تحوّلت زراعة النخيل خلال السنوات الأخيرة من زراعة منتجة ومربحة، إلى زراعة للتزيين في مختلف البساتين والحدائق وعلى واجهات الطرقات، بسبب المشاكل الكبيرة التي أثرت على هذه الزراعة، وهو ما أدى إلى تراجع رهيب في محصول التمور، الأمر الذي يتطلب إعداد خطط إستراتيجية لإعادة الاعتبار لهذه الثروة الهامة في الجزائر لما لها من مساهمة فعّالة في الاقتصاد الوطني. تقدّر ثروة النخيل بالجنوب الجزائري بنحو 10 ملايين نخلة بمعدل إنتاج سنوي يصل إلى 260 ألف طن من التمور سنويا، ما يجعل الجزائر من أهم الدول المنتجة للتمور في العالم، وبالرغم من أن هذه الثروة تشكل نشاطا معاشيا واقتصاديا هاما لسكان الجنوب إلا أن إنتاج التمور بالجنوب الكبير بات يواجه عديد المشاكل التصنيعية والتسويقية والإنتاجية، رغم ما تبدله الدولة الجزائرية من جهود حثيثة للنهوض بهذا القطاع، وهو ما يتطلب التدخل لإعادة الاعتبار لزراعة النخيل وإعطائها الأولوية بمجهودات إضافية لتحقيق الكفاءة الاقتصادية في الجزائر. ولعل إهمال هذه الثروة وعدم الاعتناء بالنخلة، جعلها خلال السنوات الأخيرة تتحول من زراعة منتجة إلى زراعة للتزيين، حيث تحوّلت إلى مشاريع للتزيين بعدما تم نقلها من مختلف البساتين في واحات الجنوب لغرسها على حواف الطرقات وفي مختلف الحدائق والبساتين، ورغم أن هذه المشاريع التهمت عشرات الملايير في مختلف المناطق، وساهم اقتلاعها في تدني المردود بنسبة 25 من المائة وتقلص نسبة المساحة المزروعة، إلا أنّها لم تؤت أكلها، وآلاف من أشجار النخيل إلى أغصان تآكلت جذوعها، بفعل الظروف المناخية وعدم تلاؤمها مع شروط البيئة وكذا شروط الملائمة لنقلها وغرسها. تراجع رهيب في المنتوج والنخيل يستغيث تؤكد مجموعة من الإحصائيات في دراسة تطور إنتاج التمور مند سنة 1990 إلى غاية 1999 أن الإنتاج عرف اتجاها تصاعديا حيث بلغ إنتاج التمور، سنة 1999 نحو 425583 طن بزيادة قدرها 107 .65 ٪ عن سنة 1990، وترجع هذه الزيادة إلى جملة من العوامل: أهمها توقف التنمية الاقتصادية والخدمية مند سنة 1986، فضلا عن تزايد عدد العاطلين عن العمل وهو ما أحدث هجرة معاكسة إلى العمل في الواحات والاهتمام بقطاع النخيل، غير أنه بعد سنة 2005 سجل تراجعا رهيبا في إنتاج التمور، وعدد النخيل بسبب جملة المعيقات الإنتاجية وانتشار ظاهرة الحرائق، وكذا الزحف الإسمنتي على واحات النخيل، ناهيك عن مشاكل اقتلاعها لاستغلالها في تهيئة المساحات الخضراء وتحسين الوجه الحضري للطرقات. ويواجه قطاع النخيل بجنوب الجزائر عديد المشكلات التي وقفت عائقا أمام إمكانية زيادة المساحة المزروعة، وهو ما ساهم في تدني المردود وانخفاض الإنتاج الكلي للتمور، ومن بين أبرز المعيقات التي كان لها الأثر البالغ في تدهور هذه الثروة الهامة في الجزائر، تلك المتعلقة بالحلة الصحية للأشجار حيث يتعرض النخيل المنتج إلى عديد الأمراض والحشرات سواء على مستوى النخلة أو على مستوى المخازن، على غرار "دودة التمر"، حيث تسبب هذه الحشرة خسائر كبيرة تصل إلى 30 ٪ على مستوى المزرعة والمخازن، ناهيك عن وجود نسبة كبيرة من الأصناف الممتازة لا تنتج ثمارا ذات نوعية وتعاني من حساسية كبيرة للإصابة بمرض البيوض، ويرافق ذلك الافتقار إلى تطبيق الطرق العلمية والتقنيات الحديثة لتحسين أشجار النخيل والتغلب على هذه الأمراض مع قلة التوجيه والإرشاد. من جهة ثانية، توجد معيقات أخرى ترتبط بضعف القروض الزراعية الموجهة لتمويل مشاريع النخيل مع ارتفاع نسبة الفائدة عليها، فضلا عن ندرة الأيدي العاملة المتخصصة في زراعة النخيل مع ارتفاع تكلفتها واستحالة الوصول إلى تحقيق مستوى الإنتاجية الذي يسمح للفلاح بالمساهمة في اقتصاد السوق بسبب ضعف المعرفة التقنية عند المزارعين، إلى جانب غرس النخيل بطريقة تقليدية، ما يشكل عائقا في العمليات الزراعية كالتلقيح والجني والتقليم، بالإضافة إلى عزوف الفلاح عن هذه الزراعة واتجاهه إلى المحاصيل الزراعية الأكثر ربحا للوقت بسبب ضعف عائد الاستثمار وبطء دورة رأس المال، حيث يجد الفلاح نفسه مضطر إلى الانتظار أكثر من 7 سنوات للوصول إلى مرحلة الإنتاج. أعطت الدولة أولوية لتنمية الجنوب من خلال برامج الاستصلاح الفلاحي، حيث تم خلال السنوات الأخيرة استصلاح نحو 40000 هكتار، ومن أجل مضاعفة الإنتاج يجب العمل على تقديم الإعانات المالية لمنتجي التمور، وتشجيع زراعة النخيل من خلال إنشاء صندوق خاص للنهوض بالنخيل لتغطية مصاريف الأشغال الزراعية في شكل قروض مسيرة طالما أن القروض المعوّل بها لا تلبي الحاجة، فضلا عن صيانة المزارع ومتابعتها وتقييم إنتاجها والتعرف على المخاطر التي تواجهها، والعمل على تجديد النخيل بأشجار مقاومة للمرض مع تعميم الأصناف ذات الجودة العالية كدڤلة نور في مختلف المزارع، وإدخال تجارب المكينة في جميع العمليات الفنية للتغلب على مشكلة نقص الأيادي العاملة. من جهة ثانية يشتكي الفلاحون من ضعف التوعية وهو ما يتطلب توعيتهم بمختلف الطرق الفنية الجديدة لتحقيق الأهداف المرجوة، وإنجاز البحوث الميدانية لإعداد تصنيف نهائي للتمور، وإعداد المواصفات لكل صنف حتى يتمكن الباحثون من العمل على رفع إنتاجها، مع العمل على تشجيع الاستثمارات لإنشاء مصانع لإنتاج التمور، وتحسين وسائل التصنيع ومراعاة الشروط الصحية والمواصفات التجارية لتغطية الطلب في الأسواق التصديرية، ناهيك عن تحسين وسائل الدعاية والإعلان للتمور الجزائرية من أجل التسويق الجيد لها إلى جانب غزو مختلف الأسواق التصديرية في العالم.