تعتبر جماعة الشيخ نحناح (الإخوان) أنّ أحداث أكتوبر ومضاعفاتها التي لم يُحتكم فيها لا للعقل ولا للضمير، هي أحداث غير مرضية لا من حيث الهدف ولا من حيث الوسيلة، حيث أنّ أسلوب النهب والسطو كان عنوانا بارزا تصدر الأحداث، ولغة القمع والإرهاب وإزهاق الأرواح البريئة كانت المسيطرة في الساحة مما أحدث في النفوس جروحا يصعب التئامها. * الظهور العلني لجماعة الجزأرة ببيانات موقعة باسم سحنون * موقف جماعة الشيخ نحناح: * والمتحمّل لما حدث في الدرجة الأولى أولئك الذين أدخلوا البلاد في نفق مظلم وطريق مسدود بسبب الأنظمة المتردية والمتمثلة في: * - الفساد السياسي الذي أدّى إلى صراع داخلي في وسط الجهاز الحاكم. * - تفشي البرجوازية العسكرية التي استحوذت على أجود الأراضي وأحسن الممتلكات من مؤسسات ومراكز تجارية وعقارات ووزعت على ذوي الرتب العالية من الضباط المقربين. * - انتشار المحسوبية في أوساط الهيئة التشريعية التنفيذية. * - عدم الوضوح في القرارات والتعليمات التي تركت المسؤولين على مستوى صنع القرارات وما دونه يمططون البنود ويفصلون القوانين على حسب مقاساتهم. * - استعمال الجهوية المقياس الأساسي والوحيد في توزيع المناصب الحساسة في الجيش والدولة ووضع العرقية حصنا لاحتكارها. * - وضع مخططات محكمة لنشر الفساد وتدعيمه عن طريق المركبات المختلفة ووسائل الإعلام المتنوعة. * - الإمعان في إفساد المنظومة التربوية شكلا ومضمونا وتجريدها من أصالتها الإسلامية مع إخضاعها لعملية التغريب. * - انتشار البطالة وافتعال الأزمات الاقتصادية وتجريد المواطن من أبسط حقوقه وحرمانه من حرية التعبير. * - وضع المواطن تحت حالة اضطراب نفسي مستمر نتيجة الفقدان المفاجئ المخطط لاحتياجاته اليومية. * - الارتفاع المستمر المباغت للأسعار مع تدنّي المداخيل وبقاء الأجور على حالها. * لهذا فإنّ الجماعة يضيف البيان تؤكد من جديد رفضها القاطع لهذه السياسة المتعفنة التي أدّت إلى ما ذُكر. * كما تستنكر الجماعة بشدّة الإجراءات القمعية التي تتجاوز حدود العقل والضمير حيث تصبح لغة القوة هي السائدة (ونحن نؤمن تؤكّد الجماعة من خلال بيانها بأنّ العنف لا يولّد إلاّ العنف) وانطلاقا من الثوابت التي تُعتَبر معالم أساسية للجماعة: * - عدم الدخول في معارك خطّط لها غيرنا. * - عدم التورط في قضايا أهدافها ووسائلها غير شرعية. * - رفض المواقف الفردية والارتجالية الخاضعة لطفرات عاطفية غير مدروسة(1). * موقف الشيخ سحنون وجماعة الجزأرة: * كانت كلّ بيانات الجزأرة تحمل توقيع الشيخ أحمد سحنون، رحمه الله، وذلك لثقل وزنه التاريخي، وشبه الإجماع الذي يحققه لدى الفصائل المختلفة للحركة الإسلامية. * صدر لهم أوّل بيان يوم الخميس 06 أكتوبر 1988 وكان يحمل إمضاء الشيخ أحمد سحنون رحمه الله، اعتبر البيان أنّ الأحداث الجارية في الساحة ليست مجرد طفرة أو وليدة رد فعل انتهازي فقط، بل تجد دوافعها وأسبابها من الوضع العام المتردّي بسبب سياسة الترف والمباهاة والتبذير المتبعة على حساب المصالح العليا للشعب... * ويشير البيان الأوّل بأنّ الإصلاح الدين النصيحة لا يَكْمُنُ في القمع وإسكات أصوات المتألمين من الجوع والعري والضيق الخانق، وإنّما الحل يكمن في مراجعة النفس بصدق، ومواجهة الحقيقة بإجراء عملي يمليه الشعور بالمسؤولية أمام الله ثمّ التاريخ، وهو العودة إلى الإسلام منهاجا بعدما فشلت النظم الوضعية المخربة، لنكون منطقيين مع ما عاهدنا الله عليه وسجل في الدستور (دين الدولة الإسلام)، إنّ هذه العبارة لا تجد محتواها العملي إلاّ في تطبيق الإسلام بإعطائه أبعاده العملية: »الشورى الصادقة في الحكم، والعدالة في توزيع خيرات البلاد على فئات الشعب، وتحقيق الكفاية مع الضروريات لكلّ فرد، والمساواة أمام القانون، والطهارة في الأخلاق، والأمن على كلّ المقدسات من دين وعرض ونفس ومال، والحرية في التفكير والتعبير«، ويواصل البيان مؤكدّا »وبقدر ما نقف إلى جانب الشعب في مطالبه المشروعة من حدّ أدنى للعيش الكريم لشعب هو جزء من خير أمّة له رسالة، يتطلّع على غدٍ مشرق في ظلّ الإسلام، فإنّنا ندين كلّ عمل تخريبي لممتلكات الشعب سواء عن طريق أعمال غير مسؤولة من حرق وتخريب ونهب... ونهيب الصادقين في دينهم أن لا يدمّروا اقتصاد هذا الشعب المسلم، لأنّ التخريب الاقتصادي يزيد من المديونية والتبعية للدول الغنية التي تفرض نفوذها وتملي شروطها«. * وفي يوم 10 أكتوبر 1988 وبعد النداء الذي وجهه الشيخ علي بن حاج بشأن المسيرة التي وقع فيها الكثير من الضحايا، يعلن الشيخ أحمد سحنون رحمه الله من مسجد أسامة بن زيد عن البيان الثاني فيقول: أمام تطور الأحداث الأخيرة التي سالت خلالها دماء زكية وخربت ديار ونهبت أموال فإنّني ومجموع الدعاة لزاما علينا أن نخرق جدار الصمت لنقول للأمّة ما يلي: * 1 إنّ قرار المسيرة المرتجل الذي لم يقدر العواقب التي تعود على الدعوة الإسلامية عامة، لم يؤخذ فيه برأي مجموع المهتمين بالدعوة الإسلامية والذين تثق فيهم الأمّة. * 2 إنّ هذه المسيرة ينبغي أن تتوقف اليوم فوراً، ومن تمادى في تنفيذ قرار اتخذه فرد بصفة انفرادية فقد خرق إجماع الأمّة والدعاة ويتحمّل العواقب الناجمة عن ذلك أمام الله ثمّ الأمة. * 3 نهيب بأبنائنا وإخواننا أن يلتزموا الهدوء وضبط النفس في هذا الظرف العصيب، والخير كلّ الخير في السير في موكب الأمة، يقول الرسول: »يد الله مع الجماعة«. * وفي نفس اليوم يتوجه الشيخ أحمد سحنون برسالة إلى رئيس الجمهورية يقول فيها: »ما وددت أن يطول عمري حتى أرى حماة الوطن يقتلون أبناء الوطن، لقد انتقلت إلى حيّ سيدي امحمد لإعادة الطمأنينة إلى نفوس شباب يحبون دينهم ووطنهم، فتفرقوا مقتنعين إلى بيوتهم في تمام الهدوء والنظام، اعترضت سبيلهم قوات الجيش وهم عائدون إلى منازلهم فسقط قتلى وجرحى، إنكم سيدي الرئيس مسؤولون على حماية الأرواح، لذا نرجوا أن تحقّقوا في المسؤولية عن هذه المجزرة، لأنّ مثل هذه الأعمال لا تخدم رغبة الجميع في عودة النظام ولا مصلحة الوطن، إنّ الله سائلكم عن كلّ قطرة دم تسيل، فأوقفوا النزيف«(2). * مرحلة تغيير الدستور: * هذا... وبعد هذه الأحداث بحوالي شهر أجرت الجزائر في يوم 03 نوفمبر 1988 استفتاء عامًّا حول المراجعة الدستورية، ومن هذه النقطة بدأ الإصلاح السياسي الجذري في البلاد وهذا سعيا لدمقرطة الحياة الوطنية، عندها صدر الدستور الجديد لعام 1989 بموجب المرسوم رقم 89 - 18 المؤرّخ في 28 فيفري 1989 والمتضمن تعديل الدستور والمصوت عليه في استفتاء عام يوم 27 فيفري 1989 (3)، فصوتّ الشعب الجزائري لصالح الدستور الذي أقرّ مبدأ التعددية السياسية والإعلامية، وجاء في هذا الدستور في قانون الأحزاب الجديد ما يلي: * - يجب على كلّ حزب أن يسعى للحفاظ على الاستقلال الوطني والوحدة الوطنية والنظام الجمهوري والقيم العربية والإسلامية والامتناع عن الممارسات الطائفية المخالفة للسلوك الجزائري، كما لا يسمح لأفراد الجيش الانخراط في العمل الحزبي، ويجب استخدام اللغة العربية في الممارسات الرسمية للحزب. * - أن يكون العضو المؤسس للحزب لم يسبق له سلوك مضاد لثورة التحرير الوطني، وأن يكون مقيما بالتراب الوطني. * - لا يتجاوز حجم تبرعات الحزب في مجموعها 20 في المائة من حجم اشتراكات الأعضاء. * - وزير الداخلية له الحق في استصدار أمر قضائي بوقف نشاطات الحزب وإغلاق مقاره وذلك إذا خرق الحزب المواد الدستورية وقوانين الجمهورية. * وبعد هذه التغييرات الجذرية بدأت الأحزاب الجزائرية بالتشكّل ومنها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحركة المجتمع الإسلامي (حماس) وحركة النهضة الإسلامية، وقد تكاثرت هذه الأحزاب بشكل مدهش حتى بلغت ستين حزبا. *
* الفصل الثاني * 7 رابطة الدعوة الإسلامية: * وبعد هذه الأحداث التي ذكرناها انطلقت مبادرات كثيرة من شيوخ الحركة الإسلامية لجمعها تحت تنظيم واحد وهو تنظيم (رابطة الدعوة الإسلامية) تحت إشراف الشيخ أحمد سحنون رحمه الله تعالى. * تم تأسيس (رابطة الدعوة) يوم 17 فيفري 1989م برئاسة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله وذلك لأنه أكبر الأعضاء سناًّ حيث كان عمره 82 عاماً وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة كلّ من الشيوخ محفوظ نحناح رحمه الله، وعباسي مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بن حاج، ومحمد السعيد رحمه الله. * أهداف الرابطة: * ومن أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلي: * 1 - العمل على التمكين للإسلام ونظامه. * 2 - الحفاظ على وحدة الأمة ومقوماتها. * 3 - تذكير الشعب الجزائري المسلم برسالته وتعميق اقتناعه بكون الحل الإسلامي فريضة شرعية وضرورة حضارية. * 4 - العمل على تقريب الرؤى وتوحيد الجهود والمواقف العامة بين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية. * 5 - تحقيق مبدإ الاجتهاد الجماعي في النوازل وتوحيد الفتوى في القضايا العامة. * 6 - إصلاح الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وتصحيح العبادات ودعم رسالة المسجد. * 7 - العمل على ترسيم وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. * 8 - الاهتمام بقضايا الأمّة والسعي لحلّها. * 9 - العمل على إخراج الأمة من التخلف والتبعية في كلّ نواحي الحياة وتغطية الاحتياج من الكفاءات في مختلف التخصصات. * 10 - صياغة مشروع حضاري متكامل. * 11 - ترشيد العمل السياسي وحمايته من الانحراف في الوسائل والغايات. * 12 - ترشيد السياسة التربوية والثقافية والإعلامية وفق مقاصد الشريعة الإسلامية. * 13 - كشف مخططات التآمر على الأمة ودينها والتصدي لحملات التغريب والتنصير والأفكار العلمانية. * 14 - مناصرة القضايا العادلة في العالم، والإسلامية خصوصا وبذل الوسع لاسترجاع فلسطين. * 15 - التعاون مع الجمعيات فيما لا يتعارض مع أهداف الرابطة وتبادل الخبرات والتناصح بينها وبين العاملين في الحقل الإسلامي. * وبعد بحث طويل عن سُبُلِ وكيفية تجسيد هذه الأهداف ميدانيا وإعطائها بعدها العملي، تمّ تشكيل المكتب التأسيسي وذلك في حفل حاشد بمسجد أسامة بن زيد بالعاصمة في شهر ربيع الأوّل 1410ه الموافق ل: أكتوبر 1989م((4. * هذا... وكان أوّل نشاط كبير قامت به رابطة الدعوة الإسلامية هو دعوتها النساء إلى الخروج في تجمع الذي كان البداية الحقيقية لما سمي فيما بعد بمعركة المسيرات، ووجهت الرابطة دعوتها إلى الأمّة الجزائرية، مشيرة في بداية ندائها إلى أنّ »المتأمّل في الواقع الجزائري خصوصا والعالمي عموما، يجد أن الهجمة على الإسلام والمسلمين قد ازدادت حدّتها، وإنّ التركيز على المرأة والسعي في إفسادها من خلال القوانين والإجراءات الإدارية المجحفة بالمرأة المسلمة والمتاجرة بعرضها والتعريض بقانون الأسرة وما إلى ذلك من المسائل الحساسة من قضايا المرأة والأمة قد أضحى ظاهرة بارزة اليوم، وعلى هذا الأساس كانت دعوة الرابطة لكلّ غيور على دينه ووطنه وَوَفِيٌّ لثوابت أمته ومحبّ لمستقبلها المشرف أن يسجّل حضوره من التاريخ والمكان المذكورين (الخميس 21 ديسمبر 1989، أمام مقر المجلس الشعبي الوطني) بزوجته أو ابنته أو أخته أو أمّه، وذلك تعبيرا عن رفض المرأة الجزائرية المسلمة لكلّ ما يمسّ كرامتها وشخصيتها وجاءت هذه الدعوة إلى التجمع ردّا على المسيرات النسوية، ومسيرات »الرايس« تجمع الفنانين والمثقفين والعلميين التي دعت إلى إلغاء قانون الأسرة وتعميق الحريات الديمقراطية«(5). * ضمّ هذا التجمّع التاريخي في حياة المسيرات الجزائرية مئات الآلاف من المشارِكات والمشاركين، والذي اعتبرته مجلّة التذكير الصادرة عن مسجد جامعة الجزائر بأنّه »حَلَقَة في مسلسل الجهاد والبطولات يصنعها الشعب الجزائري إلى ديوان مآثره، التي رفع بها جبين الأمّة الإسلامية عاليا حين جدّد في المسلمين روح الجهاد والشوق إلى الاستشهاد..«. * ورأى فيه رئيس الرابطة الشيخ أحمد سحنون »أنّه سيبقى منقوشا في تاريخ بلادنا... فالإسلام دين أكرم المرأة وأعزّها مانحا إيّاها نفس الحقوق التي منحها الرجل... في الإسلام لا يوجد ما يسمى بقضية المرأة إذ هي تكمل الرجل كما يكملها«(6). * وطالب الشيخ في كلمته هذه، المرأة التي جاءت رفقة وليّها ملبية نداء الدعوة، أن »تَطِبْ نفسها وتقرّ عينها وتنعم بالاً، لأنّها أشرف النساء... جعل الله الإسلام دينها ومحمد (ص) نبيها ونساءه قدوة لها وميّزها بين السوافر بالحجاب الساتر وجعل البيت مملكتها والأبناء جندها والزوج شرفها وجعلها سكينة البيت ومتعة النفس وزينة الحياة ومربية الأجيال وصانعة الرجال فلا تحقري نفسك ولا تجهلي قدرك ولا تقلدي غيرك فأنت أعظم من غيرك، لك الماضي المشرف الصفحات بالأمجاد والكمالات وهو الذي يفرض عليك أن تسيري على ضوئه وتتخذيه قوّتك وتباهي به نساء العالم أجمع، وإنّي أعيذك أن تقعي في الفخ المنصوب لك وأنت المؤمنة الكيّسة لا تتركي الجاهلية الرعناء تعود على مجتمعك الطاهر بعد أن أكرمه الله بالإسلام وأحلّه به أرفع مقام«(7). * * 1 الإسلاميون الجزائريون بين السلطة والرصاص ص266 267. * 2 أنظر هذا البيان وغيره في كتاب الإسلاميون الجزائريون بين السلطة والرصاص ص 268 269. * 3 النظام الدستوري الجزائري للأستاذ العيفا أويحي ص 126 طبعة دار العثمانية (الجزائر) الطبعة الثانية 1425 - 2004. * 4 مجلة الإرشاد العدد الأوّل جمادى الثانية 1410ه جانفي 1990م ص6. * 5 مجلة الإرشاد العدد الأوّل جمادى الثانية 1410ه جانفي 1990م ص6. * 6 كتاب الجزائريون الإسلاميون بين السلطة والرصاص لاحميدة عياشي ص32. * 7 نفس المرجع ص33.