تغيّرت كثيرا طباع وسلوكات الأفراد الجزائريين، بعد سنوات الدم والدمار، وتغيّرت مع الجيل الجديد العديد من المفاهيم، بعدما انقلبت موازين المبادئ والقيم، جرّاء الاستقالة الجماعية لمختلف الفاعلين في تربية الأجيال الصاعدة عن مهامهم الاجتماعية، انطلاقا من الأسرة الصغيرة، مرورا بالمدرسة والمحيط الاجتماعي الذي أفرز بتغير المعطيات فيه جيلا، يتفنن في استعمال المصطلحات النابية والكلام البذيء، الذي يصّم الأذان وتقشعر له الأبدان. وفي الوقت الذي يقال فيه إن استعمال الكلمات النابية في الحديث قد أخذ منحى خطيرا في أغلب المناطق، فإن بعض ولايات الشرق الجزائري لم تسلم بدورها من امتداد هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تخلٌ بمبادئ الدين الإسلامي في التعامل فيما بين الناس، وحتى بالروابط العائلية، والعلاقات الاجتماعية المختلفة والمتشعبٌة، ولم يعد استعمال تلك العبارات النابية والمخلّة بالحياء مقتصرا فقط على لحظات الغضب والتعصب، بل امتدت ظاهرة استعمال الكلام البذئ حتى إلى تجاذب أطراف الحديث العادي بين الأفراد، لتصبح شعارا يتغنى به الأنصار في ملاعب كرة القدم . وخلال سهرات المهرجانات الغنائية والفنية، بل إن الأمر تعداها إلى أكثر من ذلك وتحوّلت عبارات السب والشتم والمصطلحات النابية المختلفة، متبادلة في حديث الأفراد فيما بينهم، دون خجل أو حياء، في المقاهي والشوارع وحتى في أبواب المساجد والفضاء الجامعي والمدرسي، لأن بعض الفنانين لا يجدون حرجا في إدخال بعض المصطلحات النابية على كلمات أغانيهم بل إنهم يتباهون ويتفاخرون بذلك، كما أن الألفاظ القبيحة امتدت للتداول في بعض البيوت لدى بعض العائلات المتفتحة أكثر من اللازم. هذه الثقافة العصرية الدخيلة على المجتمع الجزائري المحافظ والتي تتضارب الآراء حول مصدرها، ساهمت بشكل كبير في إسقاط القناع عن العديد من المكتسبات التي ظلّ يزخر بها المجتمع على مدى عصور من الزمن، وكشفت أن هشاشة التركيبة العائلية والمنظومة التربوية في الجزائر، وكم هي كثيرة القضايا المسجلة على مستوى المحاكم والتي يتبادل فيها التلاميذ وأساتذتهم عبارات السب والشتم، بل إن الأمر في بعض الأحيان يتعدى إلى حد اعتداء التلميذ على أستاذه جسديا، يحدث هذا بين فئات مجتمع مسلم يتغنى بأنه محافظ، والفتاة فيه تتفنن في حديثها إلى صديقتها باستعمال كل أنواع العبارات النابية شأنها في ذلك شأن الطفل الصغير الذي قد لا يفهم معنى تلك العبارات التي يستخدمها في حديثه إلى والديه، دون أن يقوم أحدهما بنهيه، بل إنه يتفاخر بذلك مما يشجع البريء على الاستمرار والمداومة في التحادث بها، قبل أن تكبر معه تلك المصطلحات التي تصبح مع مرور الوقت جزءا من ثقافته.
وأمام تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة طالب بعض الشباب عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منها الفايس بوك بضرورة القيام بحملة لمحاربة الكلام الفاحش عبر العديد من المدن والولايات، وهي مبادرات تستحق الثناء والتشجيع على الرغم من محدودية انتشارها بين فئات المجتمع، لأن ليس كل الناس يملكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ليبقى الأئمة في المساجد مطالبون بنشر دروس التوعية والتحسيس، لتحريك ضمائر الأولياء، ودفعهم للتصدي بكل قوة إلى ظاهرة استعمال المصطلحات النابية في حديثهم كبالغين وفي حديث أبنائهم الأبرياء.