كل المشاكل"، وتحقق حلم غزالي الأول، بل تضاعف الرقم إلى المئة، لكن المشاكل تضاعفت بالرغم من أن الدولة مازالت تصرّ على ميزانية تستند على سعر البترول الذي يقل عن عشرين دولارا، أي أن الخمس فقط "للخماسة" من المواطنين لبناء اقتصادهم وفك أزماتهم المتراكمة. عندما تعجز خزينة تكاد تنفجر بما لا يقل عن مئة مليار دولار عن حل أزمات السكن والماء والخبز، فإن قدر المواطن أن يضع يده على قلبه وينسى نهائيا جيبه، لأن قرع الطبول سيتضاعف وسيشمل كل الضروريات والكماليات. وللأسف، فإن الحكومة تساهم أيضا، في هذا (الهلع) الذي سكن الأوصال من خلال تعمدها زيادة أسعار مواد هي في الأصل مواد أولية تنتجها الجزائر مثل الزيوت والمازوت والكهرباء والغاز. كل دول النفط العالمية، استفادت من صدمة النفط الأخيرة، فاستأسدت فنزويلا في جنوب قارتها الأمريكية، وانطلقت إيران في برامج نووية لها بداية وليس لها نهاية، وتحوّلت الإمارات العربية إلى عاصمة عالمية للمال والأعمال.. كلهم يسبحون في أنهار النفط، إلا نحن، فقد غرقنا في (شبر) البترول وما عاد أحد منا يفهم ألغاز هذه المعادلة الغريبة التي تنتج لنا مزيدا من "الحراڤة" ومزيدا من الانتحاريين والمنتحرين ومزيدا من القنوط لدى عامة الناس من كل ارتفاع لأسعار النفط، والمواطن الذي دقّ قلبه مع طبول الخبازين إنما يفكر في ما بعد الخبز. بقي تصحيح كلمة "الخماسة"، فالمواطن ليس خمّاسا في المئة دولار.. وإنما خماسا في سعر التسعة عشرة دولارا المقرّر في الميزانية العامة!!