نحاول في هذه الشهادة للمجاهد الكبير سي أحمد قادة الوحيد الذي لايزال على قيد الحياة من مجموعة 16 الخارجين عن القانون الفرنسي قبل الثورة، أوما يعرف ب "المعتصمين بالجبل" لمعرفة خبايا هذه المجموعة التي لم تأخذ حقها من التوثيق التاريخي، بالرغم من أن هؤلاء الرجال ينعتون بوقود الثورة الحقيقيين ولهيبها، لذلك ارتأت "الشروق" فتح هذا الملف والتعمّق في خباياه ثم التطرق إلى قضية الصراعات الداخلية بين المجاهدين أثناء الثورة التحررية والتي بلغت إلى حد الاغتيالات والتصفيات الجسدية. يصف المجاهد أحمد قادة الخارجين عن القانون الفرنسي على أنهم شجعان رفضوا الاستجابة للإدارة الفرنسية قبل الثورة فلتحقوا بالجبال واعتصموا بها. وتختلف دواعي التحاقهم بالجبال في الأوراس، من شخص إلى آخر منهم المشبوهون والسياسيون، فضلا عن من ارتكبوا جرائم قتل ضد عملاء لفرنسا ومنهم من ارتكب جنحا مختلفة من شجارات وضرب وجرح عمدي مع الخونة والڤومية والعملاء والشنابيط الذين رفضوا أوامر السلطات الاستعمارية، ومعاملتهم لهم وكانوا على دراية من أمرهم بما سوف تسلطه عليهم الإدارة من أدوات العذاب والإهانات والأعمال الشاقة في سجونها، وهي تسعى في تحطيم شخصيتهم النوميدية الإسلامية من كبرياء وقتل الرجولة فيهم وتعمل من أجل إشعال نار الفتنة بينهم. هذا الأمر جعلهم يلجؤون إلى الجبال مفضلين حياة التشرّد والعزلة بدلا من حياة المذلة والقهر، وكان الشعب يعرفهم وكان إلى جانبهم ويعتقد أنهم أبطال.
من هم هؤلاء، أعتقد أن جيل اليوم لا يعرف عنهم شيئا ولم يذكروا في المقررات المدرسية؟ نعم، هذا صحيح، وهو تهميش متعمد منذ الاستقلال لأسباب غير مفهومة لحد الساعة، رغم أن الخارجين عن القانون، كانت فرنسا قد خصصت لهم مقررا مدرسيا تحذر منهم في المدارس وتشوّه سمعتهم، هم رجال مهدوا للثورة، وسلكوا طريق البطل الشهيد مسعود بن زلماط المتمرد على النظام في العشرينيات، والإدارة الفرنسية في أواخر الاربعينيات، كانوا هم القوة الضاربة في جبال الأوراس ويعود الفضل للشهيد المغتال مسعود بن عيسى، ورفاقه الذين نجحوا في استمالة عدد آخر من الأفراد قصد الالتحاق بهم واستطاعوا أن يجذبهم ويشجعهم على الانخراط في صفوف حركة انتصار الحريات والديمقراطيةM.T.L.D والمنظمة الخاصة "لوص" بداية عام 1947. وتم تخصيص مراكز لتدريب العناصر، حيث كانوا يزوّدونهم بكل ما يحتاجونه دون ضغط أو إكراه حتى من المهاجرين في فرنسا قبل وبعد الانضمام إلى الحركة الوطنية والمنظمة الخاصة، في حين كان يصفنا أصحاب القلوب الضعيفة بالمنافقين الخارجين عن القانون، وعن طاعة الحاكم وهذه التسمية رسمها عليهم القايد والحاكم و"بريزدان"والشنابيط؟ من أجل استضعافهم أمام الرأي العام. كان الأبطال وعددهم 07 بمثابة وقود القيادة العسكرية للشهيد الرائد حسين برحايل رافعين السلاح ضد الإدارة الفرنسية، معتصمين بشكل مطلق قبل الخلافات والأزمة في صفوف حركة انتصار الحريات والديمقراطية والمنظمة الخاصة "لوص" في أواخر الأربعينيات ومنهم من اعتصم في الجبل منذ عام 1942، مشكلين بذلك فرقة كومندوس هدد فرنسا بمنطقة الأوراس وهم: الشهيد العقيد حسين برحايل، الشهيدالرائد درنوني علي، الرائد الشهيد مسعود بن زلما الثاني، الرائد الشهيد قرين بلقاسم، المجاهد أحمد قادة أطال الله في عمره، الشهيد الرئد عيسي المكي، الشهيد الرائد شبشوب الصادق المدعو قوزير، ثم توسع الفوج من سبعة عناصر إلى 24 مجاهدا بعد سنة 1950 منهم: الشهيد العقيد حسوني رمضان، الشهيد الضابط محمد بلعدل، الشهيد الرائد محمد الصالح بن سالم، الشهيد الرائد محمد بن سالم بن عمر، الشهيد الرائد صالح وصاف، الرائد الشهيد بالأزرق وصاف، الضابط الشهيد مصطفى وصاف، الشهيد خالد نويوة، الشهيد الأخضر بورك، الشهيد مسعود مختاري، الشهيد جودي بيشة المدعو بوسنة، الشهيد محمد بن احمد مزياني، الشهيد المسعود معاش، الشهيد لخضر بن قدور، المجاهد أحمد أوصيفي المدعو الأخضر بن مسعود، المجاهد بن عبد الهادي الوردي. وقد لعب هؤلاء دورا مشرفا في إنجاح العمل الجهادي في الأوراس، وتأسيس الخلايا والأفواج على أن تكون الاجتماعات بصفة شهرية لدراسة الحالة الاجتماعية والقرارات والتعليمات وجمع الاشتراكات وشراء الأسلحة من أي مصدر كان وتخزينها ثم تدريب المجاهدين عليها في الجبال.
البعض يقول إن عملكم كان مبددا وغير موحد لذلك عجزتم على مجابهة فرنسا؟ لا، بالعكس، ولولا هؤلاء الرجال من زملائي وأصدقائي، لما كان للثورة مسمعا، وقد كبدنا العدو خسائر بالجملة كوننا من خيرة العناصر المشبعين بمبادئ الاستقامة والتربية والخلق القويم، وكان بعضنا من المناضلين الفارين من الخدمة العسكرية، حيث استطعنا تحرير غابات الأوراس من حراس الغابة وفرق الدرك الفرنسي ومنعهم من التجوال داخلها وتهديد "الڤياد" والحكام وشنابيط والعملاء أثناء صدور بعض القوانين أو القرارات على المواطنين خاصة مناضلي الحركة، كما حذرناهم من التعاون مع فرنسا بالرسائل وضرورة التراجع عن ذلك بالكف على ما فرضوه على الناس أوما أخذوه منهم بالقوة.
يعني لم تكن هناك مواجهات دامية بينكم وبين العدو؟ كنا نحاول الدفاع عن أنفسنا وفي حال التقرب منا نتشابك مع العدو الفرنسي بشراسة، ناهيك عن التنسيق بين مناضلي الخلية السرية في المنظمة الخاصة التي كانت مراقبة بشكل محكم من طرف فرنسا، حيث أصبحت المنطقة مهيئة لاستقبال كل اللاجئين السياسيين والثوار، من قيادة المنظمة الخاصة وأصبحت جبال الأوراس ملجأ لهم، كما عمدنا إلى تأسيس خلايا الأفواج ويتمثل دور الخلية في عقد الاجتماعات الشهرية ودراسة الحالة الاجتماعية والقرارات والتعليمات الصادرة وجمع الاشتراكات التي كانت تقدر ابتداء من سنة 1948 ب 50 فرنكا فرنسيا قديما وتضم الخلية ما بين 13 إلى 15 فردا، أما الفوج فيضم بين 50 و100 مجاهد ويتمثل دوره في التنسيق مابين الخلية ومصطفى بن بولعيد وكذا الذين تم تعيينهم بالإشراف على أفواج الخلايا هم: الشهيد الرائد حسين برحايل، الشهيد عايسي المكي، الشهيد بن زلماط مسعود، الشهيد الرائد قرين بلقاسم، المجاهد أحمد قادة الرائد محمد الصغير تيغزة، الرائد الشهيد سمايحي بلقاسم .
يقال إن خياري والجيلالي بلحاج هما من "باعاكم" إلى فرنسا؟ في أواخر سنة 1949 أشرف أبو الثورة مصطفى بن بولعيد ورفاقه في الأوراس بتكليف بعض أعضاء في حزب حركة أنصار الحريات والديمقراطية M.T.L.D بضم أعضاء داخل الحزب وبعد وشاية أحد "الڤياد" ناحية تبسة وهو خياري عبد القادر المدعو رحيم، وبعد أن فلت من محاكمته أمام مجلس التأديب، فر ثم سلم نفسه للإدارة الفرنسية، وكشف عن أسرارنا وأسماء المسؤولين على التدريب أي القادة. ومما زاد الطين بلة خيانة القيادي في هرم المنظمة الخاصة "لوص" والرجل الثاني المكلف بتدريب العسكريين ومسؤول على ناحية البليدة وهو الجيلالي عبد القادر بلحاج المدعو "كوبيس" بعد السطو على البريد المركزي. وقد تم كشف هذه المجموعة عبر كامل التراب الوطني، إلا الأوراس وذلك نظرا لحسن اختيار الرجال، رغم الفتنة التي أوقعتها فرنسا بين العروش لمحاولة تفرقتهم حيث شجعت النشاط الانقسامي من أجل إقناع الرأي العام العالمي بالبقاء في الجزائر لأنه بلد تمزقه الصراعات القبلية، وهذا لتنفيذ برامجها الاستعمارية وإضعاف مقاومتنا لها.
كيف كنتم تنشطون وأغلبكم محكوم عليهم بالإعدام أو مسجونون لدى فرنسا؟ كنا ننشط تحت حراسة بعضنا البعض، وأتذكر جيدا أن الرائد مسعود بن عيسى ورفاقه كانوا مكلفين بإيواء واستقبال أعظم قادة الثوار الذين كانوا يحضرون للثورة المجيدة على المستوى الوطني وحمايتهم من أعين الاستدمار الفرنسي والسهر على أمنهم وحمايتهم بمساعدة أبناء الأوراس والخارجين عن القانون الفرنسي المحكوم عليهم بالإعدام الذين سبق ذكرهم، بعدما كلفوا بتهيئة الأجواء والإيواء واستقبال أعضاء المنظمة الخاصة "لوص". وأذكر أن الفوج الأول جاء من الشمال القسنطيني، حيث كلف الرائد الفقيد مصطفى بوستة من طرف الرائد مسعود بلعقون بالسفر لمقابلتهم، ورغم الحراسة المشددة من طرف العدو الفرنسي على المنطقة، إلا أنه تمكن من إحضارهم على مرحلتين وكان عددهم 13 مجاهدا وهم: الشهيد المغتال شيحاني بشير، الفقيد عبد لله بن طوبال المدعو محمود، الشهيد ديدوش مراد المدعو عنتر، الفقيد حباشي عبد السلام المدعو سي السعيد، المجاهد بوزيدة محمد المدعو "ولد القايد"، الفقيد بوالصوف عبد الحفيظ المدعو مبروك، الفقيد المجاهد رابح بيطاط، المجاهد محمد بن جدو، بينما وصل الفوج الثاني بعد فرارهم من سجن عنابة في 21 أفريل 1951 وهم: الشهيد زيغود يوسف المجاهد سليمان بركات، المجاهد الضابط عمار بن عودة، المجاهد عبد الباقي بكوش، المجاهد مكي بركات، وكان يشرف علينا بصفة مباشرة المجاهد إبراهيم حشاني المدعو سي الصالح والمجاهد محمد مشطي تحت إشراف الرئيس المغتال محمد بوضياف رحمه الله، وتمت هذه العمليات في الأوراس بسرية، تامة دون أن تتفطن الإدارة الفرنسية لنا، ويعود الفضل إلى الرائد مسعود بن عيسى الذي كان فطنا في اختيار العناصر والكوادر والخبرة النضالية الطويلة في العمل السري والتواصل مع رفاقه الخارجين على القانون الفرنسي، وما كنا نتمتع به من انضباط نضالي وجميعنا من ذوي خبرة ويخضع القادة الفارين إلى الأوراس لملاحظات كوادر "لوص" والخارجين عن القانون بسبب معرفتهم للمنطقة، وكان مصطفى بن بولعيد رحمه الله يطلق عليهم تسمية "مراقبي الحزب"، كما عمل على تغيير هويتهم وبطاقاتهم الشخصية حتى لا يكشف العدو أمرهم. وتكلف الرائد الشهيد مسعود بن عيسي بإعطاء كل واحد منهم اسما مستعارا على غرار سي المبروك واسمه عبد الحفيظ بوصوف الذي كان تحت إمارة الشهيد شبشوب الصادق وسي السعيد واسمه حباشي عبد السلام تحت حماية كل من الشهيد عايسي المكي وأنا شخصيا وبعدها انتشرنا بالقوى والمداشر في الأوراس بعيدا عن أعين الاستعمار الفرنسي، وكان الشهيد مسعود بن عيسى يستقبلنا في مركز عين دواد. أما عمار بن عودة والشهيد زيغود يوسف كانا تحت حماية المجاهد الرائد مصطفى بوستة في جبل دوار زلاطو أو ما يعرف بمنطقة عكريش، والفقيد بركات سليمان وعبد الباقي بكوش تحت حماية الشهيد الرائد عمار أمعاش ورابح بيطاط. وكان الشهيد المغتال الرائد مسعود بن عيسى ورفاقه همزة وصل بين الخارجين على القانون الفرنسي في الأربعينيات وبين أب الثورة مصطفى بن بولعيد ولعب دورا هاما في توحيد صفوف الخارجين عن القانون الفرنسي، وهنا لابد من وقفة لفهم من هم الخارجون على القانون الفرنسي.
يقال إن الرائد مسعود بن عيسى حاول الاستفراد برأيه فلقي حتفه؟
لا..لا لم يكن يستفرد برأيه، ولكن يجب أن يستشار ومن حقه في ذلك كونه أحد مفجري الثورة ومن الأوائل الذين صعدوا للجبل قبل تفجيرها أصلا، وظل يحارب فرنسا بمفرده في بعض الأحيان ويتمتع بكلمة مسموعة لدى الأعراش التي عمل على توحيدها والفصل في النزاعات والخصومات سيما عروش بني بوسليمان والتوبة وبني وجانة وبني ملول والسراحنة والغواسير، وهذا الشهيد رحمه الله، ينتمي إلى قبيلة بني بوسليمان وهي القبيلة الشهيرة بالأوراس المعروفة ب "زلاطو" وهي نفس القبيلة التي انحدر منها كبار الثائرين، منهم البطل مسعود أوزلماط الذي وقف في العشرينيات من القرن الماضي ضد العدو الفرنسي، علما أن الشهيد مسعود بن عيسى كان يتبادل مع مصطفى بن بولعيد ورفاقه الرأي والمشورة حول كيفية تنفيذ مخطط الثورة، وجمع الأموال والتنسيق بين عروش المنطقة ويجتهد في إيجاد الحلول المناسبة.الحلقة الأولى