بعد أكثر من تسع سنوات من الحرب التي شنتها أمريكا على الإرهاب، مازالت إشكالية معالجة هذه الظاهرة مطروحة وبحدة، وبعد كل الطرق والسبل والاستراتيجيات ها هي أمريكا تعود إلى نقطة الصفر لتحارب الإرهاب بالقوة وبالطرق الردعية التي تزيد من تفاقم المشكلة أكثر من حلحلتها. * * تواجه أمريكا والدول الأوروبية مشاكل عدة في التعامل مع الإرهاب ومعالجته، حيث كشفت محاولة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، لتفجير طائرة متوجهة من أمستردام إلى دترويت باستخدام مادة متفجرة، الفشل الذريع لهذه الدول في كيفية وسبل تعاملها مع احتواء الإرهاب والقضاء عليه. فالأمر لا يتطلب تصعيد الإسلاموفيا وترهيب البشر من أي شيء له علاقة بالإسلام، ولا يتطلب عسكرة المطارات وتدجيجها بالأسلحة والعسكر ورجال الأمن. ما لم تفهمه أمريكا وحلافاءُها في الغرب هو أن الإرهاب ظاهرة سكنت العقول قبل أن تحول إلى أعمال إجرامية وأنه فكر وأيديولوجية وتعبير عن ظلم وسلب للحقوق ومشاكل وتجاوزات. الإرهاب ظاهرة نفسية، سيكولوجية، إجتماعية ومرضية يجب أن تعالج بطريقة منهجية بعد تشخيص الداء ووصف الدواء. بعد محاولة الشاب النيجيري الفاشلة سارعت أمريكا مباشرة إلى وضع قائمة بعدد من الدول العربية والإسلامية لمراقبة ومضايقة رعاياها عند السفر إلى أمريكا. فمضايقة الركاب لا تعالج مشكلة الإرهاب ولا تحلها. فالأمر يتطلب دراسة متأنية لأسباب الإرهاب والعوامل التي تؤدي إلى نموه وانتشاره. فبعد أزيد من تسع سنوات مازالت أمريكا لم تتعلم الدرس ومازالت تعالج الإرهاب بالإرهاب وعادت إلى نقطة البداية. * أهم ما يميز الإرهاب في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة هو تدويل الإرهاب، وهذا من خلال التعاون الدولي بين العديد من المجموعات الإرهابية وكذلك إقامة شبكات قوية عبر القارات لهذه المجموعات من أجل التمويل والتدريب وتوفير الوسائل اللوجيستية والأسلحة والأموال إلى غير ذلك. ستبقى أحداث 11 سبتمبر 2001، من دون أدنى شك، الحدث الإرهابي الأهم في هذا القرن وهذا نظرا لعدة اعتبارات من أهمها عدد الضحايا وطريقة التنفيذ ودقة التخطيط والبلد المستهدف وهو الدولة الأعظم والأقوى في العالم. دلالات أحداث 11 / 9 تشير إلى قراءة جديدة للإرهاب في القرن الحادي والعشرين، حيث أنه يهدد ويصل إلى أي دولة في العالم، بغض النظر عن قوتها وحجمها وخبرتها في الأمن القومي والدفاع عن نفسها. فالرسالة واضحة وهي أنه لا توجد دولة في العالم بمنأى عن الإرهاب. ضرب الإرهاب كذلك في السنوات الأخيرة الهند (البرلمان)، إندونيسيا (بالي)، بريطانيا (مترو الأنفاق في لندن)، إسبانيا (القطار في مدريد) ومومباي في الهند (فنادق ومحطة القطار). أما مركز العمليات الدولي للإرهاب هذه الأيام فهو يتمحور بين باكستانوأفغانستان. * فأمريكا تصدر سنويا قائمة بالدول التي ترعى الإرهاب، حسب معاييرها ومقاييسها ووفق تطور علاقاتها مع هذه الدول بالسلب أو بالإيجاب، وهذه القائمة تتبنّاها العديد من الدول، مقتنعة بذلك أم مرغمة. وهكذا أصبح الإرهاب متغيّرا أساسيا في العلاقات الدولية وأصبح أداة في يد الدول الفاعلة في النظام الدولي لتحقيق مصالحها وأهدافها. وعملا بمبدإ الغاية تبرر الوسيلة، فهناك العديد من الدول، البعض منها يدعي الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، يستعمل الإرهاب كجهاز وإدارة مثل مؤسسات الدولة الأخرى لكن في السر والخفاء. يقول الدكتور عبيدات في هذا الشأن: »إن فهم ظاهرة إرهاب الدولة يتطلب فهم أجهزتها الاستخبارية التي تقوم سرا بما عجزت عن تحقيقه الدولة علنا أو الذي لا ترغب الدولة بأن يُنسب إليها مباشرة كتمويل بعض المنظمات الموجودة في دول أخرى لاستخدامها كوسيلة للتخريب أو الضغط، أو للتصفيات الجسدية كما عملت فرنسا حينما دعمت منظمة "الجيش السري" لتفتك بحركة التحرير الوطني الجزائرية. * يكتسي الإرهاب في عالم اليوم أهمية كبرى في المحافل الدولية والعلاقات بين الشعوب والأمم وأصبح أداة استراتيجية من أدوات السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية. لقد غيّرت أحداث سبتمبر 2001 مفهوم التاريخ والأمن القومي والاستراتيجي، ومنذ ذلك الحين أصبح الإرهاب يرتبط بأن لا أحد في هذا الكون بمنأى عنه، والأخطر من هذا أن الخوف الآن يرتكز حول إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل المجموعات الإرهابية. ما زاد المشكلة تعقيدا وخطورة هو أن نظرة الولاياتالمتحدة للإرهاب ومكافحته نظرة ضيّقة، مركزية الذات والهوية، ذات أبعاد محلية وداخلية، بعيدة عن الموضوعية والبعد الدولي. فالإرهاب لا يتحدد في أسامة بن لادن والقاعدة ولا ينتهي عند طالبان؛ كما أن محاربة الإرهاب بالإرهاب لا جدوى من ورائها، أضف إلى ذلك أن القوى العظمى في النظام العالمي لا ترى في حلول الإرهاب الأسباب والجذور، بل تركز على القشور وعلى الانعكاسات والنتائج والحلول التجميلية الظرفية التي سرعان ما تختفي ويعود الإرهاب من جديد كالنار من تحت الرماد. ومن ثمة النار في الهشيم، ما يعني أن المنظومة الدولية والدول الفاعلة في النظام الدولي مطالبة بإعادة النظر في التعامل مع الإرهاب وفي عقد مؤتمر دولي صريح وموضوعي وهادف من أجل أمن واستقرار البشرية جمعاء ومن أجل التعاون والتكامل بدلا من الصراعات والنزاعات التي توفر الأرض الخصبة لانتشار الإرهاب وعدم القدرة على مكافحته وإيجاد الحلول الناجعة للحد منه. * فإصدار قائمة بدول مارقة أو مصدرة للإرهاب لا يحل المشكلة، كما أن مضايقة رعايا عدد من الدول العربية والإسلامية عند سفرهم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وإلى الدول الأوروبية لا يحل المشكلة كذلك. ما يجري هذه الأيام في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي باكستان، يوحي بمؤشرات خطيرة جدا تغذي وتضاعف من فرص انتشار الإرهاب في العالم عندما يسوده الاستبداد والظلم وانعدام العدالة والمساواة واحترام الآخر في العلاقات الدولية وفي المنظمات الدولية. فما يجري في فلسطين هو تكريس وتشريع الظلم بتواطؤ الدول الفاعلة في النظام الدولي التي تتغنى بحقوق الإنسان وبمحاربة الإرهاب. ما وعد به الرئيس أوباما عند مجيئه إلى سدة الحكم قبل سنة لم يخرج من نطاق أدبيات العلاقات العامة وكياسة الوعود والكلام المعسول. الوضع مازال على حاله وشعوب كثيرة في العالم مازالت تعاني الفقر والجهل والظلم واستلاب مختلف الحقوق بما فيه الحق في العيش وفي الوطن. فالإرهاب هو أسوأ وسيلة يلجأ إليها الإنسان عندما تفشل الوسائل الحضارية الأخرى كالمفاوضات والمطالب عبر القنوات الشرعية كالمنظمات والمحاكم الدولية، وعندما تبقى الأمور على حالها والعالم يتفرج ولا يحرك ساكنا.