عكست الصحف الغربية حجم الصدمة التي تركها الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو"، فأجمعت على التنديد ب"الوحشية" و"الحرب ضد الحرية" و"الإبتزاز المقزز". عنونت صحيفة "واشنطن بوست" و"ليبراسيون": "جميعنا شارلي" مكتوبة بالأبيض على خلفية سوداء، وقد رفع الكثير من المتظاهرين لافتة تحمل هذا المربع الأسود خلال التجمعات التي جرت الاربعاء المنصرم، ونشرت صحيفة "لو فيغارو" صورا ل6 من الضحايا هم الرسامون: كابو، وشارب، وأونوريه، وتينيوس، وولينسكي، وخبير الاقتصاد والصحافي برنار ماريس. وفي افتتاحية بعنوان "الحرب" حذر مدير الصحيفة من "حرب حقيقية لا يشنها قتلة في الظل، بل سفاحون يتحركون بمنهجية وتنظيم ويظهرون عن وحشية هادئة تثير الرعب". وفي ألمانيا، لفتت صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ" إلى أن "الهجوم على صحافيي "شارلي إيبدو" يستهدف قلب الديمقراطية وحرية الصحافة"، مؤكدة أنه في "التصدي للإرهاب يجب عدم التراجع"، موضحة أن "هدف الإرهابيين هو على الدوام نشر الخوف والرعب ومع هجوم الأربعاء بات الخوف يعم هيئات التحرير"، بحسب موقع "بي بي سي". وفي بريطانيا، عنونت صحيفتا "ديلي ميل" و"ديلي تلغراف": "الحرب على الحرية"، مع صورة من مشاهد الاعتداء يظهر فيها المهاجمان يصوبان سلاحيهما على شرطي مطروح أرضا، كما عنونت صحيفة "تايمز": "هجوم على الحرية"، و"الغارديان": "انقضاض على الديمقراطية".وأشارت "الغارديان" في افتتاحيتها إلى أن صحافيي "شارلي إيبدو" الذين هزئوا على الدوام بالمسيحية "لم يروا يوما أي مبرر خاص لإظهار المزيد من الاعتبار لباقي الأديان". ونشرت صحيفة "برلينغسكي" الدنماركية على صفحتها الأولى رسما يصور ورقة بيضاء كتب عليها اسم "شارلي إيبدو" بالأسود تحيط به آثار 12 رصاصة نسبة إلى القتلى ال12، مؤكدة أن "الديمقراطية وحرية التعبير لا يجب ولا يجدر خنقهما". وقالت صحيفة "الغارديان" أيضا مقالا لإيد حسين بعنوان ""شارلي إيبدو": لا يمكننا ترك مجرمي باريس يشوهون صورة الإسلام". وقال كاتب المقال، إن "قتل الصحافيين في باريس أول من أمس لم يكن اعتداء على فرنسا فقط، بل إهانة للإسلام ولجميع الحريات المتوفرة لنحو 30 مليون مسلم بالعيش بكرامة في الغرب". وأضاف حسين، وهو من قيادات حزب التحرير الذين انشقوا عنه قبل سنوات، وله كتاب مهم بعنوان "الإسلاموي": "إن حرية التعبير ليست مفهوما غربيا فقط، بل هي شغف عالمي تتوق إليه النفس البشرية". وانتقد كاتب المقال المسلحين الذين نفذوا الجريمة وهتفوا بعد قتلهم للصحافيين: "الله أكبر"، متسائلا: كيف يجرأون على القتل باسم الإسلام ويشوهونه؟". وأشار كاتب المقال إلى أن "النبي محمد هو أول من حارب من أجل حرية الرأي". وأوضح أن المسلمين يعيشون بأمان في الغرب بسبب حرية الرأي والوعي وحرية الصحافة والمعتقد، موضحا أن "التعدي على هذه الحريات يعد تعديا على وجود الإسلام". وقال كاتب المقال: "إن الإسلام يدعو إلى الرحمة والعطف، إلا أن هذه المعاني أضحت مهددة بسبب أفعال المتشددين من المسلمين، إذ يتساءل الكثيرون في العالم اليوم، عن "الرحمة" التي يتغنى الإسلام بها وسط ما نراه من قطع للرؤوس والحروب. والتفجيرات الانتحارية باسم الدين"، موضحا: "إننا سنظل نشهد مثل هذا الشر ما لم نعالج دوافع هؤلاء القتلة، ومشيرا إلى أنهم يقتلون باسم الدين، لذا يجب أن نحاربهم بتطبيق الدين بصورته الحقيقية". واستشهد حسن بمقولة للشيخ الناطق بالفرنسية عبد الله بن بيه الذي طالما ذكر في أحاديثه أنه "إذا اندلع حريق في أحد المنازل، فإن الجميع سيبادر إلى المساعدة في إخماد النيران، ولن يسأل أحد لماذا هذا الشخص أو ذاك حمل دلو المياه، موضحا أن بيت الإسلام يحترق وبحاجة لأن يعمل الجميع على توفير هذه المياه لإخماده، بغض النظر عن عرقهم وديانتهم". فيما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن الحادث الذي هز فرنسا، أول من أمس، والذي استهدف مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، يثير الشكوك في احتمالية تورط تنظيم داعش كونه حمل الأساليب الإرهابية نفسها، خاصة مع توجيه الجماعة المنظمة النداء لكل مؤيديها في أنحاء العالم بالقيام بالعمليات الإرهابية". وأضافت الصحيفة، أن نداء التنظيم أسفر حتى الآن عن الكثير من هجمات "الذئاب المنفردة"، ومنها حادث احتجاز الرهائن في أحد المقاهي بمدينة سيدني الأسترالية، والاعتداء على أحد المتاحف اليهودية في العاصمة البلجيكية بروكسل في ماي الماضي، وحادثة إطلاق النار بالبرلمان الكندي. كما قالت الصحيفة إنه على الرغم من عدم توصل المخابرات الغربية وأجهزة مكافحة الإرهاب إلى مرتكبي واقعة "شارلي إيبدو"، فتشير توقعات الخبراء والمحللين إلى أن تنظيم القاعدة أو أحد المؤيدين له قد يكون متورطا في الحادث. وأشارت التقارير الخبراء إلى أن "العملية نفذت على مستوى عالٍ من الدقة والتعقيد، على عكس بعض العمليات الأخرى التي نقصها الترتيب والتخطيط اللازم، مثل واقعة احتجاز الرهائن في أستراليا". وعلى صعيد آخر، رأى تشارلي وينتر، أحد كتاب صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أن "ثبوت تورط تنظيم داعش الإرهابي في الحادث لا يفيد سوى التنظيم نفسه وزعيمه البغدادي"، وأشار الكاتب إلى السرعة التي تناقلت بها مواقع التواصل الاجتماعي خبر الحادث، وإرجاعها السبب في الحادث إلى التنظيم، مما كان له الفضل في شعور مؤيدي التنظيم بالنصر، وتهنئة الكثير منهم القائمين على الحادث. وأضاف وينتر: "الشيء المؤكد هو أن مؤيدي "داعش" أرادوا أن يحصدوا فخر قيام التنظيم بالعملية"، ونبه إلى أنه "على الرغم من وضوح قيام الحادث على خلفية إسلامية، فيجب عدم التسرع في إطلاق الأحكام النهائية بعد، لعدم وجود الأدلة المطلقة". من جهتها، قالت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، إن "الهجوم يحمل بصمات تنظيم القاعدة، أو أحد أفرع "القاعدة" كتنظيم القاعدة في اليمن أو جبهة النصرة في سوريا"، معللة ذلك بأن "القاعدة" تحاول جاهدة إعادة هيمنتها بين الجماعات الجهادية، عقب سيطرة تنظيم داعش. من جانبها، أكدت تقارير لصحيفة "تلغراف" عبر وسائل الإعلام الفرنسية، أن موظفا في صحيفة "شارلي إيبدو"، قال، إن المسلحين الذين هاجموا المجلة عرفوا أنفسهم كأعضاء في تنظيم القاعدة. وقال شهود عيان لصحيفة "تلغراف": "إن منفذي الهجوم على الصحيفة أخبروهم أثناء فرارهم أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة، وأنهم من اليمن". وأوضحت رسامة الكاريكاتير كورين كوكو أنها سمحت للمهاجمين بالدخول إلى مكتب الصحيفة بقوة التهديد. وهددوها بالسلاح، كما أنهم عرفوا أنفسهم لها بأنهم من تنظيم قاعدة اليمن. وكانت منظمة مراسلون بلا حدود وجهت في بيان لها "نداء دوليا الى جميع مدراء وسائل الإعلام من أجل أن ينشروا اعتبارا من الخميس رسوم الصحيفة المفجوعة". وتابعت المنظمة المدافعة عن حرية الصحافة في بيانها "لا يمكن لحرية الاعلام ان تتنازل أمام الوحشية وتستسلم لابتزاز الذين يحملون على ديموقراطيتنا وعلى قيمنا الجمهورية".