فرضت معاهدة "شينغن" نفسها في النقاش الأوروبي الدائر في الوقت الحالي حول المقاربات الممكنة لمواجهة تدفق المهاجرين. ويخشى خبراء من تعديلها تمهيدا "لعودة الحدود القديمة". ويرى المراقبون أن الوضع يستدعي وضع مقاربة أوروبية مشتركة لاحتواء الأزمة. تدفع مواجهة الأوروبيين بشكل متفرق لتدفق المهاجرين البعض إلى التحذير من احتمال انهيار اتفاق شينغن الذي يضمن التنقل الحر بين دول الاتحاد الأوروبي. وقد حذرت الأحزاب المشككة في الوحدة الأوروبية كل على ساحته الوطنية من سيناريو انتهاء هذه المنطقة الواسعة التي تضم 26 بلدا (بينها 22 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي). وحتى المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل تحدثت عن هذا الاحتمال ودعت إلى تحرك سريع لتجنب حدوثه.
ميركل تطرح إمكانية إعادة النظر في شينغن قالت أنغيلا ميركل الاثنين "إذا لم نتوصل إلى توزيع عادل (للاجئين في أوروبا) فستطرح قضية شينغن ونحن لا نريد ذلك". وأضافت المستشارة الألمانية التي توقفت بلادها عن إعادة اللاجئين السوريين إلى الدول التي وصلوا منها، أنه إذا وصل الأمر إلى ذلك "فلن تعود هناك أوروبا التي يتوجب علينا اليوم دائما تطوير فكرة تأسيسها".
دول تحت ضغط تدفق المهاجرين باتت إيطاليا واليونان والمجر التي تواجه تدفقا كبيرا للمهاجرين منذ أيام، تسمح لطالبي اللجوء بالتوجه إلى ألمانيا، لكن هناك دولا أخرى تفكر في استعادة سلطة مراقبة حدودها. وكان وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني حذر قبل أيام من أن "ما يداهمه الخطر هو أحد الأعمدة الأساسية للاتحاد الأوروبي أي حرية التنقل"، معبرا عن خشيته من التشكيك في شينغن و"عودة الحدود القديمة". وأكد أن "المهاجرين لا يصلون إلى اليونان أو إيطاليا أو المجر بل إلى أوروبا"، داعيا الأوروبيين إلى مزيد من التضامن.
المفوضة الأوروبية وشينغن أكدت ناطقة باسم المفوضية الأوروبية ناتاشا بيرتو الثلاثاء أنه "لا يمكن أن تستبعد نهائيا تعديلات ضرورية مقبلة" لقواعد التنقل الحر كما حدث من قبل، لكن "هذا المبدأ يبقى على حاله". في المقابل تأمل المفوضية في التوصل في الأشهر المقبلة إلى تعديل اتفاق آخر هو معاهدة دبلن (2003) التي تحمل دولة الدخول إلى الاتحاد مسؤولية الاهتمام بمهاجر وتدعو إلى "آلية دائمة" لتوزيع طالبي اللجوء بشكل عادل في الحالات الطارئة. وقالت ناتاشا بيرتو إن شينغن هو "أحد أكبر نجاحات" الاتحاد الأوروبي، داعية الدول إلى احترام القواعد ليتمكن النظام من العمل بشكل سليم. وفتحت المفوضية حوالى ثلاثين قضية تتعلق بمخالفات ارتكبتها دول أعضاء ووجهت رسائل إنذار إلى عدد منها هذا الأسبوع. وفي الوقت نفسه عرضت مساعدتها الثلاثاء على المجر معترفة بأنها تواجه وضعا "خطيرا وطارئا".
ما هو الحل؟ وقال مارك بياريني الباحث في معهد كارنيغي أوروبا ردا على سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية أن الخروج من شينغن "مخرج عملي من وجهة النظر السياسية" بينما جلب هذا الاتفاق "أرباحا اقتصادية كبيرة لأوروبا". وأضاف أن "الحل الحقيقي هو أن تكون هناك سياسة مشتركة واضحة ومعلنة للهجرة وإنشاء ممرات ومخيمات للعبور يمنح فيها وضع اللاجئ" شرط أن يكون هناك اتفاق بين الدول على توزيع هؤلاء اللاجئين. وتابع أنه "إذا لم نتوصل إلى ذلك فإن الحكومات ستبقى تحت ضغط السياسات الشعبوية للدول الأعضاء". من جهته، رأى ماتيو تارديس المتخصص في قضايا الهجرة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن التشكيك في اتفاقية شينغن "مجازفة لأن كل واحدة من الدول الأعضاء تتعامل مع هذه المسألة بطريقة وطنية جدا بسبب الرأي العام لديها". وأضاف هذا الباحث أن "ما يبدو واضحا جدا في الأشهر الأخيرة هو غياب الثقة المتبادلة بين الدول الأوروبية"، مشبها الوضع بما حدث خلال الأزمة اليونانية بين "دول الشمال التي أخذت على دول الجنوب بأنها لا تقوم بعملها، ودول الجنوب التي تعتبر أن النظام ليس عادلا". وأكد تارديس أنه "يعود إلى المسؤولين الأوروبيين أن يبرهنوا على أن حرية التنقل أساسية للاتحاد الأوروبي".
"شينغن انهارت" قال وزير خارجية سلوفاكيا ميروسلاف لايتشاك الأربعاء أن منطقة شينغن للتنقل الحر بين عدد من دول أوروبا "انهارت" وسط تفاقم أزمة المهاجرين واللاجئين. وصرح الوزير للصحافيين أن "شينغن انهارت فعليا"، مضيفا أن سلوفاكيا مستعدة لتقديم الأموال والإفراد لتشديد الإجراءات الأمنية على طول حدود دول الاتحاد الأوروبي ال28. وأضاف الوزير أنه "في الظروف العادية، من الصعب الحصول على تأشيرة شينغن، والآن يوجد عشرات الآلاف الذين يتجولون هنا دون أن يتأكد أحد من هويتهم". وتابع متسائلا "هل هناك وجود لشينغن؟". ومنذ إنشاء منطقة شينغن في 1995، ألغيت عملية التدقيق في جوازات السفر عند التنقل بين 22 من دول الاتحاد الأوروبي ال28، إضافة إلى الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وهي إيسلندا ولشتنشتاين والنرويج وسويسرا.