حتى وإن كان اسم الفائز بسباق الرئاسيات محسوم بالنسبة للكثيرين، ولن يكون السباق إلى غاية السابع عشرة من الشهر أفريل، إلا مجرد تسخين للعضلات من دون منافسة، إلا أن تواجد متسابق جديد أو أرنب سباق جديد، وتقدم البقية في السن وتغيّر الأوضاع الداخلية والخارجية، يجعل من الديكور متغيّرا، مقارنة بالانتخابات الرئاسية الأربعة السابقة في زمن التعددية، منذ أول رئاسيات التي أوصلت اليمين زروال إلى كرسي الحكم، فرقم المترشحين لسباق الرئاسيات تقلص إلى النصف، ورقم المترشح الرئيسي بقي واحدا، كما حدث في الاستحقاقات الرئاسية التعددية السابقة، وإذا كان مجرد التفكير في بلوغ الدور الثاني غير وارد، فإن غالبية الذين سيحضرون الحملة الانتخابية سيجرهم فضولهم، للتعرف على هؤلاء المرشحين الذين مازالوا برغم سنوات تواجدهم في الساحة السياسية ألغازا بالنسبة للكثيرين. بوتفليقة مرشح للرئاسة ما بعد الثمانين وبلعيد شاب "طاب جنانو" تقديم الجزائر لرئيس شاب، أو على الأقل دون سن الخمسين، ما زال مؤجلا، فالدكتور عبد العزيز بلعيد الذي قدمته السلطة على أساس أنه شاب، هو من مواليد 1963 وسيبلغ في يوم الانتخاب 50 سنة وعشرة أشهر، وهو أكبر ب 17 سنة كاملة عن الرئيس الراحل هواري بومدين، عندما تسلّم الحكم عام 1965، وأكبر بسنة واحدة عن الرئيس الشاذلي بن جديد، عندما تسلم الرئاسة بعد وفاة هواري بومدين، أي أنه حتى ولو حدثت المفاجأة التي لا أحد يتصورها بما في ذلك السيد بلعيد، ودخل قصر المرادية، فلن يكون إطلاقا رئيسا شابا في تاريخ الجزائر، التي لم يحكمها لحد الآن سوى سبعة رؤساء في أكثر من نصف قرن، أما أكبر المرشحين سنا عبد العزيز بوتفليقة الذي حطم رقما قياسيا بسنوات حكمه الممتدة على مدار 15 سنة، فإنه مرشح أيضا لتحطيم مزيد من الأرقام بأن يكون أول رئيس يتجاوز الثمانين من العمر، وهو على مقعد الرئاسة، حيث بلغ في بداية الشهر الحالي سن السابعة والسبعين، وإذا حصل على عهدة رابعة فسينهيها "بعد طول عمر" وهو في سن جاوز الثانية والثمانين، وهو حاليا من أكبر الرؤساء سنا في العالم، وحتى المنافس الأول للرئيس المترشح، السيد علي بن فليس مرشح للسير على خطى الرئيس الحالي، إن أحدث المفاجأة وحكم الجزائر، فبعد أن كان في انتخابات 2004 قد تحدث في الحملة الانتخابية عن أهمية السن بالنسبة لرجل الدولة إذا كان بين الخمسينات والستينات، فإنه هذه المرة دخل الانتخابات وسنه غير بعيد عن سن بوضياف عندما قدم إلى الجزائر رئيسا، وسيُنهي السيد بن فليس عهدته الأولى، إن حكم الجزائر في سن الخمسة والسبعين، وإن فكّر في عهدة ثانية، ولا نظنه لا يفكر فيها مع حلاوة الكرسي، فإنه سيطرق أيضا الثمانين، مع الإشارة إلى أن السيد علي بن فليس سيبلغ سن السبعين في الثامن من شهر سبتمبر القادم. أما الثلاثي، الذي صار أشبه بمدجنة الأرانب فهو في سن واحدة، حيث ستحتفل كما جرت العادة في النسختين السابقتين من الرئاسيات، السيدة لويزة حنون بعيد ميلادها في الثامن من أفريل، ولكن هذه المرة ستبلغ الستين من العمر، ويكبرها ببضعة أشهر السيد موسى تواتي الذي سيدخل الرئاسيات وهو في سن الستين وستة أشهر، ويصغرها ببضعة أشهر السيد فوزي رباعين الذي احتفل في أواخر جانفي الماضي بعيد ميلاده التاسع والخمسين، وبالرغم من محاولة السلطة تقديم وجوه غير متقدمة في السن في عرس انتخاباتها الرئاسية، إلا أنها فشلت وهو سباق الكبار في السن إذا قورن بسابق الرئاسيات في غالبية دول العالم.
أول دكتور يترشح للرئاسيات والليسانس قمة الشهادات بعد اثنين وخمسين سنة من الاستقلال، مازالت الجزائر، من دون رئيس حامل لشهادة البكالوريا التي تشكل بالنسبة للعائلات الجزائرية ضرورة وليس "بريستيج" يعيشون به ويتفاخرون، فغالبية الرؤساء الذين حكموا الجزائر من الجيل السابق، والأرانب الذين شاركوا في سباق الرئاسيات أيضا، لم يقدموا مستويات كبيرة، وإذا كان السباق في نسخ سابقة قد عرف مشاركة دكاترة من أمثال الدكتورين أحمد طالب الإبراهيمي ويوسف الخطيب المنسحبين من رئاسيات 1999 والدكتور سعيد سعدي في رئاسيات 2004 فإن الدكتور عبد العزيز بلعيد هو أول طبيب عام سيواصل المنافسة إلى غاية يوم الاقتراع، مع الإشارة إلى أن ابن مدينة مروانة بولاية باتنة، حاصل أيضا على شهادة ليسانس في الحقوق وشهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، بالرغم من أن الشهادة الأخيرة حصل عليها في جامعة التكوين المتواصل، ويعتبر عبد العزيز بلعيد أكثر المترشحين للرئاسيات تواصلا مع الجامعة، حيث كان أمينا عاما للاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين، كما كان من بين المشرفين على المؤتمر الدولي للشباب والطلبة الذي احتضنته الجزائر في صائفة 2001 وأسال الكثير من حبر الانتقاد، بسبب الملايير التي صرفتها الجزائر على وفود 120 دولة، ولا تنافس السيد بلعيد في تواصله بالجامعة، سوى السيدة لويزة حنون التي بمجرد دخولها جامعة عنابة، حتى قررت دخول المعترك السياسي، ولم تكن من المتفوقات في دراستها الجامعية، حيث كانت ضمن المشاركات في الإضرابات في زمن الرئيس هواري بومدين، وحتى عندما انتقلت للعمل في مطار عنابة الملاحة، بقيت علاقتها قوية بالجامعة وأيضا بالمنظمات الطلابية، وترى في تحركهم ونشاطها النقابي في المطار مكمّلا لحركة المجتمع، وحتى أول تهمة وجهت لها في حياتها عام 1983 وهي تهمة المساس بأمن الدولة جاءت على خلفية تحريكها لبعض الإضرابات الطلابية، وعندما غادرت السجن في ماي 1984 وجدت الطلبة الجامعيين إلى جانبها لمواساتها، فبقيت علاقتها من دون انقطاع لحد الآن مع الوسط الجامعي، وإذا كان عبد العزيز بوتفليقة قد تسلم وزارة الشباب والرياضة وهو في سن الخامسة والعشرين أو سن التحصيل الجامعي، فإن غريمه علي بن فليس حصل على شهادة البكالوريا من ثانوية حيحي المكي بقسنطينة، وحصل على الليسانس في الحقوق، ودخل بعدها عالم المحاماة، ولكنه مثل كل رجالات السياسة الجزائريين، بمجرد أن يحملوا حقيبة وزارية أو يرتقون في المناصب العليا للدولة، حتى يطلّقون التعليم بالثلاثة، أما السيد فوزي رباعين، فمنذ أن بلغ مستوى السنة الثالثة ثانوي حتى اختار أعمالا تجارية وهو حاليا يمتلك محلا للنظارات الطبية، كما أن السيد موسى تواتي بمجرد أن غادر بلدية تابلاط والتحق للدراسة في الجزائر العاصمة، اختار الانضمام للجيش الوطني الشعبي، بعد حصوله على شهادة البكالوريا، حيث تجنّد عاملا لمدة أربع سنوات، وحتى دراسته بقيت من دون تخصص وشهادات جامعية معروفة، إذ درس في سوريا وفي ليبيا، والملاحظ في السيرة الذاتية لهذا السداسي المترشح للرئاسيات، هو غياب الشهادات الجامعية الكبرى، خاصة من الجامعات العالمية المعروفة، ولا يوجد أي مرشح يبهر الجزائريين بتحصيله العلمي، وأحسنهم يمكن أن نجد مثيلا له في أي عائلة جزائرية في عمق المجتمع، وإذا كانت الجزائر مازالت بعد اثنين وخمسين سنة، تبحث عن رئيس درس في مختلف مراحل التكوين في الجزائر كما تكوّن أبناء الاستقلال، أو طلب العلم في جامعات عالمية كبرى، فإن ما يهمّ الجزائريين هو أن لا يُهمّش الحاكم دور الجامعة، لأن الشهادات الجامعية التي تطبعها أكثر من سنتين جامعة ومركز جامعي موجودة حاليا في الجزائر، ما عادت تقنع أحدا حتى ولو جمع العديد من شهادات الدكتوراه.
الجنوب يغيب مرة أخرى والشرق يترشح بقوة ولا يحكم بانسحاب السيد بن بيتور من السباق، وكان أول من تقدم كمرشح محتمل من الوزن الثقيل، يفقد الجنوب الجزائري فرصة نادرة وهي الوحيدة في تاريخ الجزائر ليقدم رئيسا، أو على الأقل مترشحا من هذه المنطقة التي اختفى رجالها من القمة، فاختفت عنها المشاريع الكبرى، وبقيت حبلى بالثروات وجافة في نفس الوقت، إذ عرفت الجزائر في سنوات استقلالها الثانية والخمسين أربعة رؤساء، من شرق البلاد، هم هواري بومدين ابن ولاية ڤالمة، والشاذلي بن جديد ابن منطقة الطارف، وعلي كافي ابن ولاية سكيكدة واليامين زروال ابن ولاية باتنة، ورئيسا واحدا من منطقة الوسط، هو محمد بوضياف الذي ينتمي لولاية المسيلة ورئيسين الأول والأخير من منطقة تلمسان، هما أحمد بن بلة وعبد العزيز بوتفليقة. ويسيطر مرة أخرى الشرق في الرئاسيات الحالية بعدد المترشحين الذي بلغ تعدادهم نصف المترشحين، وهم علي بن فليس وعبد العزيز بلعيد من ولاية باتنة، وهما ينتميان لولاية سبق لها وأن حكمت بقيادة اليمين زروال، وولاية جيجل التي تنتمي لها السيدة لويزة حنون التي ينتمي لها الراحل رئيس الحكومة المؤقتة عباس فرحات، ومرشحين من وسط البلاد أحدهما من ولاية المدية ابن مدينة بني سليمان موسى تواتي والثاني ابن العاصمة فوزي رباعين، ويبقى للغرب مرشح واحد، ولكنه الأبرز وهو عبد العزيز بوتفليقة، وباستثناء لويزة حنون التي لم تدخل الجزائر العاصمة سواء للدراسة أو كمقيمة فيها، إلا بعد تجاوزها سن الثلاثين، فإن البقية سافروا إلى الجزائر العاصمة، في سن مبكرة، فمثلا السيد علي بن فليس بعد انسحابه من الأفلان ومن الحكم، فضل البقاء في العاصمة حيث يقطن حاليا بالرغم من أن ابن ولايته الرئيس السابق اليمين زروال عاد إلى ولايته منذ أن غادر الرئاسة، ويعيش فيها حاليا ويستقبل ضيوفه، وكل أملاك لويزة حنون وفوزي رباعين وموسى تواتي وعبد العزيز بوتفليقة موجودة في الجزائر العاصمة، بينما تبقى العاصمة مكان إقامة فقط بالنسبة للسيد عبد العزيز بلعيد الذي قدّم ممتلكاته وحملت جميعا خارطة بلدته الصغيرة مروانة في ولاية باتنة. كل المترشحين يحاولون تقديم وجه غير جهوي، يلاحظ من خلال تعيينهم لمديري حملتهم الانتخابية، إذ فضل محيط الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة مراعاة الخارطة، فكما جعل رجالاته من الشرق بقيادة عبد المالك سلال ومن الغرب بقيادة عبد العزيز بلخادم ومن منطقة القبائل بقيادة أحمد أويحيى، قدّم في مختلف الولايات مديرين من كل الجهات وركز على الجنوب وعلى منطقة ميزاب أيضا، ولكن مسيرة كل مترشح وكثرة سفرياته أذابت الجغرافيا، فمثلا السيد موسى تواتي لا تجمعه بمسقط رأسه بني سليمان بولاية المدية سوى شهادة الميلاد فقط، حيث تنقل في الدراسة من تابلاط إلى الجزائر العاصمة وسافر مع صفوف الجيش إلى كل المدن الجزائرية من جنوبها إلى شمالها، وعندما عمل في وزارة التعمير والبناء، ثم في شركة الأبحاث المنجمية غادر ولايته نهائيا، ولا يذكر أهل الدشرة التي تنتمي لها السيدة لويزة حنون وهي قرية صغيرة جبلية تابعة لبلدة الطاهير بولاية جيجل أنها زارت المكان منذ أن صارت متسابقة رئيسية ضمن المترشحين للرئاسيات، ويبقى عبد العزيز بلعيد وطبعا فوزي رباعين الأكثر تواجدا في مسقط رأسهما، حيث لا يتأخر بلعيد عن زيارة مسقط رأسه مروانة، خاصة وأن والديه وأشقاءه مازالوا يقطنون هناك، ويصرّ منتقدو عبد العزيز بوتفليقة على أنه مرتبط بقوة بمنطقته تلمسان، ويذكرون عددا من المسؤولين الكبار التلمسانيين الذين منحهم مقاعد مهمة، ويضعون تلمسان حاليا كأجمل مدينة جزائرية على الإطلاق بفضل المشاريع الكبرى التي خصها بها رئيس الجمهورية، فتحولت إلى عاصمة أخرى تنافس وتتفوق على عاصمة الجزائر.
بوتفليقة حلُم بالرئاسة منذ 35 سنة وبلعيد أرنب جديد حلم الرئاسة اعتصر المترشح عبد العزيز بوتفليقة منذ وفاة هواري بومدين خاصة بعد أن خطف الأنظار في تأبينية الرئيس وتمكن من أن يبدع بلغة عربية ساحرة ولم يكن يعرفه الناس وهو وزيرا للخارجية سوى ناطقا بلغة فولتير، ولكن البساط سُحب من تحت قدميه لصالح الشاذلي بن جديد، وعندما سنحت له الفرصة بعد خمسة عشرة سنة خطفها ولم يتركها، وضمن سداسي السابق لا يوجد سوى عبد العزيز بلعيد الذي قد ينضم إلى مدجنة الأرانب التي صارت تضم نفس الأسماء، قد لا يكون ترشح عبد العزيز بلعيد الأول للرئاسيات، أما الرباعي الآخر فله من الخبرة في الترشح مالا يمتلكه أي أحد، لكن المراقبين هم على قناعة بأن السيد علي بن فليس سيلعب آخر حظوظه، ليس بسبب سن السبعين التي طرق بابها، وإنما لأنه يرفض أن يكون أرنبا طول العمر يشمّ رائحة الرئاسة من دون أن يتذوقها، كما فعل سعيد سعدي ونور الدين بوكروح اللذان رفضا معاودة تجربة السباق الفاشل، بينما يترشح السيد موسى تواتي للمرة الثالثة على التوالي حيث خسر امتحان المجلس الدستوري في المرة الأولى، وكان ضمن المتسابقين في الرئاسيات الأخيرة 2009، وحصل حينها على نسبة 2.31 بالمئة، وكان لعاب الرئاسيات قد سال عندما حصل في تشريعيات 2002 على 19 مقعدا وقيل حينها إن اسم حزبه شبيه بحزب الافلان عندما يكتب بالفرنسية وهو الذي مكّنه من خطف كل هذه المقاعد، ولكن فوزي رباعين هو الوحيد الذي يشارك لثالث مرة على التوالي حيث حل أخيرا في رئاسيات 2004 بنسبة مجهرية بلغت 0.63 يالمئة، وحصل في الثانية عام 2009 على نسبة 0.93 بالمئة من الأصوات، ولن يكون حاله في الثالثة أحسن من الأوليين، ويسجل التاريخ أن السيدة لويزة حنون كانت أول امرأة عربية تترشح للرئاسيات عام 2004 ورغم حظوظها المنعدمة أمام مترشح بوزن عبد العزيز بوتفليقة، إلا أنها واصلت الترشح في الاستحقاقين المواليين في 2009 و2014 وغايتها أن تتواجد في المركز الثاني بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبعد أن كان السيد علي بن فليس عام 1999 هو المدير للحملة الانتخابية للسيد عبد العزيز بوتفليقة، بالرغم من وجود مترشحين من الحجم الكبير من أمثال مولود حمروش وآيت أحمد وأحمد طالب الابراهيمي وعبد الله جاب الله ويوسف الخطيب، ترشح لأول مرة للرئاسيات عام 2004، وحصل على المركز الثاني بنسبة 6.24 بالمئة بعيدا جدا عن أرقام الرئيس بوتفليقة التي قرعت 84.99 بالمئة، ويعوّل هذه المرة على غياب منافسه القوي عن الساحة في الحملة الانتخابية لتحسين نسبته ويأمل في المرور إلى الدور الثاني الذي لم يسبق وأن حدث في الرئاسيات المتعددة في الجزائر، صورة السباق تبدو طبق الأصل، ولكن بالتصوير البطيء، فالفائز واحد ولكن سرعة السباق بسبب سن المتسابقين تغيرت.