مع مرور الأيام... والسنين، رسالة نوفمبر تندثر، بعد خمسم وخمسين عاما حسب قناعتي لم نحقق الكثير من السيادة التامة والاستقلال الشامل، فالعديد من رعيتنا أصبح يتعامل مع نوفمبر تعاملا مناسباتيا، من خلال أكاليل الزهور، والوقفات الترحمية، أو النّصب التذكارية، أو إصدار الطوابع، أو المهرجانات الخطابية التي لن تنتهي وبدون مفعول يذكر على أرض الواقع... * * فأصبحت مجرد فقاقيع تظهر وتموت بسرعة، فالنية أصلا غير موجودة لمعالجة العديد من الملفات العالقة، فالتعامل النوفمبري أصبح تعاملا عاطفيا دون شجون، فحتى بعض الجمعيات تريد الظهور خلال هذه الفترة أو بالتحديد خلال هذا اليوم، ثم تختفي طوال السنة!! * فلنتكلم بلغة العقل بعيدا عن كل شجون عاطفية هل النوفمبريون الأوائل، كانوا يتصورون الجزائر حسب المواصفات الحالية؟! وهل المجاهدون الأوائل وفّينا تجاههم بعضا من حقوقهم؟! هل سرنا على الدرب ولم ننحرف عن الخط المرسوم؟! * طبعا الإجابة ستكون من خلال قراءتي للعديد من النصوص والمناقب التاريخية بحكم أننا من جيل ما بعد الاستقلال!! والإجابة حسب قناعتي ستكون "لا" وألف "لا" للعديد من الاعتبارات المنطقية!! * أهمها العديد من "الملفات" مازالت قائمة، فلا خرائط لزرع الألغام أثناء الفترة الاستدمارية؟ ولا تعويض ولا اعتذار رسمي عن التجارب النووية؟! ولا متابعة قضائية للعديد من "مجرمي الحرب أو ضد الإنسانية" بحسب مواصفات اتفاقية جنيف؟! * والقائمة قد تطول في المطالب... فالهون يمكن إرجاعه منذ السنين الأولى للاستقلال إلى يومنا للتعامل "السياسي" و"الانتقائي" مع الإرث النوفمبري، فكتابة التاريخ لا تعتمد إلا من خلال الكتابة الرسمية، فباقي الكتابات كانت توصف "بالتايوانية"... فحتى لوقت قريب أبو الوطنية، مصالي الحاج، كان رسميا قد يعرّف بالخائن، أو أسد الجبال المجاهد عبان رمضان، كان ينعت بنعوت لا تليق لا بمقام الرجل أو المنطقة المنحدر منها، وكم من أخطاء تاريخية كتبت حسب الطلب، أو بما تمليه مصالح النظام القائم... فهذه وغيرها من الأخطاء ساهمت في تشويه والتشويش على التاريخ. * كما أنه منذ الاستقلال وإلى غاية كتابة هذه السطور مطلب "الاعتذار والتعويض" كان مطلبا متجددا ومتكررا، ولكن بدلا ما يتم التعامل معه بجدية وحزم وبأسلوب علمي وتوثيقي، أصبح الملف يستعمل للمزايدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، أو كأحد الأطراف في لعبة الشطرنج، * فالإرث النوفمبري ينتقص، مستمر بعد خمس وخمسين سنة، فبقدر ما كثرت المتاحف عبر كل الولايات، بقدر ما أصبحت بدون روح، فلم نربطها لا بالمدارس، ولا بالجامعات، فأصبحت كأطلال خاوية بدون نفس يذوب فيها، وبدلا ما يتم معالجة الوضعية المرضية، تصبح كل جهة تبرر، وترمي على الآخر اللوم والقصور وضيق الأفق... * فنوفمبر... عاد ولكن لم تعد معه روحه، وحماسه، فلنسأل أطفالنا، أو أولادنا أسئلة حول الثورة، رجالاتها، بيانه... الإجابات ستكون متعثرة أو أحيانا لا توجد إجابات!! * كما أننا نحتفل بالثورة المباركة، على واقع انتشار العديد من الواجهات، وتزايد مطرد للمجاهدين، حتى أصبحنا نسمع بجمعيات أخرى لأبناء المجاهدين والمستقبل قد يخبئ مفاجئات أخرى؟! * إننا نبارك ذلك، ولكن كذلك يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا، ماذا عملنا؟! وماذا قدمنا؟! فبدل أن نهتم بالقضايا الكبرى، أصبحنا نتراشق بالدسائس، والاتهامات لبعضا البعض، فأصبح السلوك سيد الموقف، وأصبح ملف "المجاهدين المزيفين" يظهر ويفتح للتخويف والتهويل، هل هذا هو المطلوب؟! * كما أن بعض "الجمعيات" بدلا أن تقوم بعمل جدي علمي لايزول ويصون الأجيال المستقبلية، أصبح همها التموقع والركض وراء الامتيازات. * وأخيرا، إن كانت من وقفة تقييمية، نتساءل يا ترى هل:"قانون الشهيد" مفعّل؟! أو هو مجرد شمّاعة؟! أم أنه متعثر نظرا لعدم وجود العديد من النصوص التطبيقية؟! هل قمنا بتقييم النص منذ نفاذه؟! * الإجابة ستكون بالنفي، رغم وجود العديد منهم تحت قبة البرلمان الذي ينسب نفسه للأسرة الثورية، وقيم ثورة نوفمبر المباركة، ولكن يبدو العديد منهم قد نسي منطلقاته، هويته، وفي خضم العمل البرلماني ونعيمه نسي جذوره!!... * هذه مجموعة من "التساؤلات" المشروعة بعيدا عن كل توظيف سياسي أو إيديولوجي، يجب أن نطرحها على أنفسنا، ولتكن لنا الشجاعة "الأخلاقية" و"السياسية" للإجابة عليها متجرّدين عن مواقعنا ومواقفنا الذاتية!... * فالجزائر اليوم والغد لا تبنى إلا بالمكاشفة والمصارحة وليكن نوفمبرنا القادم، كافيا بإعطاء لنا الإجابات المقنعة، بعيدا عن كل تزييف ونفاق.