أحزاب وجمعيات محسوبة على الموالاة وأخرى على المعارضة، قرّرت الخروج أو النزول إلى الشارع، في ذكرى 24 فبراير، الموافق لتأميم المحروقات، والحقيقة أن الحديث عن الخروج أو النزول إلى الشارع، يعطي الانطباع أن هؤلاء وأولئك لا يتذكرون هذا الشارع إلا في الذكريات والمذكرات وأعياد الميلاد، وما عدا ذلك فإنهم مسجونون في مكاتب مكيّفة! لا يعتقد أيّ عاقل، أن هذا الشارع الذي يعني المواطن البسيط، ينتظر همز وغمز ولمز أطياف الطبقة السياسية، حتى ينتفض أو يحتجّ أو يشارك في مسيرات "عفوية وتلقائية" أكدت التجارب أن المغبون والمعذب والزوالي لا ينتظر إشارة من أيّ كان للتعبير عن آهاته وآلامه وأحلامه! الاستغلال السياسي لمشاكل الأغلبية المسحوقة، وتوجيه الانشغالات بما يخدم هؤلاء أو أولئك، هو الذي أفقد بقايا الثقة، ووأد المصداقية، وأفرغ الحكومة بوزرائها والأحزاب بنوابها وأميارها، من محتواها، وأعجزهما عن استدراج "شعيب الخديم" وتجنيده وتحريك أحاسيسه التي قتلوها بالتيئيس والوعود الكاذبة وعقلية أكل الغلّة وسبّ الملّة! المواطن البسيط هو أكبر سياسي محنّك، مقارنة بقيادات سياسية تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول، ولا تظهر إلاّ إذا عادت الانتخابات أو الصراعات، وعندما يتعلق الأمر برفع نسبة المشاركة في المواعيد الانتخابية، أو ملء قاعة سينما أو حتى "كافيتيريا"، فإن الساسة يعجزون ويفشلون! اتركوا الشارع وشأنه، وإذا تذكرتموه، فتذكروا كيف تحلوا مشاكله العديدة والمتعددة، كيف تنزلون للاستماع إليه والتضامن معه، لا لإخراجه في احتجاجات وتظاهرات، سواء للتأييد أم للتنديد! نعم، الأغلبية المسحوقة "كرهت" السياسيين وكرهت "أكاذيبهم" وكرهت مسكناتهم وكرهت ألعابهم وألاعيبهم.. كرهت "الهفّ" وكرهت "الفستي" وكرهت "التبلعيط"، وكرهت أيضا الاستغلال والتحريك بما يعطل ولا يحرّك، وإذا حرّك فإنه لا يحرّك سوى المياه الراكدة! الشارع لم يعد ملكا للطبقة السياسية، تلهو به متى ومثلما تشاء، فالتجارب السابقة، وبينها تجربة التسعينيات، جعلت البسطاء يحفظون الدرس جيّدا، ويسحبون الثقة من سياسيين مخادعين، ولذلك أصبحت أغلب الاحتجاجات "بعيدا عن السياسة" ومرتبطة أو تكاد تكون فقط وحصريا في انشغالات اجتماعية تقابلها مطالب مشروعة، عجزت الحكومات المتعاقبة ومعها البرلمانات والمجالس المخلية والأحزاب في حلها!
الشارع ليس "لعبة منسية" يقصدها "الأطفال الكبار" من مختلف العائلات السياسية، للتسلي بها و"تفويت الوقت"، وإنّما هو قوة سحرية يملكها من لا يملك أسلحة الدمار الشامل!