تبادل رؤساء دول الإتحاد المغاربي، رسائل الود بمناسبة الذكرى ال 27 لإعلان قيام الإتحاد، وحمّلوها عبارات الرغبة في تفعيل "الهيكل المغاربي" المعطل منذ سنوات، باعتباره خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه. في السابع عشر فيفري 1989 أبرمت معاهدة الإتحاد المغاربي بمدينة مراكش، ورافقت هذه الخطوة المهمة آمال وطموحات وانتظارات كبرى في أوساط الشعوب المغاربية، باتجاه تحقيق الوحدة والاندماج، وتجاوز مختلف الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت ترزح فيها مختلف أقطار المنطقة. ومنذ ذلك الحين، شهد مسار الاتحاد مدّاً وجزراً، تبعاً لطبيعة العلاقات القائمة بين مختلف أعضائه، والتي تنوعت بدورها بين التناغم تارة والتوتر تارة أخرى، بفعل خلافات عابرة أو تاريخية، بالإضافة إلى الإكراهات والمشاكل التي فرضها الواقع الدولي المتحول في كثير من الأحيان. وبعد أكثر من عقدين على تأسيسه، جاءت حصيلة الإتحاد المغاربي هزيلة وصادمة بفعل جمود مؤسساته، وعدم تفعيل مختلف الإتفاقات المهمة المبرمة، إضافة إلى عدم توفر مبادرات شجاعة على طريق هذا البناء، وذلك عكس بعض التجمعات السياسية والإقليمية التي فرضتها تحولات ما بعد الحرب الباردة. ورغم تعدد أسباب الخلاف بين أقطار الإتحاد، إلا أن الواقع واحد وصار أكثر تأزما من ذي قبل، فالحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، نتيجة خلافات سياسية متشابكة، انسحب مفعولها على الشريط الحدودي بين تونس وليبيا، ثم بين الجزائر وكلّ من تونس وليبيا، بدوافع احترازية لتطويق التهديدات الأمنية والإرهابية. ولا تزال العواصم المغاربية التي خلّدت ذكرى مرور 27 سنة على تأسيس الاتحاد المغاربي، تمني الخواطر على خجل بإمكانية إعادة تفعيل هيكل لم يبقَ منه سوى عظامه. يقول مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسل، الدكتور محمد بدي ابنو، في مقال نشرته صحيفة "رأي اليوم"، إن "المعطيات المنشورة تُجمِع على أنّ نسبة التّبادل التجاريّ البيني في فضاء دول المغرب الخمس أقلّ من ثلاثة بالمائة من مجموع تبادلاتها التّجارية الخارجية، بينما يصل التّبادل التّجاريّ البينيّ مثلا في فضاء الاتّحاد الأوروبيّ نسبة 67 بالمائة من مجموع التّبادلات التّجاريّة الخارجيّة لدول الاتّحاد، وهو ما يُظهر الإشكاليّة الأساسيّة الّتي عانتها مؤسّسات الاتّحاد المغاربيّ منذ إنشائها في 17 فيفري 1989". ويضيف بأن الدراسات والتقارير تركز على إمكانية تكامل اقتصادي يسمح بزيادة الإنتاج الكلي للدول الخمس بالنصف خلال سنتين، فيما تشير تقارير البنك العالمي إلى أن التبادلات التجارية تتم أساسا بين دول المغرب وأوروبا لأسباب تتعلق بانعكاسات ظروف تاريخية من جهة وطبيعة السلع المتبادلة من جهة أخرى، ولكن أيضا - يضيف التقرير - بسبب الجهود التي تقوم بها دول الاتحاد المغاربي بصفة فردية معزولة عن بقية الدول الأخرى بينما يظل شريك كل منها الاتحاد الأوربي مجتمعا. وهو ما يعني من جهة أن هذه الدول لا تقوم بجهود موازية لرفع مستوى تبادلها البيني البالغ الانخفاض. ومن جهة ثانية أن تعاملها فرادى مع الاتحاد الأوربي، وأيضا مع الولاياتالمتحدة ومع الصين، يحْرمها من مزايا موقع القوة النسبي التفاوضي الذي يُفترض أن التنسيق الاتحادي أو الجماعي يسمح به. وقال الدكتور محمد بدي ابنو، إن جلّ الدراسات تكررّ أنه بالرغم من وجود مصادر استثنائية استراتيجية في دول المغرب العربي إلا أن استغلالها مازال جدّ ضعيفٍ لأسباب سياسية. فتلاحظ مثلا على صعيد مصادر النفط والغاز غيابَ العمل على توسيع شبكة الأنابيب التي قد تكفي إنْ تمّ تطويرها لتغطية الحاجيات الأساسية المحلية الطاقية قبل 2020 كما تلاحظ الدراسات أن البنوك المغاربية تحتوي كميات كبيرة من السيولة الغير المستخدمة والتي لا تتمتع بأدوات مالية تكاملية عبر سوق مشتركة. ويرى الأستاذ الدكتور، محمد قيراط، عميد كلية الاتصال بجامعة الشارقة، الاتحاد المغاربي يعتبر نموذجا أمثلا لفشل العمل المشترك بين مجموعة من الدول تتقاسم اللغة والدين والتاريخ، كما أنها تنعم بخيرات وإمكانات ووسائل تمكنها من التكامل فيما بينها لتنعم باقتصاد قوي وبأنظمة اجتماعية وثقافية وسياسية فعالة ورشيدة، غير أن الواقع يقول إن الاتحاد المغاربي يعتبر من أكبر التكتلات السياسية فشلا في التاريخ المعاصر. ويطرح الدكتور قيراط جملة من التساؤلات حول واقع الإتحاد المغاربي وتحديات وجوده "أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد والتي تضمان فيما بينهما أكثر من 80 مليون نسمة؟! هل يعقل أن لا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4 بالمائة؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواكشوط مرورا بالجزائر وليبيا وتونس؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟ والقائمة قد تطول وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية. فالاتحاد عجز حتى عن تنظيم كأس الاتحاد المغاربي لكرة القدم للأمم أو للفرق الفائزة بالكأس أو البطولة". ويقول محمد قيراط إن "الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية في إطار نظام مغاربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء دون مزايدة ولا مساومة". ويضيف "بعد مرور 27 سنة على إنشائه لم تتغير الأمور قيد أنملة بالنسبة للاتحاد المغاربي، وأقل ما يقال عن هذا التجمع أنه فقد سبب وجوده وأنه أصبح جسما بلا روح". والحقيقة أنه يصعب الجزم بأن ما تبقى من الاتحاد المغاربي يستطيع النهوض من تابوته الذي وضع فيه، فتلويح زعماء الدول المغاربية بالحاجة إلى معاودة النظر في أسس البناء المغاربي، بما في ذلك تغليب المنافع الاقتصادية على الخلافات السياسية، والإبقاء على المشروع إطار حوار يتجاوز المنظور القطري، يتطلب في المقام الأول حدوث اللقاء وطرح الأفكار والمبادرات، وطالما أن عقد القمة المغاربية صار أبعد من متناول اليد، سيستحيل إقناع الأجيال المغاربية الجديدة التي فتحت عيونها بعد آخر قمة في سنة 1994، بأن هناك اتحاداً مغاربياً ينص ميثاقه التأسيسي على تفعيل التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي، ومحاورة الشركاء في الشرق والغرب بصوت واحد مسموع.