صحيح أن المسؤولين الأمريكيين لا يستطيعون قول الحقيقة فيما يتعلق بجرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، إلا بعد انتهاء مهامهم وعهداتهم في البيت الأبيض. أي عندما يخرجون جزئيا من دائرة ضغط اللوبي الصهيوني الذي يمارسه على الساسة الأمريكيين في تعاملهم مع الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتحديد مع المشكلة الفلسطينية، لكن المسؤولين الأمريكيين هم في كل الحالات أحسن وأشجع من كل المسؤولين العرب في هذا الموضوع، لأن هؤلاء القادة العرب أصبحوا بجيوشهم وسلطاتهم وكل ما يتوفرون عليه من قوة مسخرين لدعم المواقف الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في تقتيل أطفال فلسطين.الشاهد الصارخ على هذه الحال هو الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، الذي يزور المنطقة هذه الأيام والذي لم يتردد في وصف الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بالتصرف الإجرامي والعمل الوحشي، كما تجاوز كل التحذيرات والتهديدات الإسرائيلية وأقدم على عقد لقاءات مع أهم مسؤولي حركة حماس الفلسطينية الموصوفة بالإرهاب من طرف البيت الأبيض والدول الغربية الموالية له. بل إن الرئيس كارتر قام بإعطاء تشخيص دقيق للوضع المزري للفلسطينيين جراء الحصار الإسرائيلي، لا تدركه حتى السلطة الفلسطينية العميلة نفسها، ولا يدركه المتاجرون بالقضية الفلسطينية من دول الجوار، عندما قال بأن الفلسطينيين في غزة يموتون جوعا ويحصلون على أقل مما يحصل الجائعون في أكثر مناطق العالم مجاعة، وهذا - كما قال - لا لشيء إلا لمعاقبة البشر، معتبرا ذلك من أكبر الجرائم الإنسانية. يجري هذا في الوقت الذي تقوم بعض الدول العربية المسماة بالمؤثرة أو الفاعلة في المنطقة، بالدعم المباشر وغير المباشر، المادي والمعنوي لهذه السياسة الإسرائيلية الوحشية التي لم يتردد الرئيس كارتر في شجبها ووصفها بالجريمة البشعة، وذلك مثل ما تفعله السلطات المصرية، رغم الحصار على غزة عبر الحدود وما تفعله السلطات الأردنية وما تفعله السلطات السعودية سياسيا من أجل الضغط على حماس لدفعها إلى الاستقالة والاستسلام في سبيل مبادرة عربية للسلام مع إسرائيل، قال عنها اليهودي أولمرت عند إعلانها إنها "لا تساوي حتى الحبر الذي كتبت به"، وهذا زيادة عن سياسة العمالة والطعن في ظهر الشعب الفلسطيني وقواه الثورية التي تمارسها السلطة الفلسطينية العميلة بقيادة محمود عباس وبعض من أجنحة فتح.فهل الشرعية السياسية التي تستمدها السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية الأخرى من الدفاع عن المصالح الإسرائيلية يمكن أن تبرر لوحدها هذه المواقف المخزية مما يتعرض له الشعب الفلسطيني بأطفاله ونسائه ورجاله من تقتيل على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية، أم أن هناك مؤامرة أوسع على أمة من 300 مليون نسمة من أجل تسخيرها لخدمة حاخامات اليهود ؟!