قال السيد بوعبد الله غلام الله إن المساجد لن تتدخل في اختيار المواطنين خلال الرئاسيات المقبلة التي ستجرى في 9 أفريل القادم، حرصا منها على اتخاذ موقف محايد وعدم مساندة أي مرشح على حساب الآخرين. وأكد وزير الشؤون الدينية أن الأئمة سيكتفون بالدعوة للمشاركة في الانتخابات، والتصويت لأي مرشح يريدون، دون أن يفضلوا هذا المرشح على ذاك. وهذا ما سيضمن حسب الوزير الحرية الكاملة للمواطن في منح صوته لمن أراد، كما يسمح للمسجد أن يقوم بدوره في تطرية الحس المدني والمواطنة. * هذا الكلام الصادر عن الوزير يظهر وكأنه عادل ومتوازن، لا يفضل أحد المرشحين على الآخرين، بل أنه يجعل كل المرشحين في نفس الصف ويتعامل معهم بالتساوي. ويكون هذا الموقف، بدون شك، مقبولا وجديرا بالاحترام لو كانت الجزائر بلدا عاديا ينظم انتخابات عادية في ظروف عادية. لكن الأمر يختلف جذريا. * فالقضية الأساسية في انتخابات 9 أفريل القادم لا تتعلق بالشخصية التي ستفوز بالانتخابات، ولا حتى بالنتيجة التي تحققها. ويجمع الجزائريون ومتتبعو السياسة في العالم كله، أن إعادة انتخاب السيد عبد العزيز بوتفليقة لا تشكل إلا نقطة شكلية لا أهمية لها. عكس ذلك، فإن الموقف السياسي الذي يحمل معنًى هو ذاك المتعلق بالمقاطعة، كما أن التحدي الحقيقي للسلطة سيتعلق أولا بمدى مشاركة الجزائريين في الانتخابات ليكون لها حد أدنى من المصداقية أو لا. وبطبيعة الحال، فإن المساجد التي تدعو إلى المشاركة ستلعب دورا، مهما كان، في ارتفاع نسبة المشاركة، كما أن الأئمة سيعارضون التيارات السياسية التي ربما ستدعو إلى المقاطعة. * وتركز تيارات سياسية كثيرة تحاليلها على فكرة أساسية، وهي الهوة التي تفصل الشعب عن السلطة. وأكدت الانتخابات السابقة أن هذه الهوة تزداد اتساعا من موعد إلى موعد، وأن السلطة لا تحصل إلا على مشاركة جزء ضئيل جدا من الجزائريين. لكن دخول الأئمة في حملة لصالح المشاركة سيغير الصورة الحقيقية لعلاقة الجزائريين بمؤسساتهم. * ويتضح في نهاية المطاف، أن السيد غلام الله أعطى دورا أساسيا للأئمة وللمساجد في الانتخابات المقبلة، أي أنه أقحمها بقوة في اللعبة السياسية. وكل إمام يدعو إلى المشاركة في الانتخابات، سيتحمل مسئولية سياسية يمكن لأي إمام آخر أن يعارضها ويتخذ موقفا معاكسا. وحتى لو اكتفى الأئمة بموقف رسمي معتدل يتمثل في الاكتفاء بالتوصيات الرسمية دون مزايدة، فإن موقفهم سيؤثر على المواطنين. * وبهذا التصرف، لا يختلف السيد غلام الله عن الوزراء الذين سبقوه في نفس المنصب، وحاولوا استغلال المسجد واستعماله من أجل الدفاع عن مصالحهم السياسية. بل يكتفي الوزير بالتعامل مع المسجد وفق تقليد قديم يتمثل في فرض رأي السلطة على المسجد، ليجعل منه منبرا من منابر الدعاية السياسية. وفي ماض قريب حاول »الفيس« قلب هذه القاعدة، واستولى على المساجد وجعل منها منبرا لفرض هيمنته السياسية والفكرية، وكانت النتيجة ما عرفنا. لكن لا الفيس ولا الوزير يستخلصان العبرة من هذه التجارب المريرة... * وإلى جانب المساجد، لاحظ المواطنون اتخاذ مواقف مماثلة من طرف مؤسسات أخرى، كانت تنادي من أجل عهدة ثالثة أو من أجل تغيير الدستور، وهي اليوم تدخل الصف لتساند السيد عبد العزيز بوتفليقة. ويمكن أن نذكر منها الزوايا والكشافة وغيرها. ويشكل موقف هذه المؤسسات انحرافا، ومن يقبل مساندتها يزكي هذا الانحراف، لأن الزوايا ملك للجميع، كما أن الكشافة ملك للجميع، لكن العديد من المواطنين لا يريدون اليوم أن يتركوا أبناءهم ينضمون إلى صفوف الكشافة لأنهم يرفضون تجنيدهم واستعمالهم في قضايا لا علاقة لها بسنهم وهوايتهم والأهداف الأصلية للكشافة. * ويبقى على المواطنين أن يختاروا مساجدهم وزواياهم، ويصلي كل واحد في المسجد الذي يساند حزبه، لتظهر في البلاد مساجد الفيس ومساجد الأفالان وأخرى للأرندي. وإذا كان في القرية مسجد واحد يجب أن يقتسمه الأئمة ليصلي الظهر إمام الأفالان والعصر إمام حماس ويقيم الليل إمام الفيس. وفي هذه الحالة، سيتضح أن الصلاة وراء الأفافاس أخشع والأكل على مائدة الأرندي أدسم.