فاق رقم الطلبة الجامعيين في الجزائر المليون "نسمة"، وهو رقم يفوق تعداد دول تنافس القوى العظمى تكنولوجيا.. وفاق رقم الجامعات الجزائرية الستين وهو حلم لم تصله الولاياتالمتحدة إلا بعد أن صارت قوة اقتصادية عظمى.. * * وفاقت ميزانية التعليم العالي عندنا ميزانيات دول إفريقية مجتمعة، ومع ذلك مازلنا نفكّر في رفع "الكم" وتوفير ضروريات وكماليات هذا "الكم" دون الالتفات إلى النوعية بالطريقة التي نفتخر فيها بما حققته هذه الأرقام المليونية التي صارت ترعب الدولة دون أن ترعب "غول التخلّف" الذي أتعبنا.. فإذا كان الطلبة الجدد الحاصلون على شهادة البكالوريا على أهبة تسلم أماكنهم البيداغوجية حسب اختياراتهم العلمية أو حسب الوجهة التي أجبروا عليها، فإن شغل الهيأة الوصية الآن هو الجانب الاجتماعي للطلبة، إذ لا حديث إلا عن رفع منحة الطالب وتوفير المطاعم والنقل وترقية بعض المراكز الجامعية إلى جامعات، في سباق مع الزمن أو لنقل في سباق عكس الزمن، لنعلن بعد صافرة الانطلاقة بأن موسمنا ناجح، لأننا حققنا لكل طالب مقعدا بيداغوجيا ومقعد نقل وغرفة ووجبة ومنحة... وكفى. * المشكلة ليست في الدولة فقط التي صار همها الكم دون الكيف في أمور كثيرة، وإنما أيضا في الطالب الجامعي ومحيطه الذي يهتم فقط بقشور الجامعة دون لبّها، حتى صارت الجامعة الجزائرية مقبرة المواهب أو لنقلها صراحة وبألم مقبرة "التربية والتعليم".. والطلبة الذين يتأهبون لدخول الجامعة ومنهم من حقق حلمه في اختيار شعبة "العمر" سيجد نفسه في طوابير لا تختلف عن طوابير العهد الاشتراكي الذي كان يباع فيه العدس والزيت بعد ساعات من الوقوف والضجر، ولم نسمع أبدا عن طلبة أضربوا عن الدراسة من أجل رفع المستوى أو من أجل توفير المراجع أو من أجل انتداب أساتذة من ذوي المؤهلات، بل إننا لم نسمع بمنظمة طلابية تدافع عن "علمية" الجامعة، وانحصر الإضراب والاحتجاج والشغف والبيانات فقط في الظروف المحيطة بالتعليم دون التعليم نفسه، ومن المؤسف أن تكون هذه التنظيمات الطلابية التي تتقاذفها السياسة والمصالح يمينا ومشاكل الإطعام والمبيت والمنحة والنقل يسارا، من المؤسف أنها الآن في عطلة صيفية في أهم مرحلة في حياة الطالب الجامعي الجديد الذي يضع الآن قدمه لدخول عالم الجامعة. * ماليزيا التي صارت نموذجا إسلاميا في التطور لا تمتلك سوى أربع جامعات، وأمريكا التي عقّدتنا بما بلغته من تكنولوجيا خرّجت فيها جامعة بوسطن لوحدها ما يقارب المائة عالم حصدوا جائزة نوبل في مختلف العلوم، والهند التي نتهمها بعبادة البقر والفئران جاوزت ميزانيتها المخصصة للبحث العلمي المئتي مليار دولار، ونحن مازلنا نتحدث عن رفع المنحة الجامعية وتحسين الوجبة الغذائية ونفتخر بالأرقام المليونية.