هل يمكن اعتبار الكشف عن محاولة اغتيال السفير السعودي بواشنطن عادل الجبير، تحذيرا أمريكيا للنفوذ المتزايد لإيران في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا مع تطورات الوضع في البحرين، التي تشهد حراكا شعبيا بنكهة ''مذهبية''؟ بين الشيطان الأكبر ومحور الشر إيران وأمريكا.. حرب باردة بخطوط حمراء
بعد انهيار نظام الشاه في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979، بات واضحا أن المعادلات السياسية والإستراتيجية في منطقة الخليج ستعرف تقلبات كثيرة، كشفت عنها العقود الثلاثة الماضية التي جعلت من طهران، في أعين القوى الدولية والإقليمية، أحد أهم الفاعلين السياسيين، والقوة الجهوية الصاعدة التي لا يمكن تجاهلها في منطقة حيوية للمصالح الغربية، كونها أهم ممر وخزان للمحروقات في العالم. وتتسم العلاقات الأمريكيةالإيرانية بالتعقيد والتشابك، خاصة وأن نقاط التماس والمواجهة كثيرة، فإيران ثاني أكبر دولة منتجة للنفط، بعد المملكة العربية السعودية، وتتحكم في مضيق ''هرمز''، كما أنها قوة اقتصادية صاعدة، وتعتبر القوة الجهوية الثانية عسكريا واقتصاديا، غير العربية، التي اعتمدت على نظريات المجال الحيوي مع تركيا، قبل وبعد مبدأ تصدير الثورة التي تبناها الإمام الخميني. ففي الوقت التي رسمت واشنطن سياسات واستراتيجيات خاصة بإيران، على شاكلة الاحتواء المزدوج الذي يعد نسخة مطورة ومكيفة لنظرية جورج كينان حول احتواء الاتحاد السوفياتي، واعتمدت قانون داماتو من قبل إدارة بيل كلينتون في 5991، نسبة إلى السيناتور الجمهوري، الفوتسي داماتو، الذي تبنى قانونا يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع ليبيا وإيران في مجال النفط والغاز وتزيد استثماراتها على أربعين مليون دولار. إلا أن هذه السياسة أثبتت فشلها مع الاختراق الذي قامت به طهران على عدة محاور، خاصة الأوروبية. ورغم تصنيف إيران ضمن الدول المارقة ومحور الشر من قبل إدارة الرئيس جورج بوش، إلا أن ذلك لم يمنع واشنطن من فتح قنوات حوار وتواصل غير مباشرة مع طهران في عدة محطات خلال إدارات ريغان وبوش الأب وكلينتون ورئاسة إيران من قبل محمد خاتمي. وكشفت قضية ''إيران غايت''، التي سمحت بتقديم أسلحة إلى إيران، ضمن مقاربة خاصة طورها هنري كسينجر كاتب الدولة للخارجية بإنهاك القوتين الجهويتين ''إيران والعراق'' خلال حرب الخليج الأولى ''صص1981-1988، عن طبيعة العلاقة المعقدة القائمة على محور طهرانواشنطن، كما بينتها فيما بعد قضيتان محوريتان في عهد الرئيس جورج بوش هما احتلال العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، وإسقاط نظام طالبان واحتلال أفغانستان، واللتان تمتا بالتنسيق مع إيران، وساهمتا في تدعيم موقع إيران الإقليمي بصورة كبيرة في العراق، مع تواجد القوى التي كانت معروفة تقليديا بأنها حليفة لإيران، وهما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة محمد باقر الحكيم وميليشيات بدر التي كانت تتخذ إيران قاعدة خلفية لها، وحزب الدعوة التي يتزعمها حاليا نوري المالكي. كما ساهمت إيران في تقويض حكم حركة طالبان، ودعمت مواقعها خاصة في جنوب البلاد، بالتحالف مع ''الهازارا'' الذين هم من شيعة أفغانستان. وبينت الحرب في العراق وأفغانستان عن وجود خطوط حمراء، تعمد واشنطنوطهران إلى تحديدها، لتفادي التصادم المباشر مع تحقيق أكبر قدر من المصالح للطرفين، واعتماد حرب باردة لا تصل إلى حد المواجهة المباشرة، بالنظر إلى تبعات أي مواجهة، فإيران التي تصف الولاياتالمتحدة بالشيطان الأكبر، وواشنطن التي تضع إيران في مصف الدول المارقة، لم تتجاوزا الخطوط الحمراء التي تؤدي إلى المواجهة، وظل هاجس تجربة محاولة تحرير الرهائن الأمريكيين، ومقتل فرق قوات الدلتا الخاصة في الصحراء الإيرانية، وتسبب ذلك في هزيمة الديمقراطيين الممثلين بكارتر وقدوم الجمهوريين ممثلين بريغان، آخر صورة لمواجهة إيرانية أمريكية. ويعمد الطرفان إلى توظيف أوراق ضغط، فإيران دعمت مواقعها وشبكة تحالفاتها في العراق، ورسخت عملها الاستخباراتي مع وزارة الاستخبارات والأمن القومي أو ''اطلاعات''، ردا على التواجد العسكري الأمريكي في وسط وشمال العراق وقطر والسعودية، حيث ترى طهران أن تواجد واشنطن في العراق وأفغانستان وفي أوزبكستان يعني محاولة تطويق إيران واحتوائها. كما طورت سياسات محاور وتحالفات مبنية على المصالح والولاء مع حزب الله في لبنان وحماس في الضفة وسوريا، لضمان التوازن والتواجد بصورة غير مباشرة في البحرين في سياق الصراع غير المعلن بين العربية السعودية وإيران، والنزاع على الجزر الثلاثة ''طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى'' مع الإمارات، وأخيرا اعتماد إيران لسياسة الضبابية النووية، على غرار المبدأ الذي طوره شمعون بيريز في إسرائيل، والذي يعطي لطهران ورقة جديدة للتفاوض والمناورة.
المحلل السياسي الإيراني أمير موسوي ل''الخبر'' صقور المملكة السعودية اغتنموا غياب الملك لتطبيق المؤامرة
أكد المحلل السياسي الإيراني، أمير موسوي، في تصريح خص به ''الخبر''، أن كل ما يقال عن إيران إنما يدخل في إطار مؤامرة تحاك ضد الجمهورية الإسلامية، بسبب تطويرها للنووي السلمي، وكذا مركزها في العالم العربي، خاصة بعد الثورات الشعبية الأخيرة. اعتبر المحلل السياسي الإيراني أمير موسوي أن اتهام إيران بالضلوع في محاولة اغتيال السفير السعودي في الولاياتالمتحدة سيناريو لمؤامرة تحاك ضد الجمهورية الإسلامية، من أجل ضرب استقرارها بسبب برنامجها النووي السلمي من جهة، وبسبب الثورات التي أدت إلى خسارة الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية الكثير من الدول التي كانت حليفتها، خاصة في مصر بعد سقوط حسني مبارك. وأشار موسوي إلى أن ''الولاياتالمتحدة خسرت كل من مصر وتونس وليبيا، هذه الأخيرة التي لا نعرف كيف سيكون توجهها، وكذا اليمن، والمشاكل التي تحدث في البحرين، بالإضافة إلى عدم تمكنهم من إسقاط نظام بشار الأسد، والحفاظ على الحريري في السلطة في لبنان. هذه الأمور خلقت غضبا كبيرا لدى الإدارة الأمريكية، وكذا في المملكة السعودية، ما جعلها تعمل على ضرب إيران''. وربط المحلل السياسي الاتهامات الموجهة إلى إيران، في قضية السفير السعودي، بالعديد من التطورات التي حدثت في تلك الفترة، ومنها تواجد العاهل السعودي في المستشفى ومرض ولي العهد الذي وافته المنية منذ يومين، وهو ما فتح المجال، حسبه، لصقور النظام في المملكة وصقور الولاياتالمتحدة لتحضير سيناريو لضرب إيران وتشويه صورتها في الساحة الدولية، ''كما تزامن هذا الاتهام مع إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، الذي يعد انتصارا لحماس، وحتى لإيران، التي دعمت دائما القضية الفلسطينية وحماس''. وسجل موسوي أن ''قضية السفير السعودي تم اختلاقها من أجل منع التقارب بين العربية السعودية وإيران، حيث كان من المزمع عقد اجتماع بين وزراء خارجية البلدين، لكن تم تلفيق هذه التهمة من أجل دفع المملكة السعودية للتصعيد ضد إيران، وهنا أرجو ألا ينساق الأخوة السعوديون وراء هذه المؤامرة''. وما يؤكد أن القضية ملفقة، حسب السيد موسوي، هو رفض الولاياتالمتحدةالأمريكية تقديم الوثائق التي تدين إيران، كما رفضت مثول ممثل إيران بالمحكمة، بالإضافة إلى أن الشخص الذي قدمته أمريكا على أساس أنه العميل الإيراني شخص متواجد في الولاياتالمتحدة منذ 18 سنة، ولكنه لم يحصل على بطاقة الإقامة إلا منذ 8 أشهر، كما أنه كان مسجون إلى غاية 2011 بتهمة السرقة. ولهذا يقول المتحدث ''لا أستبعد أن يكون هناك اتفاق بينه وبين المخابرات الأمريكية لضرب إيران، كما أنه مع الحصار، فإن تحويل 100 دولار نحو الولاياتالمتحدة غير ممكن، فما بالكم 100 ألف دولار التي يتحدثون عنها''.
التحولات الحاصلة لن تقتصر على استبدال الرؤساء السعودية أكثر الدول العربية تماسكا أمام رياح التغيير
بغض النظر عما ستؤول إليه تطورات الأحداث في المنطقة العربية، فإن المؤكد هو أن المنطقة قد دخلت بالفعل مرحلة تحولات كبرى لن تقتصر على استبدال هذا الحاكم بذاك، وإنما ستتم إعادة ترتيب شؤون المنطقة ودور كل طرف فيها، وفق معطيات جديدة تختلف عن المألوف الذي ظل سائدا منذ عقود. التفسير الوحيد للأحداث المتلاحقة التي تهز المنطقة العربية، منذ إقدام التونسي محمد البوعزيزي على حرق نفسه، وما خلفته تلك العملية من ثورة أسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، قبل أن يمتد لهيبها إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا، لا تعني سوى شيء واحد وحقيقة واحدة، وهي أن المنطقة قد دخلت بالفعل مرحلة تحولات جذرية وعميقة لن تنفع معها، كما تدل على ذلك كل المؤشرات، سياسات الترقيع والإصلاحات التي لجأت إليها الأنظمة الحاكمة في محاولة منها لاستباق الأحداث.. التحولات الحاصلة لن تقتصر بكل تأكيد على إسقاط هذا الرئيس واستبداله بذاك، وإنما ستعيد ترتيب شؤون المنطقة، وفق معطيات غير تلك التي ظلت سائدة منذ تخلص الدول العربية من الظاهرة الاستعمارية وحلول الدولة الوطنية المستقلة محلها. الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، هي أن الدول العربية، خاصة تلك التي يفترض أنها فاعلة بحكم كل عوامل القوة والتأثير المعروفة، لم يعد لها أي دور في صناعة مسار الأحداث، والنتيجة أن أصبح كل شيء، خاصة ما تعلق بصناعة واقع ومستقبل المنطقة بيد الدول الكبرى أولا، ثم بيد إسرائيل وتركيا وإيران. وبالنتيجة اختفت أهم كتلة في المنطقة، وهي الكتلة العربية من الساحة، وإذا أضفنا إلى هذا الغياب في السياسات الخارجية، الإفلاس على مستوى السياسات الداخلية، أصبح من الحتمي، انهيار هذه الأنظمة لتحل محلها القوى الجديدة التي ستفرزها دون شك التفاعلات الحاصلة. وقبل التطرق لتأثير القوى المحلية، تنبغي الإشارة إلى أن الدول الفاعلة، أو التي ستكون كذلك، هي الدول التي لها نظرة تمتد إلى خارج حدودها الجغرافية، ومن هذه الدول إيران التي ترى بحكم العديد من عوامل التاريخ والجغرافيا والأهمية الاقتصادية، أن لها كلمة ينبغي أن تتجاوز حدودها إلى الدول المجاورة. وبحكم الطبيعة الدينية لنظامها، فإن الأدوات التنفيذية لهذا الدور هم الشيعة بحكم طابع الولاء الذي يميز منتسبي المذهب. وليس سرا هنا أن هذا العامل هو الذي مكنها من وضع يدها على العراق بعد وقوعه بيد الاحتلال الأمريكي، فما المانع من وضع يدها كذلك على البحرين والتشويش على السعودية والكويت، ومن ثمة بقية دول الخليج العربية حتى تصبح قوة مضافة لقوتها الذاتية. لكن لسوء حظ طهران أن العراق لم يستقر بعد، كما أن سنته وبتحالفاتهم مع بقية سنة المنطقة خاصة السعودية، لن يسمحوا لها بوضع بلدهم في جيبها، وهذا ما بينته كل التطورات منذ سقوط صدام حسين إلى اليوم. أما الخسارة الكبرى التي أصابت الاستراتيجية الإيرانية في الصميم، فهي انفجار الأوضاع في سوريا، والتي لن تكون، بكل تأكيد في المستقبل، حليفا لإيران بالصيغة وبالحجم الذي كانت عليه، حتى ولو لم يسقط نظام الأسد، وهذا أمر مستبعد. القوة المحلية الأخرى التي وجدت نفسها أو أوجدتها الظروف في مواجهة المد الإيراني، حتى وإن كانت علاقاتهما لا زالت ''هادئة'' هي تركيا، التي يفرض عليها طابعها ''السني'' ومصالحها الإستراتيجية ضرورة التواجد في الصف المقابل، حتى وإن تجنبت الإثارة في تعاملها السياسة مع الجارة الكبرى إيران... هذا الواقع يفرض على تركيا وعلى القوى السنية المحلية الأخرى، التي هي المملكة العربية السعودية، التحالف لتصريف الكثير من معضلات المرحلة المعاشة. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية بقيت الدولة العربية الوحيدة المتماسكة بعد سقوط نظام حسني مبارك، وانفجار الأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا، والغياب المسجل للجزائر بعد تفضيلها الاختباء وراء القرار المائع للجامعة العربية، أو الباهت للاتحاد الإفريقي. من هذه الخلفية، وفي هذا السياق، يمكن وضع ملف مخطط اغتيال السفير السعودي في واشنطن، ولمَ لا ظهور مخططات أخرى في المستقبل المنظور، ومثل هذه القضايا تبقى في النهاية قطرة في مياه المحيط مقارنة بالتحولات الحاصلة والمرتقبة، لكنها تبقى مثيرة للأزمات والتأزم، وتجنيب الرأي العام وراء هذا وضد ذاك.