هناك إفراط كبير في وسائل الإعلام العالمية والعربية في قضية الرهان على مستقبل التوتر الأمريكي الإسرائيلي، حتى الإعلام الإسرائيلي حاول أن يصور هذا التوتر بالحالة الخطيرة التي لم يسبق لها مثيل منذ العدوان الإسرائيلي على مصر في سنة ,1956 واعتبرت صحيفة معاريف الإسرائيلية الأزمة بين إدارة أوباما وحكومة بنيامين نتانياهو بالأخطر منذ عقود كما اعتبرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل ستواجه إنذار أمريكي خطير بعدما قامت ببصق في وجه حليفها الرئيسي. والواقع أن حكومة نتانياهو استطاعت أن تهزم الدبلوماسية الأمريكية التي يراهن عليها العرب لتسوية قضاياهم العربية، وأن تبصق على وجههم ووجه نائب الرئيس الأمريكي كما علقت على ذلك الصحيفة الإسرائيلية يديعوت أحرونوت، ففي الوقت الذي نزل جوزيف بايدن في مطار بن غوريون كانت إسرائيل تعلن عن بناء 1600 مستوطنة جديدة في القدسالشرقية، وهو القرار الذي اعتبرته إدارة أوباما بالسلوك الذي يهين الدبلوماسية الأمريكية التي راهنت بدورها على التودد للعالم الإسلامي من القاهرة إلى أنقرة ومن غانا إلى اندونيسيا، فلم يجد أوباما أي تفسير لهذا القرار الإسرائيلي الذي دعمته منظمة الإيباك في نيويورك عندما استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو ليؤكد من جديد لأوباما بأن القدس ستبقى العاصمة الأبدية لإسرائيل وأن المستوطنات هي حق شرعي لليهود والدولة اليهودية، وليعلن بصوت عال دوي صداه في البيت الأبيض بأن سياسة نتانياهو هي استمرار للحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت على دولة إسرائيل منذ 1967 تاريخ احتلال القدسالشرقية وإلحاقها بدولة الاحتلال. ولم يخف نتانياهو فحوى الرسالة التي أبلغها لإدارة أوباما ومفادها أن البناء في القدس هو تماما كالبناء في تل أبيب، ويكون نتانياهو بذلك قد نسف أي أمل لمشروع أوباما لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط حتى من باب الدخول عبر مفاوضات غير مباشرة، وهو ما سوف يزيد في إحراج إدارة أوباما في القضايا المترابطة في الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان إلى العراق ووصولا إلى إيران وباكستان، لأن القيادة العسكرية الأمريكية الغارقة في مستنقعات هيلمند وبغداد تدرك أن مستقبل إنهاء هذه الحروب والأزمات مرتبط بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية، وهو الإدراك الذي عبر عنه ديفيد باتريوس قائد القيادة العسكرية الوسطى عندما قدم تقريره لأوباما يخطره فيه بضرورة تحريك عملية التسوية على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية للتقليل من حدة الأزمات المتورط فيها الجيش الأمريكي. حاول أوباما أن يتحرك بناء على نصائح قادته العسكريين والدبلوماسيين لكن الآلة الدعائية الصهيونية حاولت أن تضغط بوسائلها التقليدية على أوباما لمنعه من أي تصريح أو سلوك قد يمنع التوسع الإسرائيلي في القدس، ومن بين الضغوطات استخدام تهمة معاداة السامية، حيث وصف صهر نتانياهو هاغاي بن آرتيزي أوباما بمعاداة السامية وصرح لإذاعة إسرائيلية يقول بأن أوباما يكره شعب إسرائيل كما يكره رئيس الوزراء، وذكر بن آرتيزي اليهود بأن أوباما كان يجالس القس جيرميه رايت المعادي للسامية والمعادي لإسرائيل والمعادي لليهودية طيلة عشرين عاما، وهو ما جعله يردد بأن إسرائيل تواجه أكبر عدو لها في البيت الأبيض. اعتقد أن مستقبل التوتر الإسرائيلي الأمريكي لا يخرج عن سيناريو المليارات العشر التي حاولت إدارة بوش الأب تأخيرها حتى تؤجل حكومة شامير بناء المستوطنات لليهود السوفييت المهجرين بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ويروي وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر القصة كاملة في كتابه الدبلوماسية كيف استطاع اللوبي عبر الإيباك أن يضغط على الرئيس في الكونغرس بالتأثير على جورج ميتشل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ وتوم فولي رئيس مجلس النواب، وتوعد الإيباك أعضاء الكونغرس في حالة تصويتهم لصالح تأجيل القروض الممنوحة لإسرائيل بأنهم أعداء لإسرائيل، وهي الصورة ذاتها التي وقف فيها 296 نائب من الكونغرس الأمريكي في مؤتمر الإيباك وهم يستمعون لخطاب نتانياهو قبل لقاءه بأوباما، وهو يصفقون على أمن إسرائيل ودعمهم اللامحدود لحكومة نتانياهو، ويجب أن ننتبه هنا أن إدارة بوش الأب كما ذكر جيمس بيكر كانت قد قدمت الكثير من المكاسب لإسرائيل ورغم ذلك فإنها لم تشفع لبوش الأب أن يؤخر فقط القروض، ويمكن أن نعيد ترتيب تلك المكاسب التي أنجزتها تلك الإدارة لإسرائيل كما عددها بيكر، فما بيم 1989 وسنة 1992 قدمت إدارة بوش الأب خمسة إسهامات مهمة لأمن إسرائيل تفوق كل إنجازات الإدارات السابقة، أولى تلك المكاسب تمويل واشنطن للهجرات اليهودية من الاتحاد السوفيتي وسوريا وإثيوبيا، وساهمت في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل و44 دولة في العالم من بينها الاتحاد السوفيتي، إلغاء قرار الجمعية العامة لسنة 1975 الذي يدمغ الصهيونية بالعنصرية، كما أن قرار واشنطن لطرد العراق من الكويت ومحاصرته هو خدمة إستراتيجية لإسرائيل، وأخيرا كما يذكر جيمس بيكر أن واشنطن استطاعت أن تحقق أهم إنجاز سعت إليه إسرائيل منذ وجودها وهو إجراء مفاوضات مباشرة مع العرب واستطاعت أن تبرم اتفاقية السلام مع الأردن. رغم هذه الإنجازات الكبرى التي حققتها إدارة بوش الأب لإسرائيل فإن اللوبي والإيباك جند الكونغرس ضد الرئيس ولم يستطع الفوز بعهدة رئاسية ثانية، والآن في واشنطن الكثير من الساسة والعسكريين يدركون بأن تورط الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق كان بسبب اللوبي اليهودي الذي دفع إدارة بوش الابن لاحتلال العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل وارتباط صدام حسين بتنظيم القاعدة، مع أن التقارير الأمنية التي بدأت تتوسع في الغرب توحي بأن أيادي الموساد لم تكن بعيدة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أعطت التبرير لعداء العالم الإسلامي من العراق إلى أفغانستان، كما لم تكن أيادي الموساد بعيدة عن اغتيال محمود المبحوح في دبي وباستخدام جوازات سفر أمريكية وبريطانية وفرنسية وأسترالية، وهي الدول التي تعتمد عليها إسرائيل لضرب العالم الإسلامي، وبعد ذلك فمن يجرؤ في واشنطن على مصارحة إسرائيل بأنها لم تعد الولاية رقم 51 التي تفرض شروطها على كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولا زلت أصر بأن الاختبار الحقيقي لأوباما في علاقته بالعالم الإسلامي أن يؤجل فقط منح ثلاث مليارات دولار التي تأخذها إسرائيل سنويا من دافعي الضرائب الأمريكيين إن لم يكن للضغط على حكومة نتانياهو لوقف الاستيطان فإنه يمكن أن يتحجج بالأزمة المالية التي أرهقت كاهل المواطن الأمريكي، فهل يجرؤ أوباما على ذلك هذا هو السؤال الجوهري أما غير ذلك فهي خطابات لا نريد سماعها بعدما حفظنا كل ما ردده أوباما في القاهرةوأنقرة وغانا وإندونيسيا.