في كل مجتمع بشري يوجد أفراد يمكن تسميتهم "خونة الضمير العلمي"، ويتميز هؤلاء بالاستعداد الدائم لتسخير أقلامهم وألسنتهم لكل من يلوّح لهم بأي مغنم، ولو كان كما يقول المثل العربي "حشفا وسوء كيلة"، وما علم هؤلاء أن خائني القلم واللسان أشنع وأبشع من خائني السلاح. وقد يُعذر خائنو السلاح لأنهم لا فكر لهم أو محدودو الفكر، ولكن أي عذر تلتمسه لمن يدّعي من "الفكر" ما يدّعي، ثم يقسم بأغلظ الإيمان وأوكدها حانثا أن الأبيض أسود، دون أن يحمرّ وجهه خجلا..؟ من هؤلاء الأفراد الساقطي الهمة العديمي الذمة أناس يتفاوتون في دركة السقوط، بعضهم هنا في الجزائر كانوا يلهثون وراء مناصب وعدهم ومنّاهم بها من لا يعرفون "كعّو من بُعّو"؛ وأحدهم أكذب من مسيلمة الكذاب يعيش - منذ 1965- في فرنسا التي رضيت عنه ورضي عنها؛ هؤلاء جميعا يشيعون - كذبا وجهلا- أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تؤمن بالاستقلال، ولم تدع إليه، وعندما اندلع الجهاد عارضته.. وفي حين كذّب من كذّب بالجهاد، ولم يسمع به من لم يسمع؛ كانت بيانات الإمام محمد البشير الإبراهيمي - رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين- تتهاطل على أعمدة كبرى الصحف المصرية وعلى إذاعة "صوت العرب"، مؤيدة للثورة، داعية إلى مساندتها داخليا وخارجيا، "مكفرة" كل من يخونها.. ومن أعجب ما قرأ الناس الذين يقرأون ويفهمون رسالة الإمام الابراهيمي في يوم 9 جانفي 1955 إلى الملك سعود يطلب منه أن يبعث شخصين (عبد الرحمن عزام وأحمد الشقيري) أو أحدهما إلى بعثة السعودية في واشنطن، قريبا من الأممالمتحدة، لمتابعة القضية الجزائرية، وقد فعل الملك سعود. (آثار الإمام الإبراهيمي. ج5 ص 51). قال الأستذا الدكتور أبو القاسم سعد الله في مقدمته للجزء الخاص من آثار الإمام الإبراهيمي ردا على هؤلاء الناهقين والمنقنقين "ستفاجئهم الوثائق التي تضمنتها مجموعة الشيخ الإبراهيمي اليوم.. ولعلهم كانوا يظون أن التاريخ لن يبوح بوثائق الإبراهيمي وأمثاله، ولن يكشف عن آراء ومواقف جزائريين آخرين، لا يقلون إيمانا (ولا نقول يتفوقون) بالثورة عن الذين أصبحوا معروفين أنهم صانعوها). (الآثار. 5 ص 6)، والجملة (ولا نقول يتفوقون) من الأصل. إننا نؤمن بكل حرف من القرآن الكريم، الذي منه قوله تعالى في سورة الحة: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا". من هذا الدفاع الرباني عن العبد المؤمن - الإمام الإبراهيمي- وثيقة كتبتها المخابرات الفرنسية في القاهرة في 18 ديسمبر 1954، تحت رمز (S.D.E.C.E ) وتحمل كلمة (SECRET)، وهي تتعلق بتسجيل وتدريب حوالي ثلاثين جزائريا، أغلبهم طلبة في الأزهر، للتدريب العسكري تحت إشراف المناضل محمد خيدر، والتوجيه المعنوي تحت إشراف الشيخ البشري الإبراهيمي في مقر جمعية العلماء بالقاهرة. ومن الطلبة الذين ذكرت أسماؤهم طالب كتب اسمه هكذا "محمد أبو كامورة" (ABOU KAMOURA)، ثم صحح في الهامش هكذا "محمد بن ابراهيم بن عبد الله بوخروبة. (BOUKHAROUBA)، المولود في 23 - 8 - 1932. الجدير بالملاحظة هو أن هذه المعلومات لم تستقها المخابرات الفرنسية إلا من "جزائري" وصدق الله العظيم القائل: "وفيكم سمّاعون لهم". ولعنة الله على كل - كاذب- خائن زنيم، بالأمس واليوم وفي كل حين، سواء كانت هذه الخيانة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية...