توفي صباح أمس المخرج المصري الكبير يوسف شاهين عن عمر ناهز 82 عاما بعد أن أصيب بنزيف في الدماغ أدخله في غيبوبة دامت ستة أسابيع نقل خلالها إلى المستشفى الأمريكي بباريس ولكنه أعيد إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي جنوبالقاهرة وهو في حالة غيبوبة كاملة ليرحل عنا صبيحة أمس. وكان شاهين يستعد قبل تدهور حالته الصحية لتسلم جائزة أحسن مخرج عن فيلمه الأخير" هي فوضى" في احتفال أوسكار آرتي الخامس الذي أقيم في منتصف شهر جوان الفارط، ليكلف تلميذه وشريكه في العمل خالد يوسف تسلم الجائزة نيابة عنه بعد شعوره بوعكة صحية. وكان يوسف شاهين قد تعرض أثناء تصويره لهذا الفيلم لأكثر من أزمة صحية دخل على إثرها المستشفى وصرح أن فيلم" هي فوضى" سيكون آخر أعماله، وكأنه شعر بدنو الأجل. عشق يوسف شاهين الجزائر التي عرفها عندما كانت سينماها تعيش عصرها الذهبي، وكانت هي أول من اعترف بتميزه وقدراته الفنية والإبداعية حتى قبل مسقط رأسه مصر، لتكون بذلك الجزائر ملاذه والكتف التي أستند عليها في أصعب فترات حياته بسبب معارضته للسلطة المصرية آنذاك وكانت ثمرة ذلك الدعم والحب المتبادل أفلاما عديدة سجلت اسمها في تاريخ السينما العربية بل والعالمية في مقدمة فيلم "العصفور" و" الإسكندرية ليه " و"عودة الابن الضال" التي جمعته بالفنان الجزائري المعروف سيد اعلي كويرات الذي أشركه مرة أخرى في رائعته فيلم "المهاجر" مع خالد النبوي واحمد حميدة ويسرا .. وقبل ذلك قدم شاهين فيلمه الشهير حول المجاهدة الجزائرية "جميلة بوحيرد" إكراما للثورة المجيدة. حبه للجزائر وفضلها عليه كان شعارا يرفعه شاهين أينما ذهب، فكثيرا ما ردد حبه لبلد المليون ونصف مليون شهيد بقوله:"أعشق كل ما هو جزائري وكل من هو جزائري"، وإحساسه بالراحة عجيبة لم يجد تفسيرا لها وهو يتجول في شوارع باب الواد مشيا على الأقدام.. وتلك الصداقات الحميمية التي تجمعه مع العديد من الفنانين الجزائريين لاسيما الفنان سيد اعلي كويرات الذي نوه المخرج الراحل كثيرا بقدراته الفنية الفريدة، وكذا مخرج الأفيون والعصا "احمد راشدي" الذي عبر في الكثير من المرات عن اعتزازه بصداقته له. فبين يوسف وشاهين والجزائر قصة حب لا يحدها زمان ولامكان، البلد الذي وقف معه في محنته ومرضه ليكرّمه في افتتاح آخر طبعة للمهرجان الفيلم العربي بوهران شهر جوان الفارط للأفلام والبداية كانت من فيلم "جميلة بوحيرد" الذي أخرجه شاهين ومن تأليف عبد الرحمن الشرقاوي، علي الزرقاني ونجيب محفوظ، إنتاج مصر سنة 1958 بطولة ماجدة الصباحي، أحمد مظهر، رشدي أباظة، محمد المليجي، زهرة العلا، صلاح ذو الفقار، حسين رياض وصلاح نظمي... الفيلم يصور نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار وكمثال عن ذلك كفاح المجاهدة القديرة جميلة بوحيرد، وفي سنة 1972 وقع على أول اتفاق للإنتاج المشترك بين الجزائر ممثلة بالديوان الوطني للتجارة والصناعة السينمائية ومصر لإخراج فيلم "العصفور" الذي خرج للنور في أفريل 1973 ويتناول مرحلة الهزيمة بعد حرب 1967 من بطولة محسنة توفيق، صلاح قابيل ، علي شريف ومحمد مليجي، يليه عمل ثالث وهو فيلم" عودة الابن الضال" الذي ساعدت الجزائر بصفة كبيرة في انجازه وهو من قصة صلاح جاهين ويحكي هزيمة 1967 وانتصار 1973 من بطولة سيد علي كويرات، شكري سرحان، هدى سلطان، ماحدة الرومي ومحمد المليجي. وكانت آخر زيارة له للجزائر عام 2005 عند العرض الأول لفيلمه "اسكندريا نيويورك" بقاعة سينما الجزائرية ونشط خلالها ندوة صحفية بقاعة ابن خلدون بحضور جمع كبير من الصحافيين. ولد يوسف شاهين الذي يعرف عنه معارضته للمراقبة وللتطرف والإسلاميين في 25 جانفي 1926 بالإسكندرية من أم يونانية وأب لبناني، تحصل على الابتدائية من مدارس الرهبان ثم انتقل إلى مدرسة فكتوريا وتحصل منها على شهادة الثانوية العامة، سافر إلى الولاياتالمتحدة حيث درس فنون المسرح والسينما في معهد باسادينا ببايهوس مدة سنتين، قدم له رائد التصوير ألفيس أورفانيللي الفرصة الأولى لدخول عالم السينما وأخرج شاهين فيلمه الأول "بابا أمين" وعمره 23 سنة، ولتتوالى بعد ذلك أعمال المخرج التي أثرت الساحة السينمائية العربية والعالمية، حيث قدم أفلاما تاريخية أشهرها فيلم "الناصر صلاح الدين"، "وداعا بونابرت"، " المهاجر" و"المصير"، وأعمال عن سيرته الذاتية وهي: "إسكندرية ليه"، " إسكندرية كمان وكمان"،" حدوثه مصرية" و"إسكندرية نيويورك" . أما عن أعماله التي عبّرت عن رؤاه السياسية فهي:" الأرض"، "الاختيار" "العصفور"، "عودة الابن الضال"، "وبالأخص فيلم "جميلة بوحيرد" حول مجاهدتنا العظيمة ، علاوة على الأفلام الغنائية والاستعراضية لفريد الأطرش، شادية، ليلى مراد ، فيروز، ماجدة الرومي ولطيفة. ولم يكتف شاهين بالإخراج بل قام بأداء بعض الأدوار أبرزها شخصية "قناوي" في فيلم "باب الحديد" كما ظهر في مشاهد قصيرة في بعض أعماله وأعمال الآخرين و نذكر في فيلم: " حدوتة مصرية" ،" فجر يوم جديد" ،" اليوم السادس" ،"إسكندرية كمان وكمان "من إخراجه، وفي فيلم "إسماعيل ياسين في الطيران" إخراج فطين عبد الوهاب وكان آخر ظهوره في فيلم "ويجا "لتلميذه خالد يوسف. صنف شاهين من بين أهم عشرة مخرجين عالميين برصيد فني بلغ 37 فيلما روائيا طويلا وستة أفلام روائية وتسجيلية قصيرة وتحصل على عدة جوائز دولية وعالمية أهمها جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان على مجمل أعماله سنة 2007 وحصل فيلمه الأخير مع تلميذه خالد يوسف "هي فوضى" على جائزة أحسن أداء المتميز لخالد صالح، وأحسن ممثلة صاعدة للفنانة التونسية "درة"، وجائزة الإخراج لشاهين وخالد يوسف وذلك في احتفالية أوسكار آرتي .