شيع، ظهر أمس، بمقبرة وادي الرمان بالعاصمة، جثمان الفقيد سيدعلي كويرات، في جنازة مهيبة غاب عنها وزارء الحكومة الحالية ، وحضرها الوالي زوخ وحمراوي حبيب شوقي إضافة الى الوزير السابق بوجمعة هيشور و محافظ مهرجان وهران للفيلم العربي ابراهيم صديقي ورئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية مصطفى بيراف، وعدد من الفنانين وأصدقاء ورفقاء درب الراحل. جموع المشيعين ودعوا كويرات إلى مثواه الأخير بالحزن والحسرة والدموع. فبكى سيد أحمد أڤومي رفيق دربه وقال ل"الشروق": "لا أنساه أبدا ما حييت، سيبقى حيا في القلوب، أذكره لشخصه وسلوكه وتمثيله، حقا رحيله خسارة كبيرة للفن والسينما الجزائرية، أذكر أنّه أثناء التمارين، كان يغنّي بين الفينة والأخرى أغاني للراحل فريد الأطرش، حتى نرفه ونروح عن أنفسنا ونزيل تعب التمارين، كويرات لا يحب الناس الذين لا يتقنون أو لا يحبّون مهنتهم، إنّه ابن القصبة المقاتل والطيب والحنون والوطني". وأضاف أڤومي: "سيبقى مثالا حيا لممتهني السينما والمسرح، ابن فقير وتعلم وتثقف حتى صار نجما لا ينسى في الفن الجزائري، وهو ممثل شعبي حافظ على روح الشعبية". بدوره عبرّ الوالي زوخ الذي ناب عن الرسميين في جنازة المرحوم كويرات بقوله ل"الشروق": "ربي يرحمه، فقدانه خسارة كبيرة للجزائر، لأنه من الفنانين العظماء الذين تركوا أثرا في النفوس، من خلال الكثير من الأفلام على غرار فيلمه الأولّ "ألأفيون والعصا" الذي لعب فيه دورا مهما، حيث شاهدنا الفيلم ونحن تلاميذ، ما أعطانا نوعا من الحافز في حب الوطن ومعرفة ما معنى قيم الوطنية.". أمّا الوزير الأسبق حمراوي حبيب شوقي فأكدّ ل"الشروق" بأنّه مهما كان مقام الانسان في المسؤولية في الدولة الجزائرية أو في المجتمع أو كمواطن، فإنّه يتشرف بأن ينتمي لبلد فيه سيدعلي كويرات، وهذا وسام يتباهى به المواطن الجزائري .. من جهته تأسف عبد القادر بن دعماش لرحيل كويرات ووصفه "بالرجل العبقري وعصامي النشأة، كما أنّه فنان وحساس له قوة التمثيل وزيادة على ذلك هو موسيقي يحب الموسيقى ويحب فريد الأطرش، والشخصية الثانية التي يتمتع بها هي الوطنية، فكان كلما يقال له ستشارك في تونس أو في بلد آخر رفقة الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني يلبي النداء على الفور .
بوتفليقة ولعبيدي يعزيان عائلته والأسرة الفنية في الجزائر كويرات.. من جبهة التحرير إلى خشبة بشطارزي وكاميرا حمينة رحل الفنان القدير وأحد أبرز أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني سيد علي كويرات بعد معاناة مع المرض، حيث وافته المنية أول أمس، الأحد، بالمستشفى العسكري لعين النعجة عن عمر ناهز ال82 سنة. كان شديد التعلق بالحياة وبالإبداع، وظل حتى أيامه الأخيرة مصرا على مواصلة الدرب، بل وكانت آخر أمنية بعد خضوعه لعملية جراحية في مستشفى وهران أن يعود إلى الخشبة. تأثرت حالته النفسية كثيرا بعد أن اضطر الأطباء إلى بتر ساقيه، وودع الابتسامة التي لطالما رسمها على محياه رغم التعب والمرض. خبر وفاة الفنان سيد علي كويرات انتشر بسرعة البرق في الوسط الفني والثقافي، وسارع الأصدقاء والرفقاء إلى تقديم التعازي لعائلته وتوديعه إلى مثواه الأخير. أمنيته بعد إجرائه لأول عملية جراحية كانت العودة إلى الخشبة ومن جهته بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة برقية تعزية لأسرة الفنان الراحل سيدعلي كويرات والأسرة الفنية، قال فيها "إن الساحة الفنية تفقد أحد أيقوناتها، وهو من طينة الكبار الذي ارتبط اسمه بروائع الأعمال في السينما والمسرح والتلفزيون". وعدد الرئيس بوتفليقة مناقب الراحل الذي قال "بأنه من أبرز الوجوه التي صنعت السينما الجزائرية فأرخوا بذلك لثورة أول نوفمبر المجيدة بمشاهد سينمائية تحفظ الذاكرة الجماعية، واصفا إياه بالمدرسة التي تعلمت منها أجيال بأدائه وأخلاقه المتميزة". بدورها أشادت وزيرة الثقافة نادية لعبيدي بالمسار الفني الحافل وبنضال الممثل سيدعلي كويرات، وأكدت لعبيدي في برقية تعزية أنه "برحيل الممثل سيدعلي كويرات تكون الساحة الفنية قد فقدت أحد عمداء السينما والمسرح في الجزائر".
قالوا في سيد علي كويرات طه العامري: "العائلة الفنية اليوم في حزن كبير.. فالجزائر بوفاة سيد علي كويرات ضيعت قامة فنية من طينة الكبار.. عملت معه قبل الثورة سنة 1953 واستمرت علاقتنا منذ ذلك الوقت إلى الآن. كان في الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني وسافرنا معا إلى الصين الشعبية وروسيا "الاتحاد السوفياتي سابقا" .. وأعماله كانت مميزة "أبناء القصبة" و"الخالدون" و"دم الأحرار". تتلمذ على يد كاتب ياسين - رحمه الله - كان إنسانا إيجابيا ومرحا وحبا للحياة. لمين بشيشي: "رحمة الله على الفنان القدير سيد علي كويرات .. كان من اللامعين في قسم التمثيل مع الراحل عبد الحليم رايس، وزميلا في قسم الموسيقى الذي كان يضم أحمد وهبي وفريد علي ووافية كان ممثلا بارعا وبرز في فئة السمعي البصري.. باختصار كويرات كان من التحف الفنية النادرة. دليلة حليلو: "سيد علي كويرات مثال الفنان المخلص لفنه إلى أكبر الحدود، مهما تحدثنا عنه فإننا لن نفيه حقه.. فأعماله أحسن من يتحدث عنه، رجل كبر بوطنيته وبمواقفه .. الجزائر خسرت طاقة كبيرة بفقدانه وإذا أردنا أن نمجده علينا أن نبقى أعماله خالدة بعده بعرضها وعدم إدراجها في الأرشيف". بهية راشدي: "رحيل سيد علي كويرات سيترك فراغا كبيرا وكبيرا جدا في مجال الفن والسينما خاصة ، كان لي الحض أن جمعتني به أعمال كثيرة ومعروف عنه أنه كان إنسانا جادا في أعماله وصادقا في أدواره، وكان دائما في مقدمة أي تظاهرة فنية أو ثقافية، مقدما عمله وفنه على عائلته، كما مثل السينما الجزائرية بشرف في الداخل والخارج، أضف إلى أنه إنسان متواضع، عمل مع الكبير والصغير بدون حسابات، لذا فالجزائر بفقده تخسر قامة فنية كبيرة". فضيلة عسوس: "الجزائر اليوم فقدت فنانا كبيرا وقامة من الصعب تعويضها نتمنى أن يتغمده الله برحمته الواسعة ويسكنه فسيح الجنان ..كان إنسانا بسيطا ومخلصا لفنه، الحمد الله انه رحل في دفئ عائلته وأحبابه، والشكر لوالي وهران الذي قدم له الدعم اللازم خلال فترة مرضه".
كاريزما سينمائية عالية أدخلته العالمية من الباب الواسع كويرات.. العبقرية التي انحنى أمامها يوسف شاهين يجمع نقاد السينما في الجزائر وخارجها على أهمية الممثل الراحل سيدعلي كويرات نظرا لما يمتلكه من موهبة وخصوصيات قل نظيرها في الوسط الفني محليا وعربيا، وقد أثرى بها المشهد السينمائي الجزائري والمسرحي والتلفزيوني.. "علي موت واقف" كما يحلو للجزائريين مناداته به نقش اسما من ذهب ترسخ في ذاكرة الجزائريين ووجدانهم لرجل يحمل كبرياءً أسطوريا عن حبه لوطنه ونضاله لأجله.. " الأفيون والعصا" .. " وقائع سنين الجمر" . "ديسمبر" وأفلام أخرى جعلت اسم كويرات يقفز عاليا في عالم السينما كنجم له هويته ومميزاته الإبداعية ذات المقاييس العالمية، انحنى أمامها عمالقة الإخراج الجزائري وحتى من خارج الجزائر، وعلى رأسهم المخرج العالمي المصري يوسف شاهين، الذي انبهر بشخصية سيدعلي كويرات وقدراته التمثيلية الفائقة حيث انحنى أمامها وخصوصا بعدما شاهد حضوره المتميز في فيلم " الأفيون والعصا" سنة 1969 لأحمد راشدي وفيلم " وقائع سنين الجمر" ، سنة 1974 للمخرج محمد الأخضر حمينة، الذي نال السعفة الذهبية في مهرجان كان 1975 ، الأمر الذي جعله يستدعيه للتمثيل معه في فيلمين اثنين من أفلامه: - الأول هو فيلم " عودة الابن الضال" سنة 1976 والذي يُظهر فيه يوسف شاهين كامل توهجه السينمائي، من خلال فيلم يحاكي نكسة 1967 محاولا زرع الأمل في الشباب ثانية، فيلم ضم كوكبة مهمة من نجوم السينما المصرية بينهم النابغة الجزائري سيدعلي كويرات الذي ترك بصمة مميزة في الفيلم بأدائه لدور والد "تفيدة" التي قامت بتقمص شخصيتها المطربة ماجدة الرومي في أولى تجاربها السينمائية وآخرها.. يذكر ان سيدعلي كويرات - بحسب أحد تصريحاته لإحدى الوسائل الإعلامية - أبدى نوعا من العتاب على يوسف شاهين عندما عاد إلى مصر ولم يجد اسمه في أفيش الفيلم رغم أهمية دوره، إلا أن يوسف شاهين أنكر ضلوعه في القضية وأبدى جهله عندما سأله كويرات عن السبب، رغم أن شاهين - يقول كويرات - كان مسؤولا عن كل تفاصيل الفيلم من الكاستينغ إلى الأفيش، حتى العاملون معه يستأذنونه في كل دقيقة من دقائق الفيلم. إلا أن كويرات سرعان ما زال عنه غضبه طالما أن شاهين دائما يقول إن الجزائر هي من احتضنته، وهذا يشفع له أخطاءه - حسب كويرات - والدليل على ذلك إعادة التقاء الرجلين في تجربة ثانية، وهو الفيلم المثير للجدل " المهاجر" سنة 1994 الذي أثار ضجة عند نزوله في قاعات السينما بسبب قصة الفيلم المقتبسة عن سيرة سيدنا يوسف، حيث أقيمت الدنيا ولم تقعد من طرف جهات إسلامية لإيقاف عرضه، وقد جند يوسف شاهين في هذا الفيلم كوكبة مهمة من أبرز نجوم السينما العربية إضافة إلى كويرات الذي قام بدور مميز يمثل رجلا حكيما يظهر بلحية بيضاء كثيفة ترمز إلى الوقار، هي صورة وشخصية جديدة اكتشفها شاهين في كويرات لم يعهدها الجمهور الجزائري في "علي موت واقف".
هذا ما قاله سيد علي كويرات للشروق "غنيت في بيت فريد الأطرش وماجدة الرومي تناديني بابا" عندما زارت الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي الجزائر في سنوات الجمر، عام 1997 وكان حدثا فنيا وسياسيا واجتماعيا كبيرا، بعد أن رفض كل الفنانين دخول الجزائر على خلفية المجازر التي كانت تصنع يوميات الجزائريين، وأدت إلى مقتل عدد من الفنانين ومنهم حسني وعزير ورشيد وفتحي وعز الدين مجوبي، جلست في القاعة الشرفية لمطار العاصمة، وسألت بعد الترحاب الرسمي بها: أين هو بابا؟ وحتى تبخّر حيرة الجميع شرحت لهم بأن البابا، هو الممثل سيد علي كويرات الذي لعب دور والدها في الفيلم العربي الكبير لمخرجه يوسف شاهين " عودة الإبن الضال" ، ولأنه أول عمل لماجدة الرومي وفيه غنت أولى أعمالها من تلحين عمالقة الموسيقى، كمال الطويل وبليغ حمدي وسيد مكاوي، فإن الفيلم الذي أنتج عام 1976 ومن شاركها في التمثيل، بقوا راسخين في ذهنها، ومنهم الراحل سيد علي كويرات الذي حضر حفلتها في القاعة البيضاوية وبعد نهاية الحفلة تقدمت ماجدة من والدها الفني واحتضنته كطفل أعادوه إلى أبويه. هذه الحكاية رواها لنا الراحل سيد علي كويرات الذي كان له الشرف، خلال تصوير الفيلم العالمي للمخرج " يوسف شاهين" عودة الابن الضال" القصة الشهيرة التي كتبها صلاح شاهين، أن يكون خيار يوسف شاهين، لتمثيل المغرب العربي في هذا الفيلم الكبير، الذي روى أحداث ما بعد مأساة نكبة 1967 الاجتماعية والسياسية، وهزّ العالم الفني في منتصف سبعينات القرن الماضي، ووقف فيه سيد علي كويرات المنتشي حينها بنجاحات الفيلم العالمي الآخر " الأفيون والعصا" ، إلى جانب أكبر فناني مصر على الإطلاق، ومنهم الراحلة المغنية والممثلة هدى سلطان زوجة ملحن نشيد قسما محمد فوزي وتوفيت عام 2006، والممثل شكري سرحان الذي توفي عام 1997 ويعتبر من قامات التمثيل المصري في زمنه الجميل، والممثل العبقري محمود المليجي الذي توفي عام 1983، إضافة إلى سهير المرشدي وأحمد بدير وهشام سليم وطبعا ماجدة الرومي، التي كتبت شهادة ميلادها الغنائي بعد أن أدت أغنية " مفترق الطرق" وأوبيريت الشارع في الفيلم، وهو شرف لم يحض به أي فنان جزائري أو مغاربي على الإطلاق، وكان فيلم الأفيون والعصا، للمبدع الجزائري أحمد راشدي، قد وضع سيد علي كويرات لمدة سنتين من التصوير من 1969 إلى 1971 جنبا إلى جنب، مع أشهر الفنانين الفرنسيين لجميع الأوقات، ومنهم جون لويس ترانتينيون الذي مازال على قيد الحياة ويبلغ من العمر 85 سنة، وماري جوزيه نات التي مازالت أيضا على قيد الحياة وتبلغ من العمر 75 سنة، وهي الفناة الكورسيكية التي قالت عندما تم بث الفيلم لأول مرة عام 1973 في إيطاليا بأنها هي التي تتشرف بوقوفها إلى جانب العملاق سيد علي كويرات والعمل مع المخرج أحمد راشدي، ناهيك عن كبار الفن الجزائري الذين وقف إلى جانبهم الراحل ومنهم على وجه الخصوص مصطفى كاتب و وحسان الحسني ورويشد، في السينما والمسرح وفي الأعمال التلفزيونية.