بعد أن أمضت الجزائر اتفاقا للشراكة مع الاتحاد الأوربي، انضمت إلى المنظمة العربية للتجارة الحرة، في الوقت الذي تواصل فيه المفاوضات للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة. وأبدت الجزائر إرادة واضحة للعمل في هذا الاتجاه، حيث قال وزير التجارة، السيد الهاشمي جعبوب، إن الجزائر مصممة على الاندماج في الاقتصاد العالمي، وان المفاوضات للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة قد تقدمت إلى حد بعيد. * * لكن السيد جعبوب لا يكتفي بهذا الخطاب. إنه يبدع ليؤكد أن الاتفاق مع أوربا يضر بالاقتصاد الوطني، وأن الجزائر ليست مستعدة لتقديم تنازلات جديدة للمنظمة العالمية للتجارة. ويشير هذا الكلام إلى ملاحظات بسيطة، أولها أن التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي جاء من طرف الحكومة التي ينتمي إليها السيد جعبوب، وأن تلك الحكومة اتخذت قرارا أحاديا رغم الانتقادات التي كانت تصدر من قوى سياسية واقتصادية. * وتكفي أرقام قليلة لنعرف ما حصيلة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي. ففي ثلاث سنوات فقط، ارتفعت الواردات الجزائرية من أوربا بنسبة 80 بالمائة، حيث ارتفعت من 11.2 مليار دولار إلى 20.8 مليار. ومقابل استيراد عشرين دولارا، لا تستطيع الجزائر أن تبيع لأوربا إلا دولارا واحدا إذا استثنينا المحروقات. * أما الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، فإنه خيار حر لكل بلد، وتبقى الجزائر حرة في خيارها، إما أن تنضم إليها، أو أنها ترفض الانضمام لتختار نموذجا اقتصاديا آخر. ويبقى على الجزائر أن تدرس الملف، بعيوبه وإيجابياته، وأن تفهم ما الخلل في الاقتصاد الجزائري، وما يجب القيام به من إصلاحات حتى يستطيع الاقتصاد الوطني أن يستفيد من المنظمة العالمية للتجارة أكثر مما يخسر. * لكن الحكومة الجزائرية لا تعمل بهذا المنطق. إنها تتصرف بطريقة تبدو عشوائية، حيث تمجد اتفاق الشراكة مع أوربا والمنظمة العالمية للتجارة تارة، ثم تعود وتنتقد هذا وذاك وتعتبرهم أعداء الجزائر وأعداء البلدان الفقيرة تارة أخرى. ويعترف المسئولون عن الملف أن اتفاق الشراكة مثلا كان مضرا للاقتصاد الوطني، لكنهم في نفس الوقت يؤكدون أتهم لن يتراجعوا عن الملف... وذهب السيد جعبوب إلى أبعد من ذلك لما اتهم الاتحاد الأوربي بالتفريط، حيث لم يساعد الجزائر بالدرجة الكافية للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة... * والسبب الرئيسي لهذه التصريحات والمواقف المتناقضة يكمن في عدم وجود نظرة منسجمة لما تريده الجزائر في الميدان الاقتصادي. وكان من المفروض أن تحدد الجزائر لنفسها مشروعا اقتصاديا وقواعد واضحة تريد العمل بها، وتقوم بالتغييرات الضرورية في الداخل لتعطي الاقتصاد الوطني قاعدة تستطيع بفضلها أن تندمج تدريجيا في الاقتصاد العالمي. * ولكن في غياب نظرة اقتصادية واضحة، أصبحت اللوبيات ومصادر الضغط الخفية هي التي تفرض إرادتها على الساحة الوطنية. ويمكن أن نذكر أن شركات كبرى ضغطت في ماض قريب من أجل تغيير قواعد اللعبة في ميدان تحويل الفوائد إلى الخارج. وفي الوقت الحالي، تحاول شركات صناعة السيارات أن تفرض قواعد بعد أن استولت على السوق الجزائرية. وبحجة الحفاظ على المستهلك الجزائري، ضغطت تلك الشركات لمنع قطع الغيار التي ليست من إنتاجها. وقامت بحملة كبرى، واجتمع ممثلوها مع الوزير، وتمكنت من نشر مقالات عديدة حول الخطر الذي تمثله قطع الغيار غير الأصلية. * ولما اشتدت الحملة، اتضح أن هذا المنتوج غير الأصلي يأتي من الصين، ومن الإمارات العربية، وكذلك من الجزائر... وأكدت تقارير صحفية أن ستين بالمائة من الإنتاج الجزائري يمكن اعتباره غير أصلي. ويتضح من هنا أن محاربة الإنتاج غير الأصلي contrefaçon يعني في الحقيقة محاربة الإنتاج الجزائري... * وهكذا، بعد أن استطاعت الشركات المنتجة للسيارات أن تدفع واردات الجزائر من السيارات إلى مستوى غير معهود، حيث ارتفع من 100.000 إلى 300.000 وحدة في ظرف سنوات قليلة، تعمل هذه الشركات لمنع بروز مصادر جديدة لقطع الغيار سواء من الجزائر أو من الصين وبلدان أخرى. والغريب في الأمر أن وزارة التجارة الجزائرية اختارت أن تتبنى هذا الموقف، وتدافع عنه. وقال مسئول في الوزارة إنه يستغرب كيف أن سيارة أوربية تستعمل قطع غيار من الصين، وكأنه يجهل إطلاقا هياكل صناعة السيارات في العالم. لكن هذا ليس مستغرب من وزارة قررت أن تدخل في حرب دونكيشوطية مع المنظمة العالمية للتجارة.