مازالت الحرب الدائرة بين الجيش اليمني والحوثيين في محافظة صعدة اليمنية "242 كم إلى الشمال من العاصمة صنعاء" تدور رحاها ومشاكلها وتبعاتها متواصلة وتتفاقم يوماً بعد يوم، فهي خلفت إلى اليوم المئات من القتلى والآلاف من الجرحى ومعوقي الحرب من الطرفين وعشرات الآلاف من النازحين الذي يعيشون ظروفاً إنسانية ونفسية لا يجدون أحداً يحسدهم عليها. * وقد قامت "الشروق اليومي" برحلة مثيرة إلى مخيمات النازحين لم تخل من بعض المخاطر، وذلك من أجل نقل صورة حقيقية عن أوضاع هؤلاء النازحين والظروف التي أجبرتهم على ترك منازلهم وقراهم ومزارعهم. * * وكانت البداية من منطقة الحمراء بمديرية خيوان بمحافظة عمران "60 كم إلى الشمال من صنعاء" والتي يوجد بها ما يقارب (1000) أسرة ممن نزحوا من مناطقهم نتيجة للحرب، والملاحظ كثرة الحواجز الأمنية والنقاط العسكرية ويبرر مسؤولو المخيم ذلك بخوفهم على حياة الموجودين داخل المخيم وشكوكهم من قيام أي عناصر تابعة للحوثيين بعمل غارات خاطفة إلى داخل المخيم. عند مدخل المخيم سألنا فؤاد هادي - من أبناء مديرية حرف سفيان _ عن ظروف نزوحه فقال: نزوحي من منزلي لم يكن بسبب حرب الدولة مع الحوثيين ولكنه خوفاً على حياتي وعائلتي من انتقام الحوثيين الذين طلبوا مني فتح منزلي ومزرعتي وتسليمها لهم لاستخدامها كمواقع للقتال ومواجهة الجيش وهددوني بالقتل وأخذ أولادي الصغار ونهب ممتلكاتي وتفجير منزلي وتدمير مزرعتي بما فيها، وعندما وافقتهم على طلبهم وهممت بالرحيل طلبوا مني البقاء معهم في المنزل حتى لا يشك الجيش ويستهدف المنزل لوجودنا فيه وكانوا ينوون استخدامي وعائلتي كدروع بشرية في مواجهة قوات الجيش، وأمام هذه الحالة المخيفة لم يكن أمامي سوى استغفالهم والهروب منهم تاركاً لهم المنزل بما فيه وعوضي على الله. * * ويؤكد خالد ثابت علي حسين السلفي من منطقة الملاحيظ بمحافظة صعدة أن الحوثيين "جاؤوا بمذهب غير المذهب ولا تركونا نعيش إلا بشرط الانضمام إليهم وإلا سيقتلوننا ويفجروا محلاتنا ومنازلنا". * * وفي مخيم "المزراق" للنازحين بمحافظة حجة "130 كم إلى الشمال من صنعاء" والذي نصبت فيه أكثر من (500) خيمة تأوي أكثر من (3000 ) نازح سألت "الشروق" النازح محمد عبد الله الجلالي حيث سألناه عن الظروف التي أجبرتهم على النزوح إلى هذا المخيم فأجاب: الحوثه _ رمز للحوثيين - دمروا منازلنا وأحرقوا مزارعنا وقتلوا أبقارنا وغنمنا وحصل اختطاف لبعض الأطفال في القرية فما كان منا إلا أن حملنا أولادنا وبناتنا والنساء وتحركنا إلى أن وصلنا بعد شق الأنفس إلى هذا المخيم. * * وتقول فاطمة عباس: أقدمت عناصر عبد الملك الحوثي بالهجوم على قريتنا وطردنا منها وسلب ممتلكاتنا وإحراق مخازننا من الحبوب وتحت وقع الرصاص وتهديد السلاح المباشر على رأس رجالنا وأطفالنا نزحنا إلى هذا المخيم. * * والتقطت سعدية الحرازي الكلام وقالت بمرارة وهي تبكي: هذه الحرب جنت علينا الويلات والخراب فالحكومة طاردت الحوثيين إلى أن وصلوا إلى قريتنا فدخلوا منازلنا وقتلوا بعض رجالنا لأنهم لم يساعدوهم ومن القتلى زوجي فهم يتموا أولادي بلا سبب ونحن إلى الآن لا ندري ماذا يريدون. * * ويقول أخوها سالم الذي يسكن معها في نفس الخيمة: سجنوا أولادي خمسة أشهر وأنا سجنوني تسعة أشهر ما خرجنا من السجن إلا وبيوتنا مهدمة. * * ظروف صعبة * شكى بعض ممن التقيناهم من تأخر المساعدات أو رداءة الأغذية والحاجيات التي تقدم لهم وعدم توفر الماء والبطانيات والفرش بشكل كافٍ. * ويقول عبد الرحمن العبيدي احد النازحين من حرف سفيان: نحن في المخيم من قبل شهر ونصف شهر والطعام الذي يصلنا لا يكفي لكل عائلتي في الخيمة والتي يبلغ عددهم سبعة أشخاص وأحيانا نضطر إلى أن نبقّي من وجبة الغداء لوجبة العشاء والماء الذي يوزع علينا أحيانا يصل إلينا، وقد تغير لونه وبدأت تظهر عليه بعض الروائح ولكننا نضطر في الأخير لشربه حتى لا نموت من العطش. * * جهود دولية * وجهت الأممالمتحدة نداءً عاجلاً لجمع 23,5 مليون دولار (16,5 مليون يورو) لمساعدة نحو 150 ألف نازح في صعدة، وقدرت منظمات الأممالمتحدة إجمالي عدد النازحين في محافظات صعدة وعمران والجوف وحجة بنحو 150 ألف نازح، يعيش بعضهم في مخيمات النازحين الخمسة التي يؤوي كل منها ما بين (500 و1000) أسرة، في حين أكد وزير الصحة اليمني الدكتور عبد الكريم راصع في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي أن عدد النازحين بلغ (83) ألف نازح في جميع المخيمات، وقال إن الحكومة قدمت (230 ) مليون ريال لدعم جهود الإغاثة والنازحين من جراء الحرب كما قدمت وزارته ( 35 ) طن من الأدوية والمستلزمات الطبية.