أعادت أحداث مومباي المأساوية التي هزت الهند نهاية الأسبوع الماضي إلى الواجهة طرح ثلاثة مسائل جوهرية. الأولى هي مدى نجاح الحرب المعلنة منذ سبع سنوات على الإرهاب، والثانية مسألة العلاقات الهندية الباكستانية التي ما تكاد تتحسن حتى تعود إلى التوتر من جديد، والثالثة هي القضية الكشميرية التي نراها السبب المباشر فيما حدث بعاصمة الهند الإقتصادية، وفي كل أشكال العنف والتوتر التي تعرفها المنطقة. أسباب عديدة تؤجج عنف اليائسين في البداية دعنا نقف عند قضية الحرب على الإرهاب، لنؤكد بأنه في الوقت الذي يتغنى فيه دعاة الحل العسكري الذين رفعوا لواء الحرب الإستباقية، وأشهروا سيف من ليس معنا فهو ضدنا بنجاحهم الباهر في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة، نجد الواقع ينطق بكلام آخر، ويعكس حقيقة طالما ألح الكثير من العقلاء على طرحها وهي ضرورة تحديد مدلول للإرهاب أولا ومن ثم حصر مسبباته والقضاء عليها بدل محاربة نتائجه. لقد سجل هؤلاء بأنه إذا كان هناك تجار دم وعنف تسكنهم نزعة إجرامية يقفون وراء العديد من العمليات الإرهابية، فهناك أيضا عناصر يائسة تحمل قضايا وهموم شعوبها، تعاني القهر والظلم والذل. تنتظر العدالة والإنصاف، لكن الشرعية الدولية التي أصابها عمى الألوان لا ترى الحق إلا إلى جانب القوي، والعدالة تكيل بمكيالين وأكثر. ومعلوم أن اليأس إما أن يقود صاحبه إلى الإنتحارأو إلى الإرهاب دون أن نبرر طبعا مشروعية الإجرام مهما كانت دوافعه من هنا كان يجب على »دونكيشوهات« الحرب على الإرهاب أن يبحثوا أولا في خلفيات الظاهرة، فيعيدوا الحقوق إلى أصحابها، وينصفوا المظلومين وبعدها فقط يمكنهم أن يتوقعوا النصر لمعركتهم. لقد أعادت هجمات مومباي، بطريقة إخراجها وتنفيذها المثيرتين العالم أجمع إلى أحداث سبتمبر التاريخية التي زلزلت أمريكا، فالسيناريو ذاته تكرر برتوشات بسيطة مغايرة، إذ تمكنت مجموعة تتضارب الأنباء حول هويتها وجنسيتها بيسر تام من اختراق جهاز المخابرات والأمن في دولة نووية تشق طريقها بقوة وسرعة نحو مزاحمة كبرى الدول على ريادة العالم، واستطاعت أن تحتل مواقع استراتيجية بعد أن اقتحمتها بسهولة وتنفذ عمليتها وترتكب مذبحة فظيعة دون أن ينتبه إليها أحد، و هو الأمر الذي حدث قبل نحو سبع سنوات في »مانهاتن« مما يضع علامة استفهام حول محدودية القدرات الأمنية والمخابراتية لأي دولة مهما عظمت. ويؤكده بأن ظاهرة الإرهاب مازالت بنفس القوة وضرباتها مازالت موجعة، ولم تؤثر عليها سبع سنوات من الحرب لأن هذه الحرب كما نراها، حادت عن أهدافها الحقيقية وتحولت إلى احتلال لبلدان آمنة، وإلى قصاص وانتقام من أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل فيما وقع في نيويورك أو لندن أو مدريد أو بالي أو مومباي. ويبقى الخطأ في تحديد الخصم والطريقة الفاشلة في معالجة الإرهاب، هي مزيد من الإرهاب والإرهابيين والضحايا الأبرياء. نيودلهي إسلام أباد... توتر مزمن أما المسألة الثاني التي أعادت أحداث مومباي إلى الواجهة، فهي مرتبطة بالعلاقات الهندية الباكستانية التي كانت على مرّ السنين كالكرة يتقاذفها مدّ التوتر الذي قاد الدولتين إلى ثلاثة حروب مسلحة وجزر التهدئة والتطبيع الهشين. فمباشرة بعد وقوع هجمات مومباي، سارعت مصادر هندية إلى توجيه أصابع الإتهام إلى باكستان. وهكذا جرت العادة، فنيودلهي تسارع دوما إلى اتهام إسلام أباد، كلما ألمّت بها مصيبة، وهذه الأخيرة تفعل المثل كلما حل بها أيّ مصاب جلل، والواقع أن هذه الإتهامات المتبادلة هي مُحصّلة حاصل لعلاقات تقوم على الشك والريب وسوء النوايا منذ استقلال شبه القارة الهندية عام 1947 وانفصال باكستان عن الهند. ورغم محاولات التطبيع والتقارب التي تفرض بعض الهدوء لبعض الوقت بين الجارتين اللدودتين، إلا أن التوتر كان السمة الغالبة على علاقتهما، بل وقاد في الكثير من المرات إلى الإصطدام المسلح مثلما وقع عام ,1947 حيث كانت أولى الحروب الهندية الباكستانية، تم عام 1965 أين تحول التوتر بين الدولتين إلى مواجهة مسلحة بين جيشيهما، ليقع ثالث اصطدام مسلح عام1971 والذي انتهى بانفصال بنغلاديش عن باكستان، لتدخل الجارتين في دوّامة السباق من أجل التسلح وتعلن بعد سنوات عن امتلاكهما للسلاح النووي، الذي وإن كان رَدَع كِليهما عن مهاجمة الآخر، وحال دون وقوع حروب أو مواجهات مسلحة بينهما إلا أنه لم يقض بالمرة عن حال التوتر بل على العكس من ذلك، حيث ضاعفها ورفع حدة المخاوف من مواجهة نووية ستقضي على الأخضر واليابس يشبه القارة الهندية. النزاع حول الكشمير... أزمة مستمرة يجرنا الحديث عن هذا التوتر المزمن في العلاقات الهندو باكستانية إلى العامل المسبب لهذا التوتر، وهو العامل الذي نعتقده كامن وراء هجمات مومباي ووراء مخلتف الإصطدامات والحروب التي وقعت بين الدولتين، وأيضا وراء الإنتكاسة التي ستعيد جرّ علاقة نيودلهي وإسلام أباد إلى درجة الصقيع بعد الدفء الذي لمسته في السنوات القليلة الماضية. إنه باختصار المسألة الكشميرية المغروسة كاشوكة في قلب الهيمالايا، والتي دخلت التاريخ كبؤرة للتوتر الإقليمي في منطقة جنوب آسيا التي تضم تكتلا بشريا يتجاوز تعداده خمس سكان العالم. فمصدر التوتر السائد بين البلدين، وخلافهما الدائم هو نزاعهما حول إقليم كشمير، الذي ضاع أهله المسلمون بين أطماع هذا وسيطرة ذاك وتواطؤ الآخر، ولم يجدوا على ما يبدو في ظل غياب الشرعية الدولية التي منعت عنهم حقهم في تقرير مصيرهم، كما قضى قرار مجلس الأمن قبل ستة عقود والذي نص على إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم غير السلاح لإسماع صوتهم وفرض وجودهم. وإذا كان الإرهاب مرفوضا مهما كان جنسه وشكله ومسبباته، فالظلم المسلّط على المسلمين في مختلف ربوع العالم أيضا مرفوض، وهو الذي يقود بعض اليائسين منهم إلى شن عمليات وهجمات تقضي على الأبرياء ولا تحرك أو تمس شعرة من رؤوس المغتصبين لحقوقهم. من السهل على الغرب أن يُلبس المقاومة الكشميرية المشروعة والمقاومة الفلسطينية الباسلة رداء الإرهاب، لكنه أبدا بهذا الموقف المتغطرس الجائر لن يقضي على هذه الظاهرة المقيتة التي هي في واقع الأمر ناتجة عن إحساس شعوب كاملة بالظلم والجور والغبن والذل والقهر. إن الحل الجذري يكمن في إعادة الحقوق إلى أصحابها عبر طريق سلمي واضح وبسيط هو طريق الإستفتاء أي الإختيار الحر دون غضب أو إكراه. ويبقى تفادي تكرار مأساة مومباي ليس بالهروب إلى الأمام والتلويح بالعصا ضد هذا الطرف أوذلك، بل بإيجاد حل سلمي جذري لقضية كشمير، وغير ذلك ستبقى العلاقات الهندية الباكستانية على فوهة بركان قابلة للإنفجار في أيّة لحظة، وستبقى العناصر اليائسة تبث الرعب هنا وهناك بهجماتها وضرباتها الموجعة.ے ------------------------------------------------------------------------