تصوير مكتب الشروق بتبسة إلى أقصى الحدود الشرقية، وعلى بعد 130 كلم جنوب شرق مدينة تبسة وأكثر من 40 كلم شمالا من مدينة بئر العاتر، وصلت "الشروق اليومي" إلى منطقة عائشة أم الشويشة، حيث عشرات التونسيين الفارين من قرية أم لقصاب معتمدية أم العرائس ولاية قفصةالتونسية. وصلنا إلى الشريط الحدودي وبالتحديد عند المعلم الحدودي (رقم 249/01) أول أمس الخميس عند منتصف النهار. أول ما لفت انتباهنا، رجال الحرس الجزائري التابعين لسرية (بالقلتية)، منتشرين على كامل المنطقة فوق الأراضي الجزائرية عبر الجهة المقابلة وعلى مسافة 200 متر تقريبا، وجدنا الحرس التونسي بالشاحنات والسيارات، يتجاوز عددهم 15 سيارة وشاحنة، وبين الحرسين حوالي 50 تونسيا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، البعض منهم نياما في شعاب تابعة للوادي الكبير الفاصل بين الجزائروتونس، فيما فضل آخرون الإتكاء على بعضهم البعض. مظهرهم وألبستهم وحتى ملامح وجوههم تؤكد فعلا عن مأساة إنسانية، حيث أكدوا وبأصوات خافتة أنهم لم يتناولوا القوت منذ يوم الأربعاء الفارط، لأنهم دخلوا في إضراب عن الطعام إحتجاجا على أوضاعهم الاجتماعية التي وصلت إلى وضع متدهور كما قال (شكري، محمد، يونس، بوزيان وغيرهم).. الكل أراد أن يتكلم عن معاناته المتعدّدة الأشكال والأنواع التي دفعت بهم إلى ترك المسكن والوطن والعشيرة والأهل والدخول إلى الأراضي الجزائرية مرة ثانية بعد الأولى التي كانت خلال شهر أفريل الفارط. وقد برّر محدثو الشروق عن أسباب عودتهم إلى الأراضي الجزائرية باستمرار المشاكل المتعلقة بالتشغيل وتسجيل المسنين ضمن قوائم الحظيرة المسترسلة (الشبكة الاجتماعية)، كما قال الكثير منهم "لقد أصبحنا نأكل من أعلاف الأبقار والتي سببت لنا أوجاعا وأمراضا لأبنائنا".وكاد أحد المتحدثين عن هذا الواقع أن ينفجر بكاء وهو يقول "ماذا أفعل حينما يقول إبني الصغير يا بابا بطني يؤلمني من الجوع، لو أجد الآن وسيلة للانتحار لانتحرت..!".وتحدث آخرون عن حرمان بعض العائلات من الكهرباء والماء والمنازل اللائقة، فهناك من يقيم بمنازل لا تليق ببني البشر، وعشرات التلاميذ عجزوا عن مواصلة الدراسة لبعد المسافة بين المنطقة التي يقيمون فيها ومدينة قفصة التي تبعد بحوالي 60 كلم عن قراهم. وقد حملوا كل هذه المعاناة وغيرها إلى المسؤولين المحليين، خاصة رؤساء الشعب والعمد والذين كما قال شكري، صالح، الكامل: "عرقلوا كل الخيرات التي أرسلها الرئيس إلى الشعب". إلى أن وصلوا إلى درجة الجوع والمرض والفقر المدقع.وبخصوص المضايقات والملاحقات الأمنية التي يكونوا قد تعرضوا لها بعد عودتهم إلى تونس في أفريل الماضي، أكد كل التونسيين أنهم لم يتعرضوا إلى أي ملاحقة أو متابعة، ولا توجد أي مشكلة من هذا النوع، "فمشكلتنا الأساسية هي ضمان لقمة العيش لأسرنا الذين تشبه حالتهم الآن حالتنا، فنحن مضربون عن الطعام رغم وجوده بفضل إخواننا الجزائريين في حين أن أهلنا وأسرنا لم يجدوا ما يأكلون". تحدث بعض التونسيين وبلغة التحدي "نحن الآن نمثل أبناءنا وكل الأسر والعائلات ونمهل السلطات التونسية لتسوية وضعيتنا على أحسن ما يرام وإلا فكل أبنائنا وأزواجنا والمقدر عددهم ب3500 مواطن سيلتحقون بنا هنا إلى الأراضي الجزائرية"، رغم أن الحرس الوطني التونسي حاضر بأعداد كبيرة بالشريط الحدودي، لكن بإمكانهم الدخول والالتحاق كما دخلنا نحن هنا إلى الأراضي الجزائرية، حيث وفّر لنا الحرس الجزائري عيادة طبية متنقلة مكونة من طبيب وممرض ويزودوننا بالماء متى احتجنا إلى ذلك، أما الأكل فلن نأكل ولو تسبب ذلك في هلاكنا. وبالمناسبة، وقفت الشروق على صورة رائعة للتضامن الجزائري، حيث حمل بعض المواطنين وجبات من الأكل والفاكهة وأوصلوها إلى مكان تواجد التونسيين، إلا أن التونسيين رفضوا الأكل، شاكرين سكان الشريط الحدودي والحرس الجزائري على كرمهم الحاتمي، ولكن صورة التضامن للمواطنين والعمل الإنساني لحرس الحدود الجزائري، لا يمكن أن ينسينا الصور المؤلمة لمواطنين ينامون فوق الأرض، تلسعهم أشعة الشمس في النهار والبرد القارس ليلا، عيون ذبلت ووجوه تجعدت وبطون خاوية، ومع كل ذلك فإنهم يرددون جماعيا "نحن مع رئيسنا زين العابدين، نحن مع تونس.. نحن أبناء حزب الرئيس.. يا رئيسنا اسمع لنا، لقد حرمونا من الأكل، لقد أوقفوا خيراتك عنّا، أنت أعطيتنا كل شيء ولم يصلنا أي شيء". عبارات قالها التونسيون وبتأثر كبير من الصعب أن يصمد أي مشاهد أمام الأصوات المبحوحة وأمام مناظر مؤثرة لرجال ينتظرون حلا سريعا من السلطات العليا التونسية أو التحاق عائلاتهم بهم فوق الأراضي الجزائرية، رغم الصعوبة التي يلاقونها حتى في التنقل على أساس أن هناك حوالي 20 فردا آخر من التونسيين حاولوا صباح الخميس الفارط الالتحاق بالغاضبين، لكنهم لم يتمكنوا بسبب التواجد الكثيف للحرس التونسي بالشريط الحدودي، والأمر كذلك بالنسبة للحرس الجزائري الذين منعوا التونسيين من التقدم نحو عمق الأراضي الجزائرية، ويسهر شخصيا على هذه العملية نقيب بحرس الحدود الجزائري وملازمين الذين وجدناهم يقومون بأعمال جديرة بالتنويه كمنع اتصال الجزائريين بالغاضبين من التونسيين والذين لم تعط لهم فرصة التقدم إلى الأراضي الجزائرية والقرى القريبة من الشريط الحدودي، كما يتمنى ذلك التونسيون.وصادف تواجد "الشروق اليومي" بالشريط الحدودي وجود رئيس أمن دائرة بئر العاتر السيد يوسفي، وكذلك رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي أكد لنا بأن تواجده بالشريط الحدودي، يندرج في إطار تواجد أجانب فوق إقليم بلدية بئر العاتر، ما يحتم عليه أن يعرف ما يجري فوق إقليم بلديته وهو على استعداد لتقديم أي خدمة إذا طلبت منه السلطات الجزائرية تقديمها للتونسيين.وبعد أكثر من ساعتين قضتها الشروق مع التونسيين، وقف بعض التونسيين وصاحوا جميعا: "أوصلوا أصواتنا إلى العالم.. إلى رئيسنا زين العابدين بن علي، لرفع الغبن عنا". قائمة التونسيين الذين تحدثت معهم "الشروق " وطلبوا نشر أسمائهم * محمد غوايدية، 30 سنة * عبد الباسط مبارك، 21 سنة * خليفي بوبكر محمد الصالح، 44 سنة * ربيعي عبد السلام، 18 سنة * خليفة بن بلقاسم، 40 سنة * علي محمد الصغير، 25 سنة * غوايدية يونس، 30 سنة * خلايفية يوسف، 28 سنة * خلايفية محمود، 24 سنة * خلايفية محسن، 35 سنة * غوايدية عبد القادر، 54 سنة * غوايدية لزهر، 45 سنة * غوايدية سعد، 26 سنة * غوايدية بوزيان، 35 سنة * غوايدية عبد السلام، 22 سنة * خلايفية عمار، 24 سنة * ربيعي محمد، 23 سنة * خلايفية يوسف، 30 سنة * باهي محمد، 36 سنة * غوايدية شكر، 36 سنة * غوايدية محمد، 30 سنة * غوايدية رابح، 30 سنة * فتحي عبد المجيد، 25 سنة * غوايدية عمار، 28 سنة * خلايفية بوبكر، 22 سنة * خلايفية زهير، 23 سنة * ذوايدية علي، 22 سنة * غوايدية زين، 33 سنة * ربيعي رابح، 21 سنة * خليفي خسين، 30 سنة * ذوايدية صالح، 24 سنة * شيحاوي صادق، 27 سنة * بلباهي الكامل، 24 سنة * غوايدية محمد بن يونس، 22 سنة * غوايدية كريم، 22 سنة