خطف جيل الثمانينات الجزائري الأنظار وسكن في قلوب كل العرب والأفارقة بما في ذلك المصريين، الذين صار مجرد مشاهدتهم لماجر وعصاد أكبر متعة وشرف أيضا، وبعد غياب دام أربع سنوات، التقيا في الدور الأخير لتصفيات ألعاب لوس أنجلس الأولمبية، وكانت الجزائر قد مثلت إفريقيا في الأولمبياد السابق بموسكو وبلغت الدور ربع النهائي، * * والتقى المنتخبان على أرضية مبللة بسبب الأمطار الغزيرة وفي يوم بارد في السادس من جانفي 1984 ودخل المصريون ميدان 5 جويلة تحت توجيهات مدربهم العائد خصيصا لهذه المواجهة عبده صالح الوحش، وتحطم في هذا اللقاء رقم قياسي مازال ساريا لحد الآن بتسجيل أسرع هدف في الداربيات مابين المنتخبين، إذ دون أن يلمس المصريون الكرة بدأت ضربة الانطلاقة للجزائريين ومن دون مقدمات، أرسل ماجر كرة طويلة هز بها تاج بن ساولة الشباك في حدود الثانية والأربعين، ولأن الجزائريين لم يكن يعنيهم في ذلك سوى المونديال فإن الملعب كان شبه شاغرا ولعب المصريون دون ضغط جماهيري، وتمكنوا بفضل الأسمر إبراهيم يوسف من دك عرين نصر الدين دريد في الدقيقة 39، وبرز في هذا اللقاء بشكل لافت مجدي عبد الغني إلى درجة أنه زوّد رفاقه بكرات كادت أن تحدث أول فوز لمصر في تاريخها في الجزائر، وانقلب الجمهور المتوسط على رفقاء بن ساولة وشجعوا المصريين في سابقة كانت الأولى والأخيرة، وتميز اللقاء بغياب عدد من المحترفين الذين لم تهمهم الألعاب الأولمبي مثل جمال زيدان وجمال تلمساني، كما أن نصر الدين دريد كان في بداية مشواره كحارس أساسي للمنتخب الوطني بسبب سفرية سرباح للإحتراف في كندا، بينما كانت مصر تحضر طائفة من جيل لابأس به مثل الطاهر أبو زيد وإكرامي وإبراهيم يوسف ومجدي عبد الغني تحت قيادة أحسن مدرب في تارخ الفراعنة. * * مصر 1 الجزائر 0 (1984) * تحت أمطار من "الحجارة"! * لم يكن الجزائريون يتصورون ما حدث لهم في القاهرة ولم يكونوا يظنون أن المصريين مصممون على السفر إلى لوس أنجلس بأي ثمن ويمكن اعتبار مواجهة العودة ضمن إقصائيات لوس أنجلس الأخطر على الإطلاق، بل كانت شرارة حقيقية لفتنة.. فقد تم الاستنجاد بصاحب المهمات الصعبة محي الدين خالف الذي استرجع مهدي سرباح لحراسة المرمى وأقنع تلمساني وزيدان بالمشاركة وقام بتجريب المدافع محمد شعيب أحد نجوم مونديال الأواسط في اليابان عام 1979 وجرت المقابلة أمام 120 ألف متفرج في أجواء هستيرية، ولم يكن للجزائر من خيار سوى الفوز، فتم تسيير الشوط بالطريقة التي أرادها خالف ليبدأ في المرحلة الثانية المناورة بتحركات زيدان وماجر اللذين جانبا التهديف في الدقائق 48 و52، وبينما سكن الخوف الجماهير المصرية تمكن علاء ميهوب من خطف كرة كانت طائرة في السماء برأسية لم يحرك سرباح لها ساكنا في الدقيقة 58 وانفجر الملعب فرحا وسيطر الجزائريون المحرمون من بلومي المصاب وسكنوا منطقة الفراعنة وتعرضوا لمهازل تضييع الوقت، حيث كان مدافعو مصر يكثرون السقوط على الأرض، وغادر ملتقطو الكرات الملعب، وكان اللاعب الجزائري إذا توجه لاسترجاع الكرة من التماس تتهاطل عليه أمطار من الحجارة، وهي أجواء كان يلعب فيها كل الأفارقة، وليست الجزائر فقط في غياب معاقبة الملاعب، ورغم السيطرة الكاملة للجزائر، إلا أن المصريين حافظوا على شباكهم، ولكنهم رفضوا مثل هاته المعاملة السيئة التي جاءت بسبب حب المصريين في الفوز على أحسن منتخب في إفريقيا وحبهم السفر للوس أنجلس 1984 وليس لشيء آخر، وكان الإقصاء درس لأشبال خالف ولم يشفع لعبده صالح الوحش في الأولمبياد، حيث كانت النتائج مخيبة جدا. * * الجزائر 3 مصر 1 (1984) * الفراعنة نجوا من مهزلة * بعد الجحيم الذي عاشه منتخبنا في القاهرة في آخر مواجهة، التقى بعد شهر فقط مع الفراعنة في لقاء ثأري، ولكنه كان أيضا بين جريحين في دورة كوت ديفوار ضمن كأس أمم افريقيا، حيث لعبت الجزائر بقوة، واكتسحت منافسيها في الدور الأول، حيث سحقت ملاوي 3 - 0 وغانا 2 - 0 وتعادلت سلبيا أمام نيجيريا وواجهت في نصف النهائي الكاميرون فخسرت بضربات الترجيح، في الوقت الذي تأهلت للنهائي نيجيريا على حساب مصر، والتقا الجريحان في لقاء ترتيبي، ولكنه حماسي جدا، وبطابع ثأري بالعاصمة أبيدجان ولعب الخضر بطائفة من اللاعبين الجدد مثل صادمي وبويش وياحي ومناد إذ سيطر أشبال خالف على المباراة وأضاعوا في الشوط الأول ما لايقل عن خمسة أهداف، وكان واضحا أن المصريين يريدون إيصال المواجهة إلى ضربات الجزاء، لكن انتفاضة الخضر حدثت منذ الدقيقة 68 بهدف من ماجر الذي عاد بعد ثلاث دقائق ليقدم كرة طازجة لبلومي لسيجل أمام إكرامي د71، ورغم منح الحكم ضربة جزاء خيالية لمنتخب مصر في الدقيقة 78، إلا أن السيطرة بقت جزائرية، ومكنت ياحي المنفرد مع إكرامي من تسجيل أول هدف له بألوان المنتخب الوطني خارج الديار، وإذا كان المنتخب الجزائري قد سجل لأول مرة نتيجة بأكثر من هدف في تاريخ المواجهة بين الفريقين فإن المصريين اعترفوا بأنهم نجوا من مهزلة حقيقية، حيث أحصوا ما لايقل عن تسع فرص سانحة، خاصة أن منتخبنا كان حينها في أوج عطائه، حيث قدم بلومي في تلك الدورة مستوى غير مسبوق قبل إصابته الشهيرة في ليبيا، وتبقى مواجهة الخضر أمام غانا في الأذهان وأيضا أمام مصر، حيث سكنوا في عرين خصومهم ولولا ضربة جزاء أضاعها قندوز أمام الحارس الكامروني أنطوان بيل في نصف النهائي لفازت الجزائر بلقب إفريقي كان في متناولها، لتختفي بعد المواجهات بين المنتخبين لمدة خمس سنوات كاملة. * * الجزائر 0 مصر 0 (1989) * أول استفزاز إعلامي مصري * يشهد المصريون بأن إعلامهم هو الذي يوجه الجماهير وكانت الجزائر التي لعبت مونديالين اثنين (82 و86) تبحث عن ثالث مونديال بلاعبين ضربتهم بعض الشيخوخة، حيث جاوز معظمهم الثلاثين بقيادة المدرب كمال لمودي الذي واجه التصفير في ملعب 5 جويلية، ولم يشفع له التأهل للدور الأخير من تصفيات كأس العالم على حساب زيمبابوي فتقرر نقل المباراة إلى قسنطينة بحثا عن جمهور السنافر الحماسي وهو ماجعل جريدة الجمهورية المصرية تكتب »اللعب أمام 50 ألف حرامي«، وكان استفزازا خطيرا لجمهور قسنطينة الذي قدم درسا حضاريا في لقاء لعب تحت طوفان من المطر والذي ساعد المدافعين أكثر من المهاجمين، ومع ذلك ردت العارضة والقائم ثلاث قنابل من أقدام ماجر وشريف وجاني، وأضاعت مصر أيضا في الشوط الثاني هدفين حقيقيين، وبرز في اللقاء كنجم أوحد الحارس أحمد شوبير الذي وقف لوحده في وجه نجوم الجزائر، وامتص حماسهم، وبعث الطمأنينة في قلب حسام حسن ورفاقه الذين كادوا أن يرجحوا الكفة لصالحهم، أما جمهور قسنطينة فبعد أن ناصر فريقه انقلب في الشوط الثاني على منتخبه، وأسمع المدرب كمال لموي سبا وشتما، جعله يعلن في غرف الملابس عن استقالته، خاصة أن النتيجة السلبية رهنت حظوظ الجزائر وأضاعت آخر فرصة لنجوم الجزائر الذين كانوا يراهنون على التسجيل بقوة بعد الذي حدث لهم عام 1984 لأنهم يدركون استحالة التفوّق في مصر أمام 120 ألف متفرج واستفزازات لانهاية لها حتى بعد صافرة النهاية. *