يعتقد الأكاديمي والباحث الفلسطيني عبد الفتاح العويسي بأنّ خطوات بعض البرلمانات الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية لا تجدي نفعا، وتعتبر بمثابة مخدر ومسكن لن يغير من وضع القضية شيئا، لأنّ المشروع ليس يهوديا بل استيطاني استعماري غرضه تجزئة فلسطين والمنطقة العربية والنيل من بيت المقدس. الأقصى في خطر واعتراف البرلمانات الأوربية بالدولة الفلسطينية مجردّ مسكّنات لا صلاحية لمحمود عباس على بيت المقدس ردّ الباحث والأستاذ المحاضر عبد الفتاح العويسي، معترفا، في إجابته عن سؤال عمّا إذا بات الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمناقش على مستوى بعض البرلمانات الأوربية، هذه الأيام، على غرار البرلمان البريطاني والفرنسي والإسباني، الأسبوع القادم، بادرة لتحقيق نصر قريب على الكيان الصهيوني، بأنّ الاعتراف لا يعدو كونه مخدرا ومسكنا فقط، ليس له أي تأثير على وضع القضية، مستدلا بموقف رئيس الوزارء البريطاني الذي قال بأنّ موقف بريطانيا لن يتغير تجاه فلسطين.. مشيرا في السياق بأنّ تحركات البرلمانات الغربية هذه الأيام للاعتراف بفلسطين دولة لها سيادة جاء بعد العدوان على غزّة الأخير وحالة الرفض العامة البريطانية لما يقوم به الصهاينة من تقتيل وجرائم بشعة. في السياق ذاته، أرجع تغول الاستيطان وتوسعه إلى خراب العقل العربي وتراجعه، وكذا لتعثر المفاوضات التي أصبحت كما وصفها "عبثية".. فكيف لا تصل إلى نتيجة لا سيما وأنّها تجاوزت 25 سنة، بحيث تقودها الحكومة الفلسطينية بقيادة محمود عباس من دون خطط ولا استراتيجية ولا وثائق، بالمقابل يدخلها الطرف الإسرائيلي بعدّة وعينه على إطالة المفاوضات والصراع إلى أمد طويل. لكن، لم ينف المتحدث العويسي بأنّ الحلّ يكون في نهاية المطاف بالقوة العسكرية التي ستحسم الحرب، لكن هو بحاجة إلى قرار سياسي شجاع وكلاهما بحاجة إلى معرفة، لأنّ الصهاينة يديرون الصراع بذكاء وأوقعوا القيادة الفلسطينية في الفخ. على صعيد التهديدات اليومية الإسرائيلية لاقتحام بيت المقدس ومحلّ السلطة الفلسطينية منها، أوضح العويسي بأنّه لا صلاحية للرئيس محمود عباس.. فحسب بعض التقارير الإخبارية، فإنّ هناك اتفاقا أردنيا مع السلطة الفلسطينية بخصوص منع تجدد أي انتفاضة، ووفق تلك التقارير فإنّ ناتانياهو قد زار، الأسبوع الفارط، الأردن من أجل عرض ولاية دينية أردنية على بيت المقدس. وتأسف العويسي للأمر قائلا: "ماذا نتوقع ممن يتعاون مع العدو؟ والأقصى في خطر يكاد يندثر لولا أهله".
المفكر صالح عوض: آن الأوان لتوسيع الدائرة المعرفية لتصبح فلسطين أرض الإنسان قال الأستاذ والكاتب الفلسطيني صالح عوض بأنّ الحرب على فلسطين مشروع استعماري استيطاني يتقاطع مع الحملة الغربية التي شنّت على الجزائر بقيادة فرنسا، التي فتحت الباب لها، مباشرة بعد قرار أوروبا ب"تأديب" الجزائر سنة 1824، ليأتي الحصار بعد ثلاث سنوات ثم الغزو سنة 1830. أشار الكاتب صالح عوض لدى تدخله في "منتدى الشروق" حول القضية الفلسطينية بأنّ البناء المعرفي ضروري لتحرر الشعوب من قيد الاستعمار، مثلما قامت به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مواجهة حملات المستعمر الفرنسي، بحيث بذلت جهدا فكريا كبيرا وقدّمت مستوى حضاريا هائلا في سبيل تحقيق الوطن والحرية وعيش الإنسان الجزائري بكرامة، غير أنّ التهميش يطالها اليوم ولم تأخذ حقها بالكامل. ملفتا إلى أنّ التقاطع بارز في القضية الفلسطينية وتاريخ الجزائر النضالي من زاوية الاستعمار الغربي. وقال عوض بأنّه آن الأوان لبناء قاعدة معرفية قائمة على الإدراك من أجل تحرير فلسطين وأرض المقدس، من دون فصلها عن المفاوضات أو التحركات العسكرية على أرض الواقع. ولم يخف صالح عوض بأنّ المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الأمة العربية، شعبا وقادة، تكمن في العيش في واقع خال من المعرفة والإدراك، لأنّ فلسطين تختلف عن أي بقعة جغرافية في الأرض باعتبارها أرض الإنسان وعدوها عنصري، كما أنّ طبيعة فلسطين إنسانية لذلك لم ننجح على، حدّ تعبيره. في السياق ذاته دعا صالح عوض إلى ضرورة توسيع الدائرة المعرفية لدى الفلسطينيين والعرب، حكومات وشعوبا، حتى تصبح فلسطين أرض الإنسان. وهذا على ضوء وجود يهود أحرار يناضلون ضد المشروع الصهيوني سيما وأنّهم عاشوا في أحضان المسلمين والعرب لأكثر من 1400 سنة، لكن خطاب العرب يؤخر ولا يقدم وبالتالي وجب توسيع الدائرة المعرفية - حسب قوله- للوصول إلى الغاية المنشودة. من جهة أخرى، يعتبر صالح عوض بأنّ مشكلة القدس هي الخراب والتجزئة والتخلف الذي مسّ العرب، فالمسألة ليست مجاملات بل تشير إلى أنّ قوة مجتمعاتنا العربية تصبّ في القدس وتضررها ينتهي إلى القدس. وتأسف عوض على الوضع الحالي قائلا: "جميع الأصوات المنادية بالتحرير في واد مغلق، إن لم تروا مشاكلكم من منظار القدس فلا تنتصروا". وتابع في معرض حديثه: "موضوع القدس ليس عاصمة فلسطين وليس فقط المكان المقدس بل هو مكان رمزي جدا من المفروض أن أهميته لا تقف إلى هنا، لكن للأسف وقفت هنا"؟
طول عمر القضية الفلسطنية راجع إلى إهمال الجانب المعرفي الجزائر أول دولة عربية تتبنى المشروع المعرفي في جامعاتها أرجع عبد الفتاح عويسي، صاحب المشروع المعرفي لتحرير بيت المقدس، أسباب طول عمر القضية الفلسطينية إلى إهمال الجانب المعرفي الذي كان من المفروض، على حد قوله، أن يكون الانطلاقة من أجل تحقيق النصر وتحرير بيت المقدس. عرض عبد الفتاح عويسي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة البريطانية، مشروعه المعرفي الذي يهدف إلى التعريف بتاريخ بيت المقدس، والذي شرع فيه قبل ربع قرن، وتم إيصاله إلى مختلف بقاع العالم، بما فيها الجزائر التي تعد أول دولة عربية تتبنى هذا المشروع في جامعاتها بعد أن أعطت الموافقة عليه. حيث يرى الدكتور أن التحرير القادم يجب أن يبنى على التحرير المعرفي الذي يكون أساس كل انطلاقة تستند على الجانب السياسي والعسكري من أجل تحقيق الحرية، معتبرا أن المشروع، الذي انطلق فكرة سنة 1994، استطاع أن يحقق الهدف إلى حد بعيد، من خلال وجود ما يقارب 30 ماجستير ودكتوراه على مستوى الجامعات العالمية التى تهتم بتاريخ بيت المقدس. وسيتم توسيعه، لا سيما وأن العديد من الدول التي زرناها أبدت اهتماما بفكرة التعريف بالقضية الفلسطينية وبيت المقدس على وجه الخصوص، حيث كانت البداية سنة 2007 تهدف إلى نشر المشروع في الدول الإسلامية. وكانت الانطلاقة من ماليزيا ثم تركيا ومصر. وفي سنة 2014 كانت الانطلاقة الثانية من المشروع بعد المؤتمر الدولي الذي انعقد في تركيا والذي وضع خطة استراتيجية لمدة 10 سنوات وكانت أهم نقطة فيه هي توسيع المشروع في الدول العربية، وكانت الجزائر على- حد قول الدكتور عويسي- أول دولة عربية تتبنى هذا المشروع، مضيفا أن هذه الدول سوف تقدم الكثيرللقضية الفلسطينية، لذلك تم التركيز عليها. وأضاف الدكتور عويسي أن المشروع المعرفي هو نقطة يعتمد عليها من دون نسيان الجانب العسكري والسياسي، فالجانب المعرفي هو الجانب المهمل في القضية الفلسطينية من أجل تحقيق التكامل والنصر من دون نسيان الجوانب الأخرى، لأن مشكل العرب والمسلمين يكمن في نقص الإدراك الذي هو منطلق لكل هدف يراد تحقيقه. وعن تأثير العدوان الأخير على قطاع غزة على مسار القضية الفلسطينية، أوضح عبد الفتاح عويسي أن العدوان على القطاع ليس الأول ولا الأخير وإنما الشيء الجديد فيه هذه المرة هو أنه أثبت للعالم أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر مجرد بعبع يراد منه تخويف دول المنطقة، فبإمكانات محدودة تم إذلال قوة عسكرية من تسليح الولايات المتحدة الأمريكية، وبرهنا على صمود شعب أكثر من 51 يوما من القصف والتدمير، بتواطؤ أنظمة عربية لا تزال تواصل خيانتها للشعب الفلسطيني، في حين نرى العديد من شعوب العالم وقفت إلى جانب الفلسطينيين وكانت المسيرة التى نظمت في لندن نصرة لأهل غزة دليلا على وعي الأجانب وإدراكهم المعرفي للقضية. وعما إن كان هناك تراكم تاريخي من شأنه أن يسهم في تحقيق النصر في فلسطين، قال عبد الفتاح عويسي إن الباحثين يرون أن العمر الافتراضي للدولة الصهيونية بدأ في الانتهاء وسوف يلحق باليهود مثل ما حدث مع الفرنجة، لأنه وببساطة مشروع غربي يهدف إلى تفكيك المنطقة من خلال وضع قنبلة، وهي الكيان الصيهوني المعروف بالدولة العازلة، فالعدو يريد تفكيك وتقسيم المنطقة من خلال إنشاء دولة صديقة للغرب وعدوة لبلدان المنطقة. وخلص الدكتور إلى التأكيد أن الدول العربية والإسلامية تعيش في هوان كبير والدليل بقاؤها حبيسة الأفكار المستوردة التي تستند عليها في فهم واقعها، لذلك تم التفكير في بعث المشروع المعرفي الذي يراد منه في الأساس بناء الفكر المعرفي من أجل تحقيق النصر في فلسطين، فالدراسات العلمية تقول إن من يملك بيت المقدس يملك العالم واحتلال هذه الأرض دليل على هوان الأمة العربية والإسلامية.
من هو البروفسيور عبد الفتاح العويسي؟ البروفيسور عبد الفتاح العويسي أستاذ العلاقات الدولية في عدد من الجامعات العالمية، وأول أستاذ كرسي محاضر في دراسات بيت المقدس ببريطانيا، مؤسس المشروع المعرفي لبيت المقدس، له أزيد من ثلاثين مؤلفا مطبوعا، ويعتبر من أهم المُبعدين الفلسطينيين إلى مرج الزهور في جنوبلبنان رفقة الكثير من القيادات الفلسطينية. وكبقية أبناء الشعب الفلسطيني، الذين شردوا من أرضهم وأخرجوا من ديارهم، عاش العويسي (ابن قرية زرنوقة، من إقليم بيت المقدس) آثار نكبة 1948 في مخيم للاجئين الفلسطينيين، الذي ولد وترعرع ودرس فيه، فذاق مرارة اللجوء وحياة القسوة والحرمان، وشهد هزيمة 1967 واستشهد أخيه الأكبر هاشم (عبدالله) في معركة الكرامة مما ترك بصمات واضحة في حياته. تعلق ببيت المقدس، وأضحى موطن فكره، خاصة وأنه عمل في عدد من الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربيةالمحتلة أستاذا، لا سيما في جامعة الخليل، وجامعة القدس التي درس طلابها على مصاطب المسجد الأقصى المبارك.
أصداء
اتفق الأستاذ صالح عوض والبروفيسور عبد الفتاح العويسي على تسمية الغزاة السابقين من الصليبين بالإفرنجة، إنصافا للنصارى الذين وقفوا جنبا إلى جنب مع المسلمين في محاربة الظلم، ولتعرضهم أيضا لكثير من المآسي طوال القرون المظلمة التي عاشت فيها بيت المقدس وفلسطين. لقاء الأستاذ صالح عوض مع البروفيسور العويسي كان لقاء حميميا، وكأن الرجلين يعرفان بعضهما بعضا منذ زمن طويل، ولكنها القضية التي جمعتهما، بعد أن فرقتهما الجغرافيا. ذكر البروفيسور العويسي في مجمل حديثه أن الفلسطيني لما يعجبه عمل رجل ما، يقول له: "بيض الله وجهك"، فرد عليه الأستاذ عوض أن الجزائريين يقولون: "حمّر لي الله وجهي". ذكر الأستاذ صالح عوض، في حديثه عن حب الجزائريين لكل ما هو فلسطيني، بأنه حين يريد أن يشعر بفلسطينيته في الجزائر، يُخالف في قيادة السيارة، وحين يطلب الشرطي رخصة السياقة، يفصح عن هويته الفلسطينية، فيدعو الشرطي لفلسطين ويترك سبيله. أبدى الأستاذ صالح عوض تحكما جيدا في سرد الأحداث التاريخية المختلفة في تاريخ الجزائر.. فما كان من البروفيسور العويسي إلا أن يُنصت ويستمع إلى قصص العربي بن مهيدي وزيغود يوسف وعبد الحميد بن باديس، وعن وقوف الجزائر مع الشعب الفلسطيني في كل مراحل محنه. يرافق البروفيسور العويسي مجموعة من الشباب منذ أكثر من أسبوع، حيث زار رفقتهم ولايات باتنة وخنشلة وبسكرة والمسيلة والعاصمة والبليدة. ويروي أحد المرافقين أن البروفيسور رغم الشيب الظاهر على رأسه، إلا أن قوته وصبره أكبر من كثير من الشباب.