مؤامرة أم مغامرة منتصف الليل.. وجهان لعملة واحدة وإن اختلفت التسمية..هي مغامرة للثراء في لحظات، لكنها في الوقت ذاته مؤامرة لكسر الاقتصاد الوطني.."الشروق اليومي" رصدت التحركات المشبوهة لمراهقين لا يتعدى سنهم العشرين ولنساء منهن العفيفات والعاهرات وكذا كهول اختلط الشيب في لحاهم برائحة المازوت وحتى الحيوانات والدواب وُرطوا في المؤامرة.. لكن بحلول الظلام، حواجز ودوريات وكمائن على طول الشريط الحدودي تكشف خبايا ليل بني بوسعيد.. محمدالصالح.. روبان.. زوية.. اولاد السبع.. وغيرها.. * * مراهقون، عاهرات، كهول وحيوانات.. الكل متواطئ في مؤامرة منتصف الليل * * * التاسعة ليلا..ننطلق بسرعة الريح على متن المركبات رباعية الدفع للكتيبة الإقليمية للدرك الوطني بمغنية نحو دائرة بني بوسعيد الحدودية.. وعلى طول الطريق الوطني 22 يتمركز شباب وكهول المنطقة الذين هم في خدمة مهربي المازوت والكيف، حيث علق مرافقنا في الدورية والخبير بشؤون المنطقة "الحاج لزهر" ب"الهاتف النقال راه خباط.." تعبيرا عن تسريب خبر تقدمنا للمهربين من قبل هؤلاء الجواسيس.. سرعة المركبة تتجاوز 180 كلم في الساعة، فأكبر تحدٍ الآن هو القبض على المهرب قبل انفلاته بعد بلوغه خبر خروجنا.. * * أعمدة كهرباء جزائرية مهربة لإنارة وجدة المغربية * * نتجاوز قرية "مصامدة" الحدودية لنتقدم باتجاه منطقة الزوية المعروفة بالنشاط الكثيف للمهربين.. وتقابلنا أضواء متلألئة على بعد أمتار.."إنها أعمدة إنارة جزائرية.. لكنها تضيء أراضي مدينة وجدة المغربية"، على حد تعبير مرافقنا "الحاج لزهر"، الذي أكد لنا أن المهربين الجزائريين خانوا بلادهم وباعوا أعمدة الإنارة العمومية بالدرهم الرمزي، في حين كانت هذه الأعمدة موجهة للقرى الريفية المتاخمة للحدود.. * ويضيف محدثنا ونحن نتقدم نحو منطقة الزوية "حتى الجرارات التي وزعها الرئيس الراحل هواري بومدين على الفلاحين ومن ضمنهم سكان القرى الحدودية، باعتبارها مناطق زراعية، يتمتع بها الفلاح المغربي، رغم مرور هذه السنوات الطوال"..نتقدم أكثر نحو قرية ربان التي تعتبر أقرب نقطة من مدينة وجدة المغربية، حيث كانت منطقة كولونيالية في وقت الاستعمار إلى أن حررها الأمير عبد القادر واليوم ينقب فيها مستثمر جزائري عن النحاس، والفضة بعد أن أخرج الأمير عبد القادر منها كميات كبيرة استغلها في صك النقود وصناعة السلاح.. وعلى صوت مرافقنا وشروحاته نخرج من الطريق الوطني رقم 22 ونعرج يسارا باتجاه طريق جبلية وعرة غير معبدة.. * * ارتفاع قيمة الفائدة في دلو المازوت المهرب إلى 1000 دج * * وإن كانت بعض الأضواء المنبعثة من القرى الحدودية تنير طريقنا، فبولوج الطريق الجبلية اختفت جميع الأضواء ودخلنا في ظلام دامس، فضلا عن برودة الطقس والسكون التام الذي يقطعه كلام وتوضيحات مرافقنا بين الفينة والأخرى، الذي أراد أن يؤكد صحة معلوماته بإجراء مكالمة هاتفية والساعة تجاوزت العاشرة ليلا ب "السعيد" الذي اكتشفنا من طريقة حديثه معه أنه "حلاب" مهرب مازوت، حيث سأله:"آلو السعيد.. كي راك..كم استفدت في دلو 30 لترا من المازوت"، ورد عليه "لا.. الحالة لا باس..السوق طلع.. الفائدة في دلو مازوت مهرب بسعة 30 لترا صعدت من 300 دج إلى 1000 دج".. 1000 دج بمجرد أن تملأ خزان سيارتك بما استطعت من المازوت من أقرب محطة بنزين في قرية بني بوسعيد الحدودية أو من محطة مغنية، وإن لم يتوفر البنزين في المحطات ال 27 المتواجدة على طول الشريط الحدودي الفاصل بين مدينة تلمسانووجدة، فإن الحلابة يلجؤون إلى محطات بني صاف وتلمسان.. أما السبب في ارتفاع أسعار المازوت المهرب، فأرجعها مرافقنا إلى سببين، الأول تشديد فرق الدرك الوطني وحرس الحدود وأعوان الجمارك الجزائرية للمراقبة والمداهمات الليلية، ما ألحق خسائر بالمهربين جراء حجز المواد المهربة بصورة متكررة، خاصة المازوت ما ترتب عليه قلة عرض المازوت من المهرب الجزائري على المهرب المغربي في الحدود. أما السبب الثاني، فهو موسم الاصطياف الذي يعرف إقبالا كبيرا على المازوت. * * الحمار الواحد بمليونين وكراء مستودع ب10 ملايين للشهر * * نتقدم أكثر وبسرعة أكبر، رغم طبيعة الطريق الجبلية الوعرة بحثا عن مركبة تتجه نحو الحدود أو عائدة من هناك.. وبين جنبات الطريق بيوت شبه مهجورة وأخرى يتضح من مظهرها الخارجي أنها فيلات حديثة البناء.. إلا أن القاسم المشترك الذي يجمع بين هذه المنازل هو ربط حمار أو اثنين عند المدخل وجميع هذه البيوت خصص الطابق السفلي منها لمستودعات ومحلات مغلقة تتعدد استغلالاتها غير الشرعية من تموين للإرهاب ومركز عبور للحلابة وعقد الصفقات المشبوهة وتهريب لعاهرات، حيث يقضين أولى لياليهن بالجزائر بهذه المستودعات بعد هروبهن عبر الحدود..بالإضافة لجلوس أصحاب هذه البيوت عند عتبات منازلهم وجلوس لترصد جميع تحركات فرق الدرك الوطني والجمارك، حيث كشف لنا ترباش محمد مفتش مركزي بالجمارك الجزائرية على مستوى مغنية أن سكان المناطق الحدودية أغلبهم متواطئون مع 'الحلابة'، حيث يتتبعون جميع حركاتنا وخطواتنا 24 ساعة على 24 ساعة، وحتى أيام راحتنا يعرفونها. وبالمقابل، فلهم أجرة يومية تصل إلى5000 دج يوميا، بالإضافة إلى هاتف نقال وبطاقة تعبئة.. * أما مرافقنا 'الحاج لزهر'، فعلق على مشهد الحمير المنتشرين بالمنطقة ب "الطلب القوي جدا على الحمار في هذه المناطق، فرغم انه يوصف بالغبي، إلا انه يخترق الحدود بدلاء المازوت في هدوء.."، أما أسعار هذا "الحيوان الصديق" الذي أصبح الرفيق الأفضل لكل سكان المناطق الحدودية، فيتراوح بين 1.5 مليون سنتيم و2 مليون سنتيم، في حين يتجاوز سعر كراء المستودعات 10 ملايين سنتيم ولغلائها يفضل كثيرون من الحلابة أن يسلموا المادة المهربة ويستلمون النقود مباشرة دون تفريغها في مستودعات وتوسط أشخاص آخرين. * * أطفئوا جميع الأضواء.. الكل مشتبه فيه مهما كان جنسه أو سنه * * وبعد تمشيط لجميع الطرق الجبلية المشبوهة نخرج من جديد للطريق الوطني 22 ونتقدم بسرعة نحو مدخل قرية "اولاد اسبع"، حيث يوجه قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني بتلمسان نور الدين بوخبيزة أوامر سريعة بالتوقف وإطفاء جميع الأضواء وإقامة حاجز.. وماهي إلا دقائق معدودة حتى نلمح شاحنة صغيرة بترقيم الولاية رقم 8 ليتقدم صوبه مجموعة من الدركيين لإخضاع المركبة لتمحيص وتفتيش دقيق ابتداء من أبواب المركبة وعجلاتها وخزان المازوت والتأكد من عدم تعديله وصولا إلى تفتيش السائق والتأكد من سلامة وثائقه..إلا أن هذا التفتيش لم يكشف إلا عن آثار مادة المازوت التي لم تجف بعد في فوهة الخزان وعلى حافة السيارة بعد أن أفرغ صاحب المركبة خزانه من المازوت على الحدود، إلا ان هذا الدليل غير كاف لتوقيف الشخص، باعتباره لم يضبط متلبسا في الحدود يفرغ خزانه وإنما تم العثور على آثار العملية فقط ليطلق سراحه.. * وتتابع السيارات القادمة من الحدود الجزائرية المغربية بعد ان أفرغت حمولتها من المازوت، فهذه سيارة من نوع "أر 21" وأخرى من نوع "رونو 25" وثالثة من نوع مرسيدس وأخرى من نوع "باسات" وكلها مركبات يفضل المهربون استعمالها لسعة خزانها الكبيرة وأغلب هذه السيارات تظهر عليها جليا آثار المازوت في فوهة خزانها وعلى الباب وفي حوافها.. * ويشدد قائد المداهمة على توقيف جميع القادمين والمتجهين نحو الحدود مهما كانت المركبة وسن وجنس السائق، حيث من بين الحلابة الذين تم تفتيشهم مراهقون في الثامنة عشر من العمر على متن سيارة "رونو 21" وكهل في الخمسينيات على متن شاحنة صغيرة، كما ضبط في عديد من المرات نساء يبحثن عن مصدر رزق في التهريب أو عاهرات يجربن كل الطرق غير المشروعة لربح كثير من المال في وقت قصير. * * أين اختفى مهربو خيرات الجزائر إلى المغرب...؟؟ * * وبينما انهمكنا في مراقبة عملية تفتيش السيارات تعثر فرقة من الدرك على ثلاثة حمير محملة ب 150 لتر من البنزين و30 لترا من المازوت بالقرب من قرية محمد الصالح إقليم فرقة بني بوسعيد كان في طريقه لاختراق الحدود الجزائرية المغربية..كما تم توقيف شاحنة وسيارتين بالمحشر قصد عرضهم على الخبير التقني بخصوص خزان الوقود الذي اشتبه فيه أنه معدّل قصد استيعاب كمية أكبر من المازوت، بالإضافة إلى تمكن الكتيبة الإقليمية لمغنية والكتيبة الإقليمية لبوغرارة من حجز شاحنتين بمستودع مملوء ب 70 دلوا يحوي على 1200 لتر من المازوت وذلك بحظيرة بدوار بوغرارة.. * ولم يتجاوز عدد السيارات التي تم تعريفها وهي في الطرق المشبوهة 24 سيارة، وظهرت النتيجة سلبية، في حين كانت مصالح الدرك الوطني والجمارك تُعرف عشرات السيارات في الطرق الحدودية والمملوءة بالمازوت والمواد الاستهلاكية، إلا أنه بتشديد الرقابة وخلق مراكز مراقبة وتفتيش متقدمة.. فهل هي نهاية عصر التهريب واستنزاف خيرات الجزائر وبيعها بالدرهم الرمزي في المغرب.. وإلى أين اختفى المهربون أو الحلابة الذين لم يبق منهم إلا آثار المازوت رائحته وبنايات تناطح السحاب.