كشف قرار الرئيس بوتفليقة القاضي ب "إعادة فتح ملف الإصلاحات السياسية"، عن مؤشر يصب في دائرة الانتقادات التي وجّهتها المعارضة إلى السلطة قبل عامين من الآن، والتي اتهمتها آنذاك ب "إفراغ" المشروع من محتواه وتقديم "إصلاحات ممسوخة ومشوهة". فقد أكد الرئيس المعاد انتخابه في الخطاب الذي أعقب أداءه اليمين الدستورية، أن "إرادة حازمة تحذوه" من أجل "تعزيز وفاقنا الوطني وجعل الديمقراطية تقطع أشواطا نوعية جديدة"، معلنا عن إعادة "فتح ورشة الإصلاحات السياسية التي ستفضي إلى مراجعة الدستور مراجعة توافقية". ومعلوم أن أحزاب المعارضة كانت قد انتقدت بشدة الصيغة النهائية، التي آلت إليها حزمة قوانين الإصلاحات التي أطلقها الرئيس في خطابه الشهير في 15 أفريل 2011، واتهمت آنذاك، حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، بإفراغها من محتواها، إثر التعديلات التي أدخلت عليها في البرلمان، المحكوم بقبضة حديدية من قبل أحزاب الموالاة. وكان من نتائج تلك "الإصلاحات المشوهة"، كما تقول المعارضة، برلمان فاقد للشرعية، وإدارة محلية بمجالس تعيش على وقع انسداد عطل مصالح الجزائريين، وفي النهاية استمرار منطق "الستاتيكو"، الذي كانت تريده السلطة لربح المزيد من الوقت، وإن كانت مخاطر ذلك على استقرار البلاد غير مأمونة العواقب. وبإعلان القاضي الأول اعتزامه الاستماع مجددا إلى "القوى السياسية وأبرز منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية" من أجل استلام مقترحاتهم لما يحضر له من مراجعات، تكون البلاد قد ضيعت ثلاث سنوات كاملة، في وقت كان يمكن أن تكون تلك السنوات قد استثمرت في نقل الجزائر إلى وضع سياسي يطبعه "تعزيز الفصل بين السلطات وتدعيم استقلالية القضاء ودور البرلمان وتأكيد مكانة المعارضة وحقوقها وضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين"، لو تم استغلال الإصلاحات السابقة كما يجب. أكبر تنازل يمكن أن تنخرط فيه السلطة، هو جلوسها "بصدق" إلى المعارضة، والذهاب معا إلى دستور توافقي لا يقصي أحدا، غير أن هذا الوعد يبقى محل شكوك في نظر المعارضة، إلى أن يجسد على أرض الواقع، وهو أمر يبدو مبررا على الأقل، بالنظر إلى الممارسات السابقة للسلطة، التي كثيرا ما استمعت إلى مقترحات المعارضة، ثم لم تلبث أن نكصت على عقبيها مجسدة وفاءها لمنطق الأحادية في الفكر والممارسة. السياق الذي جاءت فيه دعوة الرئيس بوتفليقة لإصلاحات سياسية جديدة أمس، لا يختلف كثيرا عن الوضع الذي كان يخيم على البلاد، في أفريل قبل ثلاث سنوات، ففي 2011 كان ما يعرف ب "الربيع العربي" يحوم على الجزائر من كل جوانبها، بل إنه دخلها فعلا عبر بوابة ما عرف ب "احتجاجات الزيت والسكر"، غير أن السلطة نجحت في توظيف منطق شراء السلم الاجتماعي، لغلق المنافذ أمام مخاطر تململ الشارع، من جهة، وتقديم وعود سياسية لم يتحقق منها شيء، في نظر المعارضة طبعا. اليوم وبعد ثلاث سنوات، يبدو المشهد وكأنه هو، لكن مع بعض التعقيدات، فتململ الشارع لا يزال يزرع الخوف لدى السلطة، أما المعطى الجديد، فيبقى التقارب غير المسبوق للمعارضة والتقاءها على منطلق واحد وهو رفض ممارسات السلطة والدعوة إلى فتح المجال السياسي وبسط الحريات، في مقابل سلطة يقودها رئيس مريض.. وهو ما يعزز المخاوف من أن تكون الوعود الجديدة، التي أطلقها الرئيس بوتفليقة، مجرد مناورة أخرى لامتصاص غضب المعارضة واللعب على عامل الوقت في انتظار تفككها.
مناصرة: المرحلة تتطلب توافقا بين السلطة والمعارضة أكد عبد المجيد مناصرة رئيس جبهة التغيير الوطني أن المرحلة القادمة تتطلب وجود "توافق" بين المعارضة والسلطة وتستوجب تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة وترقية المصالحة الوطنية وتعزيز الحريات الفردية والجماعية واحترام الرأي والرأي الآخر. ودعا مناصرة إلى "فتح قنوات الحوار بين السلطة والأحزاب السياسية المعارضة للوصول إلى حل القضايا المطروحة على الساحة الوطنية خدمة للمصلحة العليا للبلاد".
ساحلي: خطاب بوتفليقة يعكس التزامه بوعوده أوضح بلقاسم ساحلي الأمين العام لحزب التحالف الجمهوري أن الخطاب الذي ألقاه رئيس الدولة أمس "يعبر عن التزامه لتجسيد الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية لرئسيات 17 أفريل وتجسيد الأمن والاستقرار"، مضيفا أن خطاب رئيس الجمهورية "تضمن العديد من المحاور الهامة" منها مشروع تعديل الدستور وتعميق الممارسة الديمقراطية وتعزيز الحريات وتحرير المبادرات الاقتصادية لمواصلة مسار التنمية وتقليص التبعة لاقتصاد المحروقات.
النهضة: الإصلاحات يجب أن تكون بمحتوى سياسي اعتبرت حركة النهضة حفل مراسيم أداء اليمين الدستورية فصلا من فصول مسيرة سياسية خاطئة غيبت فيه الإرادة الشعبية مرة أخرى. وقد أرادت السلطة-حسبها- أن تُسوق هذا الحدث على أنه خلاصة لعملية انتخابية سليمة غير أن واقع مجريات رئاسيات 2014 تثبت غير ذلك، من خلال المقاطعة الكبيرة غير المسبوقة. وثمنت النهضة موقف نوابها بالبرلمان بعدم المشاركة في هذه المناسبة تماشيا وانسجاما مع الموقف العام للحركة وهو مقاطعة رئاسيات 17 أفريل 2014. وسجلت في بيان لها، وقعه رئيسها محمد ذويبي، أن الخطاب الكتابي لرئيس الجمهورية والموزع على الحضور، أعاد عجلة الزمن إلى الوراء بالكلام عن قضايا تم استهلاكها في الماضي، كما سجلت ازدواجية في الخطاب، مشيرة إلى أن الحديث عن أي إصلاح يجب أن يكون بمحتوى سياسي وبأهداف واضحة وضوابط معلومة وآليات متفق عليها، ودون ذلك يبقى- برأيها- هذا الكلام بغير جدوى.