يؤكد السجال الدائر بين واشنطنوموسكو حول "من طلب لقاء القمة"، بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، في نيويورك، الإثنين المقبل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ الاتفاق على مسودة حلّ للملف السوري لا يزال صعباً، على الرغم من أن لدى أركان الإدارة الأميركية مجموعة من "الأفكار" التي لا ترقى إلى صفة المبادرة أو الحلّ، وتتمحور جميعها حول وضعية الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية العتيدة التي يفترض أن تفصل بين "سورية الأسد" و"سورية الجديدة". ملامح الأفكار الأميركية لا تزال غامضة، ويتحدث عنها مصدر أميركي مطلع ل "العربي الجديد" بتردد، نظراً إلى أن "لا شيء محسوماً بعد". وبحسب المعلومات، فإن إدارة أوباما، وإنْ لم تصرّح بذلك علناً، بدأت تتقبّل على نحو تدريجي فكرة بقاء مشروط لرئيس النظام السوري بشار الأسد لفترة انتقالية، يتم خلالها إدخال تغييرات جوهرية في تركيبة نظامه وإشراك المعارضين له في حكومة وحدة وطنية. ويجمع مراقبون مؤيدون للثورة السورية على استحالة إدخال تغييرات جذرية في تركيبة النظام السوري مع الإبقاء على رأس النظام. ويكاد هؤلاء يتفقون مع رؤية من تبقى من مؤيدي النظام محلياً وخارجياً ممّن يعتقدون باستحالة الحفاظ على النظام السوري، في حال تم إجبار الأسد على الرحيل. استحالة الحفاظ على النظام السوري في حال تم إجبار الأسد على الرحيل أفكار تتزامن مع حديث البيت الأبيض عن أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن انتقال سلمي للسلطة في سورية، من دون الإشارة إلى مصير الأسد في الاتفاق المأمول، أو اشتراط رحيله قبل تطبيق الاتفاق. كما بدأ الحديث الأميركي عن الدور الروسي في الملف السوري يتزايد، إذ أشار المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنيست، إلى تأثير سياسة العزل السياسي على موسكو، لكنّه أشاد ب "الدور الإيجابي" لموسكو خلال المفاوضات النووية مع إيران، في إشارة على ما يبدو إلى أن ذلك الدور أسهم في خلق تقارب أميركي روسي تجاه بعض الملفات الشائكة التي يأتي في مقدّمتها الملفان السوري والأوكراني. وفي ظل الاعتراف الأميركي بدور موسكو في إنجاح الاتفاق النووي مع إيران، من غير المستبعد أن يكون المقابل هو تنازلات أميركية لروسيا ذات صلة بالأزمة السورية، وهو ما بات يعتبره كثيرون "منطقياً" في إطار المعطى الروسي المستجد منذ التدخل العسكري المباشر في تسليح الجيش السوري وقيادة بعض فرقه بهدف منع سقوطه، لكي تفاوض موسكو باسمه على اتفاق حل نهائي. ويربط مراقبون بين الأزمتين الأوكرانية والسورية، ملمحين إلى وجود تنازلات روسية في الملف الأول مقابل مكاسب في الملف الثاني. لكن الأمر الأكثر وضوحاً، هو التغيير الذي طرأ على موقف إدارة باراك أوباما تجاه الأزمة السورية، من ناحية تخفيف نبرة الإصرار على رحيل الأسد. وقد يكون هذا التغيير نابعاً من حسابات أميركية أحادية الجانب، أو بناءً على تفاهمات ثنائية مع موسكو تجاه حزمة من الملفات السياسية المختلف عليها. بل وصلت بعض التكهنات إلى حدّ القول إنه لم يبق على إبرام الصفقة الأميركية الروسية بشأن سورية، سوى الاتفاق على السماح لبشار الأسد بترشيح نفسه للرئاسة عقب الفترة الانتقالية، حسب الإرادة الروسية، أو منعه من الترشح، حسب التمني الأميركي. قمة أوباما بوتين يرى مراقبون أن القمة بين أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين المرتقبة تعدّ تراجعاً عن فرض سياسة العزل على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، في مقابل التنازلات الأميركية الملموسة بشأن سورية، وقد تتمخض هذه العناصر في نهاية المطاف عن صفقة ترضي موسكو بالدرجة الأولى، وتغضب غالبية الشعب المصرّ على إسقاط النظام. وكانت الأزمة الأوكرانية المتمثلة في دعم موسكو للتمرد الانفصالي في شرقي أوكرانيا، قد أدت إلى توسيع الهوّة، ليس بين أوباما وبوتين فحسب، ولكن بين الغرب الداعم للحكومة الأوكرانية بزعامة الولاياتالمتحدة، وروسيا الداعمة للانفصاليين في أوكرانيا. سجال حول الجهة التي طلبت لقاء أوباما بوتين والأولوية لأوكرانيا ولتقليل المخاوف السائدة بشأن أي تنازلات أميركية محتملة بشأن هذين الملفين، شدّد البيت الأبيض على لسان جوش أرنيست، على أن القمة الأميركية الروسية المتوقع أن تتم يوم الإثنين، تأتي بناءً على طلب من الرئيس الروسي، ولم تكن من ضمن جدول لقاءات الرئيس الأميركي على هامش حضوره الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن البيت الأبيض أقرّ بأن قمة أوباما بوتين لن تكون مجرد مناسبة لالتقاط الصور، بل من المحتمل أن تسفر عن تفاهمات تمهّد الطريق لتنسيق وتعاون بين الجانبين تجاه عدة قضايا، جازماً بأن الأولوية هي للملف الأوكراني، فضلاً عن أن "لدى أوباما رسالة يريد إيصالها إلى بوتين بشأن سورية، وهي أن مضاعفة دعمه لنظام بشار الأسد هو رهان خاسر، لن يسفر إلا عن إطالة أمد الأزمة السورية، وهو دعم لا يخدم مصلحة أي من الشعبين الروسي أو الأميركي". الكلام حول الجهة التي طلبت اللقاء لم يجد كبير المستشارين السياسيين في الكرملين يوري أوشاكوف، أمس الجمعة، حرجاً في تكذيبه، مشيراً إلى أن "الإدارة الأميركية هي التي اقترحت الاجتماع". وقال أوشاكوف للصحافيين إن البيت الأبيض أعطى رواية "محرَّفة" لمسار الأحداث، لافتاً إلى أن "الكرملين يتوقع سلوكاً أكثر مهنية من الجانب الأميركي في مثل هذه الأمور في المستقبل". وشدد أوشاكوف على أن سورية ستكون الموضوع الرئيسي في النقاش بين بوتين وأوباما، فضلاً عن أوكرانيا.
خدمة أميركية للأسد ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، باتت سورية مادة رئيسية للتراشق بين المتنافسين على ترشيح الحزبين الكبيرين "الجمهوري" و"الديمقراطي". ويكاد يجمع مختلف المرشحين على أنّ سياسة أوباما تجاه سورية خاطئة، بل وتساورهم الشكوك بشأن حقيقة ما تريده إدارة أوباما لسورية، ويلمحون إلى رغبة أوباما في بقاء الأسد. وفي هذا السياق، يقول المرشح دونالد ترامب، الذي يتصدّر استطلاعات الرأي بين المتنافسين على ترشيح الحزب "الجمهوري"، إن الولاياتالمتحدة في ظل الإدارة الحالية تقدم خدمة جليلة للأسد عن طريق استهداف خصومه. وتابع ترامب، في حديث تلفزيوني أدلى به لشبكة "سي إن إن" الإخبارية مستهزئاً من سياسة الإدارة الحالية تجاه سورية: "أكاد أجزم أن الأسد ينظر إلينا حالياً، وهو غير مصدّق نفسه أن الأميركيين يقتلون عدوه"، في إشارة إلى "داعش" الذي يلتقي الأميركيون والنظام السوري على محاربته. وأضاف "لا بد أن الأسد يخاطب نفسه حالياً بالقول إن الدور الأميركي ضد أعدائي هو أعظم ما مررت به طوال رئاستي". وأشار ترامب إلى أنه في حال فوزه بالرئاسة، فإنه سيعتمد سياسة خارجية يصعب التنبؤ بها، وهو ما سوف يمنع الخصوم من الاستعداد لمجابهتها. غير أنّه أعرب عن مخاوفه من أنّ أي مواجهة مع روسيا على الأرض السورية قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، مشدّداً على أن مصلحة روسيا في القضاء على "داعش" تفوق بكثير المصلحة الأميركية، وهو ما يُفهم منه وجود استعداد لديه لغض النظر عن إطلاق يد روسيا في سورية.