هذه ليست نهاية الرأسمالية... ولا يمكن حتى اتهام اقتصاد السوق... "وهل الأمر يتعلق فقط بانتقام الدولة من السوق، والتنظيم من الفوضى وأوربا من الولاياتالمتحدة"، كما جاء في جريدة لوموند الفرنسية في عددها الصادر في 13 نوفمبر الجاري الإجابة هي العكس تماما: فالأسواق هي التي رهنت الدول، فخضعت الحكومات: 2500 مليار دولار ضُخت في النظام البنكي في سبيل إنقاذ "بنوك من دون حصيلة". هذه الملاحظات تعكس السياق الذي اجتمعت فيه مجموعة العشرين من أجل وضع حد للأزمة المالية والاقتصادية الكبيرة التي هزت الرأسمالية العالمية، وكان الأمر بالنسبة إلى الدول المجتمعة عن طريق جورج بوش واضحا: الازدهار هو السوق! والفلاح في الرأسمالية!وكان اجتماع مجموعة العشرين في الخامس عشر من الشهر الجاري لهدفين: 1. إيجاد استراتيجية فعالة لأزمة الرأسمالية. 2. إصلاح النظام النقدي الدولي بشكل يعيد تحديد خطوط مالية شاملة أخطأت كثيرا. إن العالم يعيش اليوم أزمة كبيرة تهدد النظام المالي والاقتصاد، فالعولمة جعلت الاقتصاديات مرتبطة ببعضها البعض، وأصبحت الأزمة عالمية والأجوبة يجب أن تكون عالمية أيضا. كما يجب التفكير في سياسات الاقتصاد الشمولي على صعيد عالمي، وهو الهدف من اجتماع مجموعة العشرين. وسيكون كل من الانحسار وحجمه ومدته مرتبطا بقدرة البلدان على التعاون لحل الأزمة. وقررت مجموعة العشرين مخططات إنعاش ستتحكم فيها بالتأكيد أوليات وطنية، يُستحدث تنفيذها حتى تعطي أكبر قدر ممكن من النتائج في أقصر الآجال. الولاياتالمتحدة تحركت وأعلن رئيسها الجديد باراك أوباما عن مجهودات كبيرة لإنعاش الميزانية حتى أنها كانت أولوية بالنسبة إليه. القرار الثاني الذي اتُّخذ يتعلق بإصلاح نظام بريتون وودس. ونذكّر هنا بأن نظام النقد العالمي رأى الضوء في بروتون وودس عام 1944 كبديل لنظام عيار الذهب، فكان لابد من نظام أكثر مرونة لكنه يحافظ في الوقت ذاته على الاستقرار النقدي والمالي العالمي. الدولار اكتسب صفة النقد الاحتياطي الدولي وقُدرت قيمته بالذهب (35 دولارا = أوقية ذهب). ومنذ تلك الفترة بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش فوق إمكاناتها وتضخمت ديونها بشكل كبير. ودون أن ندخل في تفاصيل تقنية، تضاعف حجم الاختلالات المالية: عجز، تضاعف المديونية، سلوك المضاربات... فأضحى نظام بريتون وودس، الذي كان يبدو أنه الأصلح، محل شك واتهام، ومسألة إصلاح النظام النقدي الدولي أكثر من أولية. وفي هذا السياق، قررت مجموعة العشرين »دعم دور المجلس المالي لصندوق النقد الدولي من خلال آلية كشف مالية قادرة على اكتشاف نقاط الضعف في الأنظمة المالية الوطنية وعلى إيجاد حل لها قبل أن تتسبب في أزمات«. كما تقررت »ضرورة دعم تمثيل الاقتصاديات النامية ومساهمتها في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي«. لكن الموضوع الأهمّ الذي لم تقدم بشأنه مجموعة العشرين أي اقتراح يتعلق بإصلاح الرأسمالية العالمية، أو كما يطلق عليه البعض »إعادة بناء الرأسمالية«. فهل سيتم التوجه نحو ما تمناه ساركوزي: إعادة الاعتبار للرأسمالية المؤسِسة الجيدة ومواجهة الرأسمالية المالية و»تمويل« الاقتصاد. وهنا، لا تريد الولاياتالمتحدةالأمريكية التشكيك في هذا الأخير، لأنه هنا تحقق أرباحها في مواجهة الاقتصاديات الأسيوية الأكثر إنتاجا وتنافسية. »إن الولاياتالمتحدة المتهمة بإخراج المالية من قارورتها ليست مستعدة لإدخالها إليها من خلال ضربات تدابير تنظيمية (Crédit Agricole-Eco news العدد 116، 14 نوفمبر 2008). ومن جهتهم الأوروبيون حددوا أهدافهم ودعوا إلى تنظيم مالي مدعم حسب المحاور الكبيرة التالية: * توسيع المراقبة التنظيمية على جميع الفاعلين في المالية. * اعتماد قانون سير يهدف إلى تجنب المغامرات الكبيرة في القطاع المالي. * تجانس قواعد المحاسبة. * اضطلاع صندوق النقد الدولي بدور رئيسي، باعتباره هيئة عالمية لحكم الاقتصاد الشامل. وأخيرا، على الدول النامية، ضحايا عولمة اقتصادية ومالية بعيدة عن المراقبة، أن تشارك في النقاشات وتحسن تقييم أوزانها الاقتصادية النامية. ترجمة: إيمان بن محمد