صنع الثائر الصادق شبشوب التميز في طريقة محاربته للاستعمار الفرنسي، وعلاوة على أنه حارب العدو قبل الثورة في إطار مجموعة متمردي الشرف أو الخارجين عن القانون وفق تسمية القوات الفرنسية، فإن مسيرته الثورية اتسمت بالازدواجية والتميز في عديد الجوانب. ويعد الصادق شبشوب الملقب ب"قوزير" من الرعيل الأول الذي لبى نداء 1 نوفمبر منذ البداية موازاة مع تواجده في الجبال مع متمردي الشرف على غرار حسين برحايل والمكي عايسي ومسعود بن زلماط وأحمد قادة ودرنوني علي وقرين بلقاسم والمسعود مختاري وغيرهم، حيث شارك في معارك ساخنة في جبال الأوراس الأشم، قبل أن يحول الوجهة إلى منطقة الصحراء في النصف المتبقي من الثورة التحريرية تحت إشراف شعباني، وبرز كعنصر فعال في معركة بوكحيل بنواحي الجلفة التي كبد فيها جيش التحرير خسائر مادية وبشرية كبيرة للقوات الفرنسية0 ويبقى الشيء المهم في مسيرة البطل الصادق شبشوب هو أنه من الضباط القلائل الذي رفع راية الجهاد بمعية زوجته المجاهدة عيدة (فاطمة) لوصيف التي كانت إلى جانبه حين كان عنصرا فعالا في مجموعة متمردي الشرف، وواصلت معه مسيرة الجهاد خلال الثورة التحريرية إلى غاية سقوطه في ميدان الشرف يوم 20 أكتوبر 1961.
تمرد بعد شجاره مع مسؤول فرنسي يعد الشهيد الصادق شبشوب من مواليد 1914 بمنطقة إينوغيسن بباتنة، ونشأ في أسرة فقيرة عانت الحرمان والفقر، وقد مات أبوه وهو لا يتجاوز عمره 12 سنة، ما جعله يعمل في الفلاحة لمساعدة وإعالة إخوته ومقربيه. وبعد عودته من الخدمة العسكرية تزوج عايدة (فاطمة) لوصيف، وكانت من المجاهدات البارزات أثناء الثورة التحريرية، وقد عمل الصادق شبشوب عدة سنوات في الجيش الفرنسي. وبعد تسريحه عمل في مصلحة الطرقات، وأصبح مسؤولا في تلك المصلحة، وحدث شجار بينه وبين مسؤول فرنسي، ما أدى إلى تدخل الدرك الفرنسي محاولا القبض عليه، وقد تفطن الصادق شبشوب للمؤامرة التي حيكت ضده، فقرر الاعتصام في الجبال، وفضل بذلك خيار التمرد على فرنسا، ما جعله ينضوي ضمن مجموعة الخارجين عن القانون الذي كان محصلة لاضطهاد وظلم الإدارة الفرنسية، وكان إلى جانب عدة متمردين شكلوا فيما بعد اللبنة الأولى لجيش التحرير الوطني، على غرار الحسين برحايل، قرين بلقاسم، المكي عايسي، أحمد قادة، المسعود بن زلماط الثاني، علي درنوني، لخضر بن مسعود أوصيفي، محمد بوحنيك، خالد نويوة وغيرهم. وكان الصادق شبشوب ضمن أفراد هذه المجموعات الثائرة على أوضاع الإدارة الفرنسية، وقد انضموا بعد ذلك إلى صفوف الحركة الوطنية، في الوقت الذي عمل الصادق شبشوب على توحيد صفوف المناضلين، وجمع شمل الأعراش، وإتباع أسلوب التوعية، وتنظيم العمل الثوري بمنطقة الأوراس تمهيدا لاندلاع الثورة التحريرية.
واكب الثورة منذ البداية ومن الجوانب المهمة التي تميز مسار الصادق شبشوب هو مواكبته للثورة التحريرية منذ اليوم الأول، وقد أصبح عضوا بارزا في جيش التحرير الوطني، ما جعله محال استشارة القيادات في أمور الثورة والمجاهدين، وهذا بناء على حنكته وخبرته الطويلة في كمسار الجهاد حين كان ضمن جماعة متمردي الشرف، وقد بقي في ناحية آريس حتى سنة 1957، ثم انتقل إلى ناحية مشونش، وكانت زوجته المجاهدة فاطمة لوصيف دائما إلى جانبه في المسار وحمل السلاح، وفي سنة 1958، تم ترقيته إلى رتبة ضابط أول، ومن بين المميزات التي يتصف بها هو أنه كان حرا في تنقلاته بين النواحي، والقسمات بين مناطق الأوراس والصحراء، مثل سيدي عقبة، غسيرة، القنطرة وبني فرح بعين زعطوط. وفي هذا الصدد يؤكد المجاهد مسعود عبيد للشروق أن الصادق شبشوب كان يحمل رخصة من النظام الثوري، تخول له حرية التنقل إلى أي منطقة أو جهة يريد البقاء فيها، وهو ما يجعل القادة الذين ينزل عندهم ضيفا يتكفلون به في جميع أموره هو وزوجته، ورغم انه قضى مدة طويلة في الولاية السادسة لكن لم ينس المنطقة الأولى، والمنطقة الثانية من الولاية الأولى، ضابط يجول أينما شاء ويقابل بكثير من الود والتقدير والاحترام.
ترك بصماته في معركة بوكحيل الفاصلة شارك الصادق شبشوب الملقب ب"قوزير" في عدة معارك معروفة على مستوى منطقة الأوراس، أهمها معركتي احمر خدو الأولى التي حدثت عام 1958 والثانية التي وقعت في أكتوبر 1960، كما كان ضمن المجاهدين المشاركين في معركة جانة شهر مارس 1959، ومعركة جبل الأزرق شهر ديسمبر 1959. واشتهر الصادق شبشوب في منطقة الصحراء بعد مشاركته في معركة بوكحيل بنواحي الجلفة، سبتمبر 1961، وهي المعركة التي قادها مسؤول الولاية شعباني، وساهمت في إفشال كل محاولات فرنسا لفصل منطقة الصحراء عن باقي الوطن، وبرهنت على عدم التفريط في أي شبر من التراب الوطني، خاصة أن المعركة تزامنت مع المفاوضات بين الحكومة المؤقتة والجانب الفرنسي. وقد شارك من الناحية الأولى من المنطقة الثالثة 12 مجاهد من كتيبة قسمة 53 بقيادة العريف الأول العسكري بلقاسم مستاوي، و50 مجاهدا من كتيبة قسمة 54 بقيادة المساعد عبد الجبار بن المدان، وشارك من الناحية الثانية من المنطقة الثالثة 70 مجاهدا من كتيبة قسمة 55 بقيادة المساعد محمد كحلة، و60 مجاهدا من كتيبة قسمة 56 بقيادة المساعد على قوجيل، و70 مجاهدا من كتيبة قسمة 57 بقيادة المساعد لخذاري زيان، و50 مجاهدا من كتيبة قسمة 58 بقيادة المساعد محمد الهادي عبد السلام .وشارك من مركز الناحية الثانية من المنطقة الثالثة 20 مجاهدا بقيادة الضابط على الشريف، ومن مركز قيادة المنطقة الثانية 10 مجاهدين بقيادة الضابط الشهيد البطل مخلوف بن قسيم والملازم الأول بوجمعة قرمة والملازم ثامر بشيري. ومن مركز قيادة الولاية 30 مجاهدا على رأسهم العقيد محمد شعباني والضابط الصادق شبشوب رفقة زوجته فاطمة لوصيف... وقد خلفت نتائج المعركة شهيدين في اليوم الأول، وسبعة شهداء في اليوم الثاني، إضافة إلى سبعة جرحى خلال اليومين، فيما عرف اليوم الأول 400 قتيل من جهة العدو، و300 قتيل في اليوم الثاني حسب بعض المصادر، إضافة إلى إسقاط 3 طائرات، واحدة من نوع ت 6، واثنتين من نوع ب 29، وظفر المجاهدون بعدة بنادق من نوع خماسي ألمان، بنادق خماسي أمريكان، 7 رشاشات ثقيلة 24 و30 أمريكان، رشاش ألمان، رشاش ماط 49، بنادق 86 عشاري انجليزي، قنابل نار وقنابل متفجرة.
وشاية خائن تسببت في استشهاده بجبال نقاوس وفي خريف العام 1961 كان للشهيد الصادق شبشوب في زيارة إلى المنطقة الأولى من الولاية الأولى، وهذا في إطار جولة من جولاته على مستوى منطقة الأوراس، وتزامن ذلك مع اجتماع مجلس المنطقة الأولى الذي عقد بتاريخ 20 أكتوبر 1961 بمشتة أمزدور بجبل بواري الواقعة في بلدية تاكسلانت (نقاوس بباتنة) الناحية الرابعة. وحسب شهادة قائد المنطقة، المجاهد محمد الشريف عايسي المدعو محمد الشريف جار الله فإنه "في 18 أكتوبر 1961 عقدنا اجتماع في المنطقة الأولى مع مسؤولي النواحي ومسؤولي مدينة باتنة، ومدينة سطيف، ودرسنا الأوضاع والنواحي بالمنطقة الأولى، ووجدنا كثيرا من المسؤولين ومسيرين في الأقسام قد استشهدوا، فجددنا التسمية، وعوضنا هؤلاء الشهداء بإخوان آخرين. وفي 22 أكتوبر 1961، وبعد انتهاء الاجتماع انتقلنا إلى مكان آخر يسمى تينباوين بلجنة جعفر مسعود بجليل البواري، وأعطى أمر لمسؤولي النواحي ومسؤولي البلديتين سطيفوباتنة بالمغادرة والرجوع إلى نواحيهم، وبقينا نحن أعضاء المنطقة والكتّاب، وعددنا 12، وفي ذلك اليوم كنا بصدد تهيئة محاضر الاجتماع مع الكتّاب، وفي الساعة الرابعة نزل عساكر الاستعمار من مظليين ومشاة بالهليكوبتر والطائرات المقنبلة، وكنا في دار بوسط قرية صغيرة، فطوقت هذه القرية، ولم يكن باستطاعتنا الخروج، وعند وصول العساكر إلينا وقع بيننا اشتباك بالرصاص، واستشهد منا تسعة من الإخوان المسؤولين وبعض الكتّاب بالمنطقة، وهم شبشوب الصادق (مجاهد 54 الذي جاء من الولاية السادسة)، عيسى علال ممون المنطقة الأولى، ساعد بن زديرة قاضي المنطقة الأولى، الجمعي برحايل عسكري المنطقة الأولى، بوزيد دردار كاتب ممون المنطقة الأولى، محمد الطاهر حامدي الشريف كاتب المنطقة الأولى، سليمان عروة كاتب المنطقة الأولى، عياش نقاز رفيق عسكري المنطقة الأولى، محمد قيرواني إخباري المنطقة الأولى، ولم ينج منا سوى محمد الشريف عايسي (المتحدث)، ومسعود عبيد وعمر جدي، والشهداء منهم"، وفي السياق ذاته أكد المجاهد مسعود عبيد الذي يعد من المجاهدين الذين حضروا المعركة، أن الصادق شبشوب كان أول من بادر في الخروج من المخبأ لفك الحصار، وطلب من المجاهدين رشاشة إضافية سلمت له وشرع في الهجوم خارج المنزل، لكن سقط شهيدا في الحين، واستمر القتال بين المجاهدين والعدو، ما أسفر عن استشهاد مجاهدين آخرين.
المؤرخ علاق دوّن قوزير وزوجته في مجموعة "متمردي الشرف" وقد أدرج المؤرخ الفرنسي الراحل هنري علاق اسم المتمرد الصادق شبشوب وزوجته عايدة لوصيف في كتابه المعنون ب "كفاح الجزائر"، وهو ما تعكسه الفقرة التالية المدونة في الفصل المعنون ب "الخارجون عن القانون في الأوراس"، حيث كتب ما يلي "شبشوب الصادق أصله من دوار زلاطو، عامل منجمي، ناضل في الحزب الشيوعي الجزائري، وبعد سوء تفاهم مع احد مسؤوليه التحق بالجبل متبوعا بزوجته، التي قامت بالكفاح إلى جنبه، وكانت رامية ماهرة، ففي سنة 1976 تأبطت عجوز أوراسية سلاحها تحت كاميرا التلفزة الجزائرية، إنها السيدة شبشوب التي أدهشت المشاهدين، وهم يتذكرون صفحات تتغني بمجد الكاهنة". ويعد الشهيد الصادق شبشوب، في صدارة المجاهدين الذين رفعوا السلاح في إطار مجموعة متمردي الشرف نهاية الأربعينيات، وواصل مسيرة الجهاد مع اندلاع الثورة التحريرية، سواء على مستوى الولاية التاريخية الأولى، أو خلال تحوله إلى منطقة الصحراء سنة 1957 وإلى غاية استشهاده يوم 20 أكتوبر 1961، وشكل رفقة زوجته عايدة لوصيف ثنائيا مميزا في مسيرة الجهاد، وهو ما جعلهما محل ثناء الأسرة الثورية في الولاية التاريخية الأولى والسادسة.
فاطمة لوصيف.. من الجهاد إلى الزواج من "حركي" وتعد المجاهدة الراحلة فاطمة لوصيف (زوجة البطل شبشوب الصادق) من مواليد 1922 بتكوت، باشرت النضال السياسي في مرحلة منذ 1948، حيث كانت من المساهمين الأوائل في الإعداد للكفاح المسلح، وذلك بتنقلها عبر جبال الأوراس من شيليا إلى أحمر خدو إلى إيش أزيزا تجمع الأسلحة وتساهم في إصلاح ذات البين بين الأهالي، وهذا بناء على ما تتمتع به من شخصية قوية وشجاعة نادرة. وخاضت السيدة عايدة لوصيف غمار العديد من المعارك الشهيرة، كمعركة الزقاق وتيفيراسين وأحمر خدو، وموازاة مع انهيار معنويات سكان الأوراس بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد، إلا أن عايدة واصلت رحلة التنقل رفقة زوجها الصادق شبشوب إلى عين زعطوط، حيث خاضت معركة حامية الوطيس، ثم إلى أمنطان ثم "إيش أزيزا" وساقية الشرفة، كان ذلك سنة 1957. وتقول المجاهدة فاطمة لوصيف في شهادة أدلت بها منذ عدة سنوات للأستاذة فاطمة عبدلي قالت "في سنة 1959 توجهت رفقة زوجي الصادق شبشوب إلى الصحراء، وفي جبل القرون كان معنا عمر صخري وسي الصالح من عين زعطوط، والهاشمي حديدي وحسني بزياني، وتوجهنا جميعا إلى جبل بوكحيل، حيث التقيت هناك بالقائد المرحوم شعباني، وهناك حضرت معركة طاحنة وكبيرة في منطقتي الكرمة وجريبيع بالجلفة". وعن الحادثة التي كان لها أثر كبير في تغيير مجرى حياتها، بعد استشهاد زوجها ورفيق عمرها الصادق شبشوب تقول "حدث ذلك قبل وقف إطلاق النار بعدة أشهر، حيث كنا في نواحي نقاوس رفقة بعض رفقاء السلاح، وكنا ندبر لعملية عسكرية كبيرة في المنطقة، لكننا تفاجأنا بتطويق القوات الاستعمارية للمكان الذي كنا فيه برا وجوا، فوقع الالتحام، وقاومنا في معركة لم تكن متكافئة، واستشهد الصادق شبشوب وسلاحه في يده رفقة ثمانية رفقاء آخرين، ونجوت رفقة محمد الشريف جار الله ومسعود عبيد وبوزيد من سطيف، وكانت هذه آخر معركة شاركت فيها، والتحقت إثرها بالجبال مرة أخرى، وبقيت هناك إلى أن بزغ فجر الاستقلال فتوجهت نحو باتنة. وبخصوص قضية زواجها من شخص كان مع المعسكر الفرنسي إبان الثورة، تبرر قرارها في حديث أفصحت عنه للأستاذة فاطمة عبدلي "اخترت عبد الله كزوج، لأنني متأكدة من نظافته، وعدم إساءته للثورة أو الثوار، ولقد كشفت لي عشرتي معه عن نبل أصله وطيبة معدنه، ذلك أنه لم يسئ إلي ولو بكلمة نابية واحدة طيلة هذه السنوات