أعفى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الأربعاء، وزير الخارجية المخضرم الأمير سعود الفيصل من منصبه الذي يشغله منذ أكتوبر 1975، وعين عادل الجبير سفير السعودية لدى الولاياتالمتحدة وزيراً للخارجية وهو أول شخص من خارج الأسرة الحاكمة يشغل هذا المنصب. قضى الأمير سعود الفيصل أقدم وزراء الخارجية في العالم الذي أعفي من منصبه بناء على طلبه 40 عاماً في تمثيل السعودية وترك المنصب في وقت تواجه فيه الرياض أزمة إقليمية لم يسبق لها مثيل. وتحاول السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم اجتياز فترة الاضطرابات الإقليمية التي نتجت عن تفجر انتفاضات "الربيع العربي" عام 2011، وسط بروز المنافسة مع إيران وظهور بعض الهزات في تحالف الرياض مع واشنطن. ورغم أن الكلمة الأخيرة في السياسة الخارجية السعودية للملك، فقد لعب الأمير سعود دوراً مهماً في تشكيل موقف المملكة من كثير من الأزمات التي تؤثر في الشرق الأوسط. وسيرث خليفته عادل الجبير تركة ثقيلة كانت هي الوضع المعتاد لوزير الخارجية السعودي، منذ شغل الأمير سعود هذا المنصب. وشهدت هذه السنوات الأربعين غزواً إسرائيلياً للبنان في الأعوام 1982 و1987 و2006 وانتفاضتين فلسطينيتين في 1987 و2000 والحرب العراقيةالإيرانية في 1980 والاجتياح العراقي للكويت عام 1990 واحتلال قوات التحالف العراق بقيادة الولاياتالمتحدة عام 2003. ورغم كل ما شهدته هذه السنوات من اضطراب فإن الأمير سعود يترك منصبه والعالم العربي في وضع محفوف بمخاطر أكبر مما شهده في أي فترة من فتراته في العقود الأخيرة، بما تعانيه سورياوالعراق من حرب أهلية واضطرابات والفوضى التي تسود اليمن وليبيا والانتقال السياسي الملتبس في مصر. كان الأمير سعود على طبيعته سواء وهو يرتدي الدشداشة أو الملابس الغربية وربطة العنق وسواء كان يتحدث باللغة العربية أو باللغة الإنكليزية وأثبت براعته في توصيل جوهر الرسالة السعودية بكل ذكاء متجاوزاً التفاصيل الدبلوماسية المنمقة. وخلال لحظة توتر في علاقات السعودية مع الولاياتالمتحدة حليفها الرئيسي عام 2004، وصف الأمير سعود العلاقة بأنها "زواج إسلامي" تستطيع فيه المملكة الاحتفاظ بعدة زوجات ما دامت تستطيع أن تعدل بينهن. وفي السنوات الأخيرة احتفظ بتوقد ذهنه وبراعته حتى عندما جعلت شكوى مزمنة من آلام الظهر وأمراض أخرى يديه تبدوان مرتعشتين وكلامه غير واضح في المناسبات العامة. في أوائل عام 2012 سئل عما إذا كان يعتقد أن تسليح مقاتلي المعارضة السورية فكرة جيدة فجاء رده سريعاً "أعتقد أنها فكرة ممتازة". ولد الأمير سعود وهو أحد أبناء الملك فيصل عام 1940 في مدينة الطائف الجبلية قرب مكة حيث ساعد عام 1989 في التفاوض على اتفاق وضعت بمقتضاه الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً أوزارها. حصل الأمير سعود على البكالوريوس من جامعة برنستون في الستينيات، ثم قضى أعواماً في وزارة البترول تحت رعاية وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني صاحب الشخصية الكاريزمية والصديق المقرب من والده. وبدأت مسيرته في العمل الدبلوماسي في ظروف صعبة فقد اختاره الملك خالد عقب توليه الحكم وزيراً للخارجية بعد اغتيال الملك فيصل والد الأمير سعود والذي ظل يحتفظ بمنصب وزير الخارجية بعد أن أصبح ملكاً عام 1962. ورغم كل مهاراته كدبلوماسي أخفق الأمير سعود في جعل وزارة الخارجية السعودية وزارة ذات عمق مؤسسي كبير. وقال دبلوماسيون في الرياض، إن السياسة الخارجية السعودية مثل جهاز الضوء الكاشف قادرة على التركيز الشديد على المجال الذي يهتم به الملك والأمير سعود أكثر من غيره غير أنها تعجز عن المتابعة عندما يتحول الاهتمام إلى مجال آخر.
* تاريخ معقد عندما عين الأمير سعود في مارس عام 1975 تمثلت العوامل المهيمنة على المنطقة في مساجلات الحرب الباردة ومنافساتها وبدا أن القومية العربية والاتجاهات العلمانية هي التي تحمل في طياتها وعود المستقبل. فلم تكن مصر وإسرائيل وقعتا معاهدة السلام وكان ياسر عرفات يقود منظمة التحرير الفلسطينية من مخيمات اللاجئين في لبنان وكان شاه إيران يجلس على عرش الطاووس. أما في العراق فكان صدام حسين يخطط للوصول إلى الحكم. وهيمنت علاقة الرياض بصدام على فترات طويلة من السياسة الخارجية السعودية في ظل الأمير سعود وتحولت من التأييد الحذر خلال الحرب العراقيةالإيرانية إلى العداء الشديد بعد اجتياح الكويت. ورغم التاريخ المعقد كان الأمير سعود يعارض علانية غزو العراق عام 2003 ويخشى بفطنته وبصيرته ما قد يحدثه من فوضى تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. وقال في مقابلة مع التلفزيون البريطاني: "إذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلون مشكلة وتخلقون خمس مشاكل أخرى". وفي إطار الأسرة الحاكمة كبيرة العدد ثبت أن الأمير سعود كان من أقرب حلفاء الملك الراحل عبد الله. فعندما شرع الملك عبد الله وهو ولي للعهد في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية عام 2000 كان الأمير سعود بما اكتسبه من خبرة إبان عمله في وزارة النفط هو الذي عمل معه لفتح الطريق أمام شركات الطاقة الأجنبية للعمل في حقول الغاز السعودية. وبعد عامين دعم أكبر مبادرات الملك عبد الله في السياسة الخارجية والتي تمثلت في خطة عربية للسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من كل الأراضي المحتلة وتسوية مشكلة اللاجئين. وقال لإسرائيل في ذلك الوقت، إنها إذا قبلت الاقتراح فستقيم المنطقة كلها سلاماً معها وتعترف بحقها في الوجود وأكد أنه إذا لم يحقق ذلك لإسرائيل الأمن فلن يوفره لها السلاح. ولم توافق إسرائيل على هذه المبادرة وكثيراً ما ردد الأمير سعود، أن أكبر سبب للإحباط في مسيرته كان الإخفاق في إقامة الدولة الفلسطينية.