نذكر أن أحدهم قد أخبر الخليفة عمر أن فلانا قال: "لو قد مات عمر بايعت فلانا" فقال عمر: إني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط. يفهم من غضب الخليفة عمر أنه قد لمس في ما قاله هذا الرجل بابا من أبواب الفتنة قد يعاد فتحه، وخروج عن نص شرعي يلزم المسلمين بالشورى بنص الآيتين الكريمتين: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ _ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ _ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ _ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ _ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران - 159) والآية 38 من الشورى "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى_ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" وقد قال سيدنا عمر بعد مبايعة أبي بكر "أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أرفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا. ولأجل ذلك أقر عمر بن الخطاب أن ما حدث في سقيفة بني ساعدة كان "فلتة وقى الله شرها" لأنها في نظره كما في نظر أبي بكر لم يستوف فيها شرط إنفاذ الشورى على أوسع نطاق بين المسلمين قبل البيعة لظروف قد شرحها سيدنا عمر بكثير من التفصيل في خطبته التي أوردناها من قبل كاملة. نفهم مما جاء في كلام عمر أن لفظة "الفلتة" إنما جاءت لتقرر الحالة الاستعجالية التي حالت دون استيفاء المشورة على أوسع نطاق في سقيفة بني ساعدة، وتخلف علي والزبير ومن معهما في بيت فاطمة، وتخلف الأنصار في سقيفة بني ساعدة، ثم يشرح الخليفة عمر الأسباب التي دعت إلى التسريع بمبايعة أبي بكر الصديق: يقول عمر فقال قائل من الأنصار بعد كلام أبي بكر: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف. فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار. كان اجتماع سقيفة بني ساعدة في بقية يوم الاثنين، فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد، فتممت بيعة أبي بكر من المهاجرين والأنصار قاطبة، وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله تسليما. وفي البخاري: عن أنس بن مالك، أنه سمع خطبة عمر الأخيرة حين جلس على المنبر، وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله، وأبو بكر صامت لا يتكلم. فقال عمر: "كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يك محمد قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، هدي محمد، وإن أبا بكر صاحب رسول الله وثاني اثنين، وأنه أولى المسلمين بأموركم، فقدموا فبايعوه، وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر. وكما نرى فإن موطن الخلاف الوحيد كان على البيعة السريعة داخل سقيفة بني ساعدة، وهو ما وصفه الخليفة عمر ب "الفلتة" وقد صُحح الخطأ في اليوم الموالي بالبيعة التي تمت في المسجد بحضور العامة من المسلمين.