يعقد اليوم حزب جبهة التحرير الوطني، مؤتمره العاشر في جو عاصف، يطبعه الصراع بين مختلف أجنحته، حول العديد من المسائل، بداية بمدى شرعية التحضير له، كما يقول المعارضون، وانتهاء بدور هذه المحطة وما إذا كانت ستنهي سنوات من التململ والتمرد ضد قيادات هذا الحزب المتعاقبة. "الملف السياسي" لهذا الخميس، سيعرض إلى خصوصية "الحزب الجهاز"، ويحاول تفكيك لغز زكامه كلما أمطرت في قمة هرم السلطة. لم يفارق السلطة منذ ولادته قبل نصف قرن الأفلان الحزب الجهاز.. ولد ليحكم بات أي تململ في حزب جبهة التحرير الوطني، مؤشرا على اندلاع صراع على مستوى عال في قمة هرم السلطة، وهكذا ظل الحزب العتيد مسرحا لكل المعارك التي عاشتها البلاد على مدار أزيد من نصف قرن. وتعطي هذه القراءة مصداقية لتسمية "الحزب الجهاز"، التي عادة ما يطلقها أبناء الأفلان على حزبهم، فهو، وإن كان يخضع لقانون الأحزاب، ويشارك كغيره في الانتخابات، إلا أن ثقله في الواقع يتجاوز مفهوم الحزب، ويتحوّل إلى مجرد أداة وآلية توظفها السلطة في ممارسة الحكم، بما يرسخ، ظاهريا، مرحلة التعددية السياسية التي دخلتها البلاد في نهاية الثمانينات. فعلى الرغم من أن "الأفلان"، يوجد ضمن حظيرة تحصي أكثر من ستين حزبا، وهو معطى يصب في مصلحة البضاعة السياسية التي تسوّقها السلطة، إلا أنه يبقى يمارس الأحادية، على الأرض، بسبب العلاقة غير الطبيعية التي تربطه بالسلطة، بحيث تسخّر له الإدارة وتجيّش له الإرادات داخلها في كل الاستحقاقات، حتى يبقى مهيمنا على المشهد السياسي. كما يعتبر "العتيد" بمثابة الحديقة الخلفية للنظام، فعن طريقه يكرّم رجالات السلطة وخزانها من شخصيات الجمهورية، وعبره يوزّع ريع المسؤوليات عن طريق العضوية في البرلمان بغرفتيه وفي الوزارات والسفارات وبقية مؤسسات الدولة، بما فيها تولي المناصب السامية في الشركات العمومية.. وتجسّد هذه القراءة مقولة بلعياط الشهيرة في العام 1996 بعد أن أنهى بنجاح رفقة كل من حجّار وبودينة ما عرف ب "المؤامرة العلمية"، ضد الحكيم الراحل، عبد الحميد مهري، التي جاء فيها: "كنا منا السفير ومنا الوزير، ولما جاء مهري على رأس الحزب، حرمنا من كل شيء". وتصبّ عبارة بلعياط في التوجه القائل بأن الأفلان ولد لكي يحكم ويمتع أبناءه بالامتيازات ويمكنهم من الريوع، وليس ليكون في المعارضة، ولهذا لم يلبث الأمين العام الأسبق، بوعلام بن حمودة، الذي خلف الراحل مهري، أن أعاد "حليمة إلى عادتها القديمة"، ومع ذلك لم يلق الطريق محفوفا بالورود مثلما توقع، لأن السلطة عاقبته بإدخال ضرة له إلى بيت الزوجية، عقابا لتمرّده، ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي، في العام 1997، وهي الضرة التي بقيت المحظية الأولى لدى السلطة، لمدة خمس سنوات كاملة، قبل أن يعيد بوتفليقة الأمور إلى نصابها، في العام 2002. وإلى غاية اليوم، لا يزال الأفلان، المحظية الأولى للسلطة، وهو ما يعني أن ما يحدث على مسرح المؤتمر العاشر من صراعات وتجاذبات، هي واجهة لما يحدث بين رجالات الخفاء، من أجل التموقع تحسبا لاستحقاقات مقبلة، ليس بالضرورة أنها تتعلق بانتخابات، لأن ذلك يعتبر مجرد رافد من روافد الصراعات، ولكنها أبعد وأكثر تشعّبا من ذلك بكثير. قليل من الديمقراطية وكثير من "المهماز" الأفلان.. أمين عام جديد لكل "ترتيب سياسي" طارئ ر غم أنه كان رمزا للأحادية، إلا أن الأفلان صنع الاستثناء في مسألة التداول على قيادته، متجاوزا عقدة "الزعيم الأبدي" في صورة حنون وسعدي وجاب الله.. حيث تداول عليه 11 أمينا عاما. بعد أحداث 5 أكتوبر، كان لزاما أن "يضحي" النظام بأحد أبنائه، أحد ممن يٌنظر إليهم على أنه رمز للأحادية، فكان خيار إبعاد محمد شريف مساعدية، وكان ذلك إيذانا بدوران عداد سقوط مسؤولي الآفلان الذي سجل أن لا أمين عام أكمل عهدته كاملا، فهذا "حكيم الجزائر" الراحل عبد الحميد مهري الذي تسلم قيادة الحزب خلفا لمساعدية، عمل على تبييضه، بنقله إلى المعارضة بعد ما كان "ظهرا يركب وضرعا يحلب" من قبل النظام، غير أن ذلك لم يشفع له، فحرك النظام بيادقه (حجار، بلعياط، بودينة) فيما عرف بالمؤامرة العلمية، وتم استكمال فصول إسقاط مهري في اجتماع اللجنة المركزية لعام 1996. صاحب مقولة "قالولي"، بوعلام بن حمودة، ومع اقتراب موعد رئاسيات 1999، أبان عن رغبة في أن يكون "فارس" الحزب فيها، وإن لم يكن كذلك فالخيار المتاح للأفلان دعم المجاهد يوسف الخطيب، على حساب بوتفليقة، لكن بن حمودة سرعان ما تراجع عن خياره وعلّل دعمه هذا ب"قالولي"، ولم يشفع له ذلك، وبدأ مسعى الإطاحة به، ولم يستطع المقاومة، فاٌبعد من منصبه قبل المؤتمر بعد تلقيه الإشارة بأنه بات غير مرغوب فيه. ويظهر أن الرغبة في الرئاسة تحرق الأفلانيين، وهو ما حصل مع ابن الأوراس، بن فليس، الذي قربه الرئيس بوتفليقة، فمن مدير لديوانه إلى رئاسة للحكومة، وفي نهاية 2003 أعلنها صراحة انه سيخوض انتخابات الرئاسة، وقام خلال المؤتمر الثامن بنزع صورة بوتفليقة من القاعة، وألقى خطاب مرشح للرئاسيات لا أمينا عاما للحزب، بعدها مباشرة بدأ "التخلاط".. واختير بعدها بلخادم أمينا عاما، بعد أن أقحمت العدالة في أزمة الحزب واشتغلت ليلا فسميت "عدالة الليل" التي قضت بإبطال مؤتمر بن فليس. متاعب بلخادم، بدأت مبكرا، وانطلقت مع المؤتمر الثامن الجامع في عام 2004، وتحديدا مع اختيار أعضاء الأمانة والهيئة التنفيذية التسمية التي اعتمدت خلال المؤتمر، ثم تم التراجع عنها فلم لم يجد اسمه في العضوية ناصب العداء له، وازدادت مساحة الغاضبين في تشريعات 2007، وتوسعت مع المؤتمر التاسع الذي عقد في 2010 بعد ما حيّد الكثير من "الفيلة" من عضوية المكتب السياسي، وهكذا لكم يكتب لبلخدام الاستمرار إلى غاية انتهاء عهدته فوجد نفسه في مواجهة "العواصف" التي أطاحت به في موقعة "الرياض"، فيما يتحدد اليوم في المؤتمر العاشر إن كان سعداني سينضم لقافلة أسلافه.
مسؤول التنظيم في الأفلان مصطفي معزوزي ليس الأمناء العامون السابقون من يعطي الشرعية للمؤتمر يدافع القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني مصطفى معزوزي في هذا الحوار القصير، عن شرعية المؤتمر العاشر للأفلان، معتبرا أن الموقعين ضد سعداني قِلّة قليلة لا يتجاوز عددهم 35 عضوا باللجنة المركزية والباقي نواب لا أكثر. إذا المؤتمر سيعرف غياب ثلاثة أمناء عامين سابقين لجبهة التحرير الوطني، ألا يطعن ذلك في شرعيته؟ ليس لدينا معلومات بغياب هؤلاء الأمناء العامين السابقين، والمؤتمر يستمد شرعيته من المندوبين ال3500 وهم من يعطيه المصداقية، وأريد التأكيد على أن الأمناء العامين السابقين من واجبهم أن يحضروا ويدعون للمصالحة داخل الحزب بعد عامين من فتنة مفتعلة، وأعيد وأكرر حضورهم مرحب به. إضافة إلى ذلك فأنا أوجه لهم دعوة نضالية من أجل الحضور تماما مثل ما فعل الأمين العام عمار سعداني، ثم إن أمناء عامين سابقين حدث وأن تغيبوا عن مؤتمر الحزب، وإضافة لذلك حتى بن فليس لن يحضر وهو كان أمين عام سابق إذن فالكل اختار طريقه بنفسه.
عدم حضور أمناء عامين سابقين للحزب ألا يعطي الانطباع بأن هناك تجاوزات في التحضير للمؤتمر ال10 وأن هذا الأمر تمت "إخاطته" على المقاس؟ هذا القول يصح إذا أخذ الأمناء العامون السابقون برأي جهة معينة، لكن لا أعتقد أنهم متأثرون بآراء الغير، وهم أنفسهم مروا بأزمات خلال إشرافهم على الحزب، والفرق بين أزماتهم والأزمة الحالية، هو في كون الأزمة الحالية مفتعلة، ومن باب الواجب تجاه حزبهم أن يحضروا المؤتمر الذي سيضع الحزب على السكة الطبيعية، أين سيشهد القانون الأساسي ثورة حقيقية، بعد أن ساد الارتجال خلال السنوات الماضية، وتم تغييب القانون الأساسي، وحدثت تأويلات له وبعض التجاوزات.
كيف تفسرون ارتفاع حدة المعارضين وعددهم عشية انعقاد المؤتمر؟ أؤكد لك أن هذه الجماعة "ما كاين والو"، ونحن نعرفهم بالإسم، وخلال اجتماع اللجنة المركزية سيكتشفون مفاجآت كبيرة، لأن أرقاما خيالية تسوق الآن عبر وسائل الإعلام، فالقائمة قديمة وتضم نوابا وليس أعضاء لجنة مركزية، والقائمة أصلا تعود إلى الصراع السابق حول الكتلة البرلمانية. وما وجب التأكيد عليه هو أن القائمة المرفقة لبيان صالح ڤوجيل التي نشرت في الصحافة ليس فيها أكثر من 35 عضوا في اللجنة المركزية وجلهم من النواب وليس من أعضاء اللجنة المركزية.
العدالة فصلت في النزاع ساعات قليلة قبل المؤتمر، ألا يعتبر هذا توظيفا للعدالة وجعل الطرف الآخر أمام الأمر الواقع؟ العدالة فصلت، وقبل ذلك أعطت مهملة للطرفين محل النزاع ومنحتهم أسبوعا من اجل تقديم العرائض لا أكثر ولا أقل، والإجراء مرّ بشكل عادي لتوكيل محامين من الطرفين ودراسة العرائض المقدمة من كل طرف، والعدالة اتخذت القرار طبقا لضمير القاضي.
أحمد رواجعية الخبير في علم الاجتماع السياسي يقرأ ظاهرة الأفلان فقد هويته الثورية وصراعاته انعكاس لارتباطه بالسلطة يرى أحمد رواجعية، المختص في علم الاجتماع السياسي، أن جبهة التحرير الوطني فقدت هويتها الثورية المدافعة عن المكاسب الاجتماعية وتحولت إلى شريك متواطئ مع صناع القرار وبارونات القطاع الخاص، معتبرا أن ما يعيشه الآفلان اليوم من صراعات هو انعكاس طبيعي لفقدان استقلاليته كحزب سياسي. تعيش جبهة التحرير الوطني على وقع احتجاجات عنيفة بين أجنحة متصارعة على قيادة الحزب عشية انعقاد المؤتمر العاشر، ما هي قرأتك لما يحدث داخل الحزب؟ قراءتي للمواجهات والصراعات الحاصلة بين التيارات المختلفة داخل حزب جبهة التحرير الوطني هي أن التحديات التي تحكم هذه الصراعات ليست سياسية بأتم معنى الكلمة، وليست نضالات تنافسية يحركها مشروع مجتمعي، ولكن هذه الصدامات سببها المصالح الشخصية والانتهازية المحضة، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على جهاز الحزب، ويحاول طمس الأطراف الأخرى، هذه هي الأسباب الحقيقية، التي دفعت باقتراب المؤتمر العاشر للحزب، بالأطراف إلى الانخراط في صراعات على جبهات متعاكسة. لماذا برأيك إذن لم تعد الصراعات داخل الآفلان من أجل تنفيذ مشاريع مجتمعية، بقدر ما هي "هوشة" على الكراسي والمصالح والمنافع؟ أجبت عن هذا السؤال في وقت سابق بالقول إن الآفلان ليس كما كان عليه قبل 1962 ذلك الحزب الثوري الذي يجسد أحلام وتطلعات الشعب في تقرير المصير والحرية... فهو يعتبر الآن في نظر السواد الأعظم من الشعب، مجرد مجموعة من المصالح الضيقة التي تضحي بمصالح الأمة على مذبح المنافع الخاصة. ولن ينخدع أحد بنفاق وتواطؤ الأفلان وتحالفه مع مصالح صناع القرار والقطاع الخاص، ولم يعد الآفلان ذلك الحزب الثوري والوطني كما كان بين 1954 و1962 السنة التي شرع في عملية تحول نتيجة لانهيار القيم الأخلاقية والفساد المترامي الأطراف. يعني هذا أن الآفلان رغم عقود من الوجود لم يتمكن بعد من الاستقلالية عن الحكم، وبالتالي ما يعيشه يعتبر انعكاسا لصراع في أعلى هرم السلطة؟ أعتقد أن جبهة التحرير الوطني شريك حتمي لا مفر منه للسلطة السياسية على الرغم من "الاستقلالية" الظاهرة للحزب، وقد احتفظ بهذه المكانة في النظام "التعددي" بعد تعديل دستور فبراير 1989، وبالتالي فهو جزء لا يتجزأ من السلطة، ما يعني أنه يتأثر بشكل أو بآخر بأي اضطرابات في أعلى هرم السلطة، كما يحظى في نفس الوقت بتأييد جماهيري لقطاعات لازالت تؤمن به، بالرغم من النكسات وخيبات الأمل التي يتعرض لها الحزب. هناك من يرى أن الآفلان حزب "المؤامرات العلمية" حيث يكفي أن توجه السلطة بأصابعها للمناضلين لتنحية من تريد وتعين من تريد؟ غير أن أنصار الحزب يرون في الآفلان الحزب الوحيد الديمقراطي في الساحة حيث يتم التداول على القيادة، عكس الأحزاب الأخرى التي بقيت بنفس القيادة منذ تأسيسها؟ "المؤامرة العلمية" ليس لها أي معنى في الآفلان، وكل ما في الأمر أنها مجرد مؤامرات داخلية، كما أن السلطة السياسية لم تتحكم في حليفها التقليدي والسيطرة على هيئاته باعتبار أنه شريك لها. أما بالنسبة لادعاءات أنصار الآفلان، بأن الحزب هو الديمقراطي الوحيد في الساحة من خلال التداول على المناصب السياسية داخله، فهذه دعاية تهدف إلى خداع الرأي العام أكثر من أي وقت مضى.