صورة للرئيس بوتفليقة مع الرئيس الاسبق احمد بن بلة تحوّل حفل الاستقبال الخاص بذكرى الفاتح نوفمبر إلى مناسبة كرّست ثقافة المصالحة بعيدا عن منطق "التغنانت" الذي ركب الرؤوس لعدة سنوات. * وقد عكست مشاهدة الرئيس بوتفليقة وهو رفقة الرؤساء السابقين للجزائر: أحمد بن بلة، الشاذلي بن جديد وعلي كافي، سياسة المصالحة الوطنية، التاريخية والسياسية، التي نجح الرئيس بوتفليقة، حسب ملاحظات المراقبين والرأي العام، في مهمة تكريسها من القمة إلى القاعدة. * الجلسة الحميمية التي جمعت أربعة رؤساء للجزائر: بن بلة، بن جديد، كافي وبوتفليقة، ونقلها التلفزيون بالتركيز والاهتمام، حتى وإن "نقصها" الرئيس الأسبق اليامين زروال، فإنها كانت برأي أوساط سياسية انتصارا للمصالحة و"طيّ صفحة الماضي" ولملمة الجراح، بعيدا عن لغة الانتقام والأحقاد وتصفية الحسابات وحوار الطرشان، وقد مثل الرؤساء الأربعة وسيّروا أربع مراحل متباينة ومختلفة قلبا وقالبا وشكلا ومضمونا، سواء من حيث الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، أو من حيث المناخ الإقليمي والدولي الذي حاصر الجزائر. * المناسبة التي اعتبرها مراقبون "سابقة" في المعاملات الرسمية والسياسية بالجزائر -حتى وإن كان بوتفليقة قد دشنها بجلسات مماثلة في وقت سابق- لم تقتصر فقط على الرؤساء، وإنما نجحت ذكرى الفاتح نوفمبر في جمع شمل مسؤولين سابقين ولاحقين، ظلت "الخلافات والاختلافات" المتولدة عن السياسة والتسيير وإدارة شؤون الدولة وإصدار القرارات المصيرية تمزق وحدتهم وتقاطعهم وذوبانهم في موقف واحد، حتى ساد الاعتقاد عند عامة الناس، ولدى بعض السياسيين والمسؤولين أنفسهم، أن السابقين واللاحقين من كبار المسؤولين اتفقوا على أن لا يتفقوا في مواقفهم!. * اللقاء الفريد من نوعه نجح في استقطاب "نوع" من المسؤولين الذين اختاروا في وقت سابق خيار "المقاطعة" أو ما اعتبرها البعض ب "معارضة" مكتومة وغير معلنة، وقد ظهرت شخصيات ومسؤولون رفقة رئيس الجمهورية بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة التحريرية، يتبادلون التحية والتهاني والمعانقات، بعدما حاولت في وقت سابق بعض الجهات تغذية "الفتنة" والقلاقل والخلافات المفبركة والمزعومة بين المؤسسات الدستورية وبين المسؤولين السامين، وهو ما سارت ضد تياره المشاهد السمعية البصرية التي تابعها الجزائريون على المباشر في ذكرى الفاتح نوفمبر كرمز من الرموز الوطنية والسيادية التي قرأت قبل 54 سنة مضت، إنصهار المواقف لصالح الجزائر وبعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والعصبوية. * حضر الرؤساء بن بلة وبن جديد وكافي، ولبّى الدعوة مسؤولون سابقون من أمثال الرئيس السابق لأركان الجيش الوطني الشعبي الفريق محمد العماري، ورئيس الحكومة الأسبق رضا مالك، ورئيس مجلس الأمة سابقا بشير بومعزة، ومستشار رئيس الجمهورية الأسبق اليامين زروال، الجنرال المتقاعد محمد بتشين، وإلى جانب هؤلاء شارك في الاحتفالية الرسمية بقصر الشعب، سياسيون ظلوا خلال عدة سنوات مصنفين في خانة "المعارضين" للسلطة، بينهم الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري، والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، والسكريتير الأول لحزب حسين آيت أحمد كريم طابو. * ويكشف الحضور "الكمّي والنوعي" بقصر الشعب، أول أمس، إتساع دائرة "التصالح" بين الجيلين السابق واللاحق من المسؤولين والسياسيين، وهو مؤشر يخدم حسب متابعين استقرار دولة المؤسسات واستمرارية القرارات الصائبة وإمكانية التغيير الضروري، بعيدا عن ثقافة التراشق وتصفية الحسابات والتنابز بالألقاب، وترسيخا لمبدأ التداول السلمي والديمقراطي على السلطة وتكريس الإرادة الشعبية واحترام اختيارها.