التجربة التكاملية المغاربية على قصر مدتها أثارت الكثير من الاهتمام الأكاديمي والعلمي بين النخبة المهتمة بالتطور التاريخي والسياسي للتجربة، وهو ما عشناه في الملتقى المغاربي الأول بعاصمة الزيبان ببسكرة، حيث نظمت كلية الحقوق والعلوم السياسية بالاشتراك مع مخبر البحوث والدراسات في العلاقات الدولية بجامعة الجزائر مداخلات تصب في عنوان الملتقى مسار التكامل المغاربي بين الاعتبارات القطرية والتحديات الخارجية. وأهم إشكالية حملتها معي بعد انتهاء الملتقى من أين نبدأ لتفعيل العمل المغاربي المشترك.. أو كما طرح بصيغة فلاديمير لينين.. ما العمل؟ يطرح التفكير النظري الجاهز في دراسة التجارب التكاملية وبالأخص في التجربة الأوروبية الكثير من العمليات وهو ما حاول الدكتور عبد الناصر جندلي من جامعة باتنة أن يظهره في مداخلة تبين الإطار النظري استنادا إلى مجموعة من النظريات التكاملية الغربية قد تجيب على بعض التساؤلات المطروحة، هل نبدأ من التكامل الوظيفي بتفعيل مجموعة من المشاريع الاقتصادية والنفعية كما حدث في التجربة الأوروبية مع مشروع الفحم والفولاذ، وبالتالي يمكن تحريك المشاريع التكاملية انطلاقا من الموارد الحيوية التي تكسبها الدول المغاربية مثل الغاز، النفط، الفوسفات، الحديد، أو الثروات الطبيعية والحيوانية، مما تؤدي هذه العمليات والتجارب إلى خلق منافع مشتركة عابرة للحدود تعزز من ولاء المواطن من الدولة القطرية إلى الدولة التكاملية بمجرد حصوله على النتائج النفعية المباشرة للعملية التكاملية، مثل توسيع شركات ومؤسسات مغاربية مشتركة يمتد نشاطها العملي في كل قطر مما يعجل بالاتصال الذي يعد محور أي عملية تكاملية، كما يقول أحد أكبر المفكرين في العملية التكاملية كارل دويتش، الذي يبني رؤيته انطلاقا من الاتصال والتبادل التجاري. وبالرغم مما تقدمه النظريات التكاملية من تجارب ومن منطلقات لتحريك العمل المشترك، فإن المغرب العربي يبقى حبيس التصادمات السياسية والرؤى السياسية الضيقة تبرز بشكل واضح في قضية الصحراء الغربية، والقضية هنا وفق تصور النظريات التكاملية كيف يمكن للدول المغاربية أن تتراجع كأجزاء لصالح العملية التكاملية الكلية؟ والتصور الأفضل أن تصل دول المغرب العربي المشكلة لمجموعة الاتحاد المغاربي لدفع مشاريع نفعية تؤدي إلى تراجع المفهوم التقليدي للحدود السياسية بما يعطي الصحراء الغربية الحق في المشاركة المغاربية بما تملكه من موارد حيوية لقوة التكتل المغاربي ككل• وهو الطرح الذي تبنته قيادة البوليساريو عندما عرضت مشاريع امتيازية للملكة المغربية في حالة الاستقلال، وذلك لمواجهة مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي تطرحه المغرب والقائم على تقديم بعض الصلاحيات السياسية والإدارية للصحراويين مقابل التحكم الكلي في موارد المنطقة، والتصور النظري هنا: كيف يمكن التوفيق بين المصالح المتناقضة بين البوليساريو والمغرب، بحيث يضمن الشعب الصحراوي استقلاله السياسي مقابل إبقاء المنافع والمصالح المتبادلة مع المغرب الذي يمكن أن تتوسع أكثر في الدائرة المغاربية الكبرى التي تنشطها المشاريع المشتركة. إلى جانب الاعتماد على النظريات التكاملية للإجابة على السؤال المحوري من أين نبدأ، طرحت في الملتقى بعض التصورات النظرية والعملية لتفعيل التجربة التكاملية المغاربية، من بينها الاعتماد على حيوية المجتمع المدني الذي يدفع إلى حركية أكثر على المستوى المجتمعي بمختلف النشاطات ذات الاهتمام المشترك، بما يجعل المواطنة المغاربية حتمية للعيش المشترك، والقضايا الخلافية التي تطرح مع هذا التصور كما ذهب إلى ذلك كل من الدكتور سعود صالح والدكتورة أمال فيلالي من جامعة الجزائر: هل يملك المغرب العربي حقيقة مجتمعا مدنيا مستقلا عن الريع السلطوي؟ وما مدى استقلاليته عن القوى الغربية التي تستخدم بعض الجماعات المصنفة في إطار المنظمات غير الحكومية للضغط على السلطات القائمة لتحقيق مشاريع خفية؟ ثم من المهم نظريا معرفة الاختلاف التاريخي والاجتماعي لتطور المجتمع المدني، كما عرفه غرامشي في المجتمعات الغربية والمجتمع المغاربي الذي لا تزال القبيلة فيه محور الحركية الاجتماعية والسياسية بمفهوم العصبية عند ابن خلدون. الإطار النظري الجاهز لفهم العملية التكاملية المغاربية يبقى مطروحا في إطار واقع مغاربي مؤشراته سلبية على كل المستويات قد يختزلها تقرير التنمية الإنسانية العربية في النواقص الثلاث: نقص المعرفة، نقص الحرية وعدم تمكين المرأة، وهي نواقص توضع أمام مؤشرات سلبية في المقارنة بين التكامل المغاربي والتبعية المغاربية لدول الاتحاد الأوروبي بحيث لا تتعدى نسبة التبادلات التجارية البينية بين دول الاتحاد المغاربي 3 بالمائة، في الوقت الذي تتراوح نسبة التبادلات التجارية المغاربية مع دول الاتحاد الأوروبي ما بين 55 و70 بالمائة، بالرغم من أن دول المغرب العربي تملك كل عناصر ومقومات القوة الاقتصادية من موارد طبيعية إلى موارد بشرية، إلا أن المصيبة هنا أن البلدان المغاربية ترفع شعار الحكم الراشد لكن كل الترتيبات والتصنيفات العالمية تضعها في ذيل الترتيب للفساد المالي، ونقص الحريات، ونقص الاستثمارات الخارجية، وغياب الديمقراطية والمشاركة السياسية، لأن التجربة التكاملية الناجحة تفرض أولا، ولاء المواطن لدولته قبل التوسع لولاءات أكبر من الدولة كما حدث ويحدث مع التجربة الأوروبية التي جمعت بين المواطنة القطرية والمواطنة الأوروبية.. وبالتالي، أعتقد أن البداية لمسار العمل التكاملي المغاربي يبدأ من النواة الأولى: خلق الولاءات للدولة بدل الولاء للقبيلة بمفهومها السلبي أو للعصبة السياسية المحتكرة للسلطة والثروة، ثم تحول ديناميكية الحياة الديمقراطية في كل قطر آليا البوصلة نحو التوسع للمغرب العربي الكبير.. وغير ذلك سنبقى نعيش تجربة تكاملية فوقية بمزاج السياسي الذي ينسف العملية برمتها حسب نزواته وحساباته السلطوية.