يخطئ البعض عندما يتحدث عن "خيبة أمله" من خطاب أوباما الذي انتظره الإعلام العربي كثيرا، وليس العرب الذين لا يبالون بخطابات حكامهم ولا حكام غيرهم.. * * حيث اكتشف أن خطاب "الرئيس الذي انتُخب ليُحدث القطيعة مع ممارسات سابقيه"كما روّجه الإعلام العربي أيضا! جاء ليؤكد لكل مرتاب بأن السياسة الأمريكية تصنعها المؤسسات وليس الرؤساء، وإن كانوا من طراز "أوباما"، ثقافة وفصاحة ولونا. * خطاب أوباما، أكد أنه لا قطيعة مع السياسات الأمريكية السابقة، فهو لم يستطع تقديم ضمانات أمريكية لردم الهوة بين العالم الإسلامي وبين بلاده، وتكلم بلهجة الدبلوماسي الحذر الذي "تلوّن" خطابه بعبارات التمني والتشهّي والترجّي، وأسمع العرب والمسلمين "كلمات كالكلمات" في حين قدّم للكيان الصهيوني دعمه الكامل المادي والمعنوي، كما فعل سابقوه، وهو يؤكد مثلهم أن الروابط مع إسرائيل تاريخية. * غير أن المشكلة الأعمق تواجهنا نحن العرب والمسلمين، عندما نريد أن نضع خطاب أوباما في كفة الميزان، لأننا نعيش وضعا متناقضا ومأساويا داخل بلداننا العربية والإسلامية، يجعل من المستحيل أن ننتقد أوباما "ومن أتى به"، وننسى حكّامنا "ومن أتى بهم"! * لقد وقف "مرشح التغيير ورئيس الاستقرار" موقف الأستاذ الذي يعطي دروسا للعرب والمسلمين في الحرية واحترام حقوق الإنسان، ولم يعترض عليه أي حاكم عربي، يرى ما تفعله الإدارة الأمريكية في العراق وأفغانستان وفي غوانتنامو وغيرها، لأن ما يفعله الحاكم العربي يضاهي أو يفوق بكثير ما يفعله الحاكم الأمريكي. فكيف يمكن لنا الاعتراض على ما تقوم به أمريكا، سواء في عهد بوش وسابقيه أو في عهد أوباما، بينما لا يزال العربي والمسلم يعيش القهر نفسه أو أشدّ داخل بلده، وكيف يعترض معترض على السياسات الأمريكية الدموية في العراق، في حين أن الشعوب العربية تعاني من صور احتلال داخلي قد تفوق بشاعته بشاعة الاحتلال الأمريكي الذي يريد الانسحاب من العراق بعدما "قضى وطره" الاستحواذ على منابع النفط وتفتيت المنطقة ودمج المقاومة والإرهاب في سلة واحدة والإبقاء على مبررات وجود القواعد الأمريكية. وكيف لنا أن ننتقد ازدواجية المعايير الأمريكية في مجال حقوق الإنسان واحترام الأديان إذا كان الدين الإسلامي نفسه مطاردا، بمطاردة مظاهره، في بعض الدول "المسلمة" بدعوى تجفيف منابع الإرهاب والأصولية. * أوباما لن يكون رجل التغيير في أمريكا، بَلْهَ العالم الإسلامي، والمسلمون لا يحتاجون إلى خطابات تدغدغ مشاعرهم وعواطفهم كما كان يفعل الشعراء بالملوك قديما، بل يحتاجون إلى إصلاح أوضاعهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وذلك ببناء دول تقوم على المؤسسات لا على الأشخاص، وباعتماد الشفافية ومنطق احترام الشعوب، لا على ازدرائها واحتقارها، وهذا هو الطريق الصحيح نحو التغيير، وليس طرق الخطابات والأماني.