جدد رئيس الجمهورية تعهده بإعادة "فتح ورشة الإصلاحات السياسية التي ستفضي إلى مراجعة الدستور مراجعة توافقية"، مؤكدا مرة أخرى ذلك انطلاقا مما يحذوه من "إرادة حازمة بتعزيز الوفاق الوطني وجعل الديمقراطية تقطع أشواطا نوعية جديدة"... ففي كلمته التي وزعت على الصحافة على هامش مراسيم أداء اليمين الدستورية، بدا الرئيس عازما على تغيير تعامله مع الشركاء السياسيين، عندما كشف نيته إشراك القوى السياسية وأبرز منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية في هذا العمل الذي وصفه ب "البالغ الأهمية"... وبهذا يكون بوتفليقة قد اعترف ضمنيا أن النهج الأحادي الذي نهجه طيلة الفترة السابقة لم يكن صائبا، وأن الإصلاحات التي أقرها لم تكن ناجحة بدليل أنه وجد نفسه مضطرا إلى إعادة فتح هذه الورشات ودعوة الشركاء السياسيين إلى المساهمة في هذا المسعى لتثمر الجهود حلولا مشتركة ونتائج توافقية.. لكن ما الذي يجعل الشركاء يثقون بالرئيس بعد أن قاطعهم وأقصاهم في فتراته الرئاسية السابقة... ولماذا انتظر الرئيس إلى غاية العهدة الرابعة وربما الأخيرة ليعود إلى الحوار وإشراك المعارضة والشخصيات الوطنية في عملية الإصلاح ووضع دستور جديد وصفه ب "التوافقي"؟ بالنظر إلى المنطلقات والتفاصيل يبدو أن الطرفين: السلطة والمعارضة، يقفان على طرفي نقيض.. وعليه فالظاهر أن المعارضة لن تكون متحمسة لدعوة الرئيس، ولا مستعدة للانخراط في سيرورته وإن كانت إصلاحية.. فالمعارضة على اختلاف مشاربها تركز جهودها ومساعيها على ضرورة تغيير النظام وليس مشاركته في وضع الإصلاحات.. كما أن منطق الأشياء وتجربة الرئيس في ممارسة الحكم ونظرته إلى المعارضة لا يبعثان على الاعتقاد بأن السلطة مستعدة لتدخل مسعى يشكك في أحقيتها للحكم وشرعية بوتفليقة في رئاسة البلاد، وتحاور المعارضة على هذا الأساس، بل إن ذلك يعد من المستحيلات، بل لا يمكن تصوره... لقد كان بوتفليقة واضحا في كلمته بتحديد خارطة الطريق وفق معالم معينة وأهداف مسطرة تبدأ بالعمل على:"تعزيز الفصل بين السلطات وتدعيم استقلالية القضاء ودور البرلمان" ومرورا ب:"تأكيد مكانة المعارضة وحقوقها" وانتهاء ب:"ضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين" إلى جانب طبعا ما يسميه "تحسين جودة الحكامة والقضاء على البيروقراطية " وكذلك "محاربة الجرائم الاقتصادية وفي مقدمتها الفساد وحماية الإطارات المسيّرة في أداء مهامها وكذا مواصلة التنمية في مختلف المجالات.. وهذا يؤكد أن شرعية الحكم غير مطروحة البتة بالنسبة إليه... لا شك أن تعارض طبيعة الإصلاح ووسائله ستزيد من درجة الاحتقان في الشارع وستدفع بالمعارضة إلى مزيد من الضغط والتصعيد خاصة إذا نجحت محاولات التنسيق بين مختلف مكوناتها، لتزداد تشبثا بخيار التغيير السياسي الذي تطرحه كبديل في المرحلة القادمة، مما سيدفع بالسلطة إلى الانفراد بالإصلاحات والمضي بها قدما بأي ثمن ولو بالاكتفاء بحلفائها وفي غياب المعارضة، وهذا سيضع السلطة والمعارضة في مواجهة مفتوحة... القراءات المتفائلة لمستقبل الحراك السياسي في الجزائر، وإن كانت أقرب إلى الأمنية منها إلى التحليل تذهب إلى التأكيد بأن الفرصة لا تزال متاحة للرئيس للخروج من الباب الواسع بفرض إصلاحات جذرية تكون شبيهة بما تطالب به المعارضة في آخر المطاف مع بعض الاختلاف في التوقيت والأسلوب والأداة... والحجة في ذلك أن الرئيس يرغب حقا في تخليد اسمه باعتماد إصلاحات تغير جوهر النظام وتؤسس لجزائر جديدة، كما ظل يعد منذ تمكينه من رئاسة البلاد، بعد أن مهد الطريق لذلك بتذليل الصعاب وإزالة العقبات بقرارات توحي بأنه تمكن من تحييد القوى المقاومة للتغيير والرافضة له مبدئيا...