دعونا نأخذ عن الصينيين حكمتهم الشهيرة .. "لا تعطيني السمكة وإنما علمني كيف أصطادها"، ونطبقه على واقعنا الجزائري بأن نمنح هؤلاء الفقراء والوصوليين أيضا فرصة تعلم كيف يوفرون لأنفسهم قفة رمضان، وقفة بقية الشهور بدل أن نمنحهم هاته القفة اللعينة التي لا تختلف إطلاقا عن عصر "الأنديجان" الذي ضحى لأجل نسفه مئات الآلاف من الجزائريين بأرواحهم. * عندما أعلنت وعن حسن نية بعض الأصوات الحكومية السابقة تخصيص ما يسمى بقفة رمضان للمحتاجين، كان الرقم يتراوح ما بين الآلاف وعشرات الآلاف ليصل الآن إلى المليون قفة، وهو عار حقيقي في بلد ثري مثل الجزائر.. وأصبحت وظيفة بعض رؤساء البلديات هي كيف يتم توزيع هذه القفة "اللعينة" التي قدمت لنا مشاهد عار قد لا تختلف عن صور المجاعات في الساحل الإفريقي عندما ترمي الطائرات العمودية المؤن للجياع من أطفال ونساء إثيوبيا والصومال، مع اختلافات بسيطة في السيناريو والديكور. * وعندما يصل عدد رؤساء البلديات المتابعين قضائيا بسبب قفة رمضان إلى مئة وخمسين متهم.. وعندما يقتحم بعض الفقراء في ولاية خنشلة مقر ابتدائية مخصصة للعلم ويستولون على القفة بالقوة.. وعندما تقع مشادات في كل مكان في شهر التسامح، فمعنى ذلك أن القفة التي تم تخصيصها لأجل عزة الناس تحولت إلى ذل وهوان. * في كل دول العالم بما فيها المتقدمة جدا والغنية جدا مثل الولاياتالمتحدة والسويد، يوجد مئات الآلاف من البؤساء والفقراء، وفي كل دول العالم توجد سبل لإعانة هؤلاء من أجل حفظ كرامتهم في كل الأيام وليس في المناسبات فقط.. لكن الأقوياء والأثرياء عندنا مازالوا يعجزون عن إيجاد وسيلة لمساعدة الضعفاء والمعدومين دون أن يخدشوا كرامتهم ويورّطوا أنفسهم في الشكوك والمتابعات.. فإذا كان الفقر من أمراض كل الأماكن والأزمان فإنه يصير مهنة وطبيعة في الإنسان إذا أسأنا التعامل معه.. وإلا كيف نفسر حصول بعض الأفراد على قفة رمضان من بلديات مختلفة، وحصول آخرين على القفة منذ سنوات رغم أن حالتهم المادية تحسنت هذا العام، ولا أحد يفهم لماذا نتذكر الفقراء بتزويدهم بالسميد والسكر في شهر رمضان وننساهم في بقية الشهور رغم أن الصدقة والزكاة التي هي من فرائض الإسلام واجبة على مدار السنة. * في الإسلام حتى للصدقة شروطها وأهمها السرية، أما أن يقف الناس في طابور طويل أمام مرآى الجميع فإنها تفقد بالتأكيد هدفها الروحي وحتى المادي الذي يهدف إلى مساواة مقدمها وطالبها.. * ورثنا حفظ حديث شريف جعل فيه الله صفة للمسلم تمنحه ظلا يوم لا ظل إلا ظله، وهو أن لا تعلم شماله ما أعطت يمينه من صدقة، ولكن القفة اللعينة جعلت كل العالم يعلم ما أعطينا ولمن أعطينا، ونخشى أن نفقد الظل في هذا الشهر الكريم مع ما يسمى بقفة رمضان؟ *