أغلق الرئيس بوتفليقة ملف الحديث عن العهدة، بإعلانه استكمال مهامه الدستورية، فماذا بقي بيد المعارضة من أوراق يمكن أن تلعبها، وهي التي لطالما راهنت على هذه الورقة في أجندتها السياسية؟ ولماذا أصبحت المعارضة فجأة "محل تقدير" من قبل الرئيس وهو الذي لم يتورع قبل نحو ثلاثة أشهر، في اتهامها بممارسة سياسة الأرض المحروقة؟ وهل موقف الرئيس الجديد صادق أم مناورة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها الملف السياسي لهذا الخميس. سبق له أن اتهمها بممارسة سياسة الأرض المحروقة لهذه الأسباب غيّر الرئيس موقفه من المعارضة خلّف خطاب الودّ، الذي بلوره الرئيس بوتفليقة تجاه المعارضة، بمناسبة الذكرى ال53 لعيد الاستقلال والشباب، جملة من التساؤلات حول خلفية هذا التحول المفاجئ، إلى درجة جعلت الكثير من المتابعين يتساءلون حول جدية هذا التوجه، وما إذا كان الأمر مجرد مناورة. وما عزز من صدقية قراءة المشككين، هو أن الرئيس وقبل نحو أقل من ثلاثة أشهر من هذه الرسالة، كان قد هاجم المعارضة بشدة ووجه لها انتقادات لاذعة، عندما اتهمها: ".. إنني متوجس خيفة مما قد يقدم عليه من منكرات، أناس من بني جلدتنا، اعترتهم نزعة خطيرة إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة في مسعاهم إلى الوصول إلى حكم البلاد حتى ولو كان ذلك على أنقاض دولتنا وأشلاء شعبنا". ثم يعود الرئيس ليقول مطلع الأسبوع بلهجة مغايرة: ".. هذه هي الرسالة التي أوجهها، في هذا اليوم الذي تتوحد فيه قلوبنا، إلى الطبقة السياسية في البلاد، وفي المقام الأول إلى فعاليات المعارضة التي محلها من نفسي محل التقدير، ذلك أن المعارضة تؤدي دورها، في كنف مراعاة أخلاقيات الديمقراطية..". فالمعارضة إذن لم تعد تلك التي تمارس سياسة الأرض المحروقة، بل محل تقدير وتؤدي دورها وفق أخلاقيات الديمقراطية، بالرغم من أن أيا من قادتها لم تغير ولا تعرضت مواقفها للتعديل أو المراجعة. خطابان لا يلتقيان من حيث التوصيف، فما الذي تغيّر في فترة الثلاثة أشهر، حتى يتحول الموقف بهذه الحدية؟ لا شك في أن الرئيس بوتفليقة أطرى على المعارضة، لكنه في الوقت ذاته، رفض لها مطلبا اتخذته محورا لنشاطها على مدار السنتين الأخيريين، وذلك من خلال تأكيده على استمراره في أداء مهامه الدستورية رئيسا إلى غاية انتهاء عهدته، وهو موقف تبغضه المعارضة ووقعه أشد عليها من أي قرار آخر، مثلما أدخلها في متاهة. القارئون المحايدون للموقف الجديد للرئيس من المعارضة، يرجّحون فرضية الاعتبار الخارجي، لا سيما وأن الخطاب جاء بعد صدور تقرير كتابة الدولة الأمريكية حول وضع حقوق الإنسان في العالم، والذي انتقد وضع حقوق الإنسان في الجزائر، وكان وراء استدعاء سفيرة واشنطن لتبليغها احتجاج السلطات الجزائرية. كما يمكن إدراج "خرجة" الرئيس، بحسب المتابعين، في خانة أسلوب المناورة الذي يعرف عنه، والذي يهدف إلى إرباك الخصوم السياسيين، ودفعهم إلى مراجعة حساباتهم وأجنداتهم، وتجلّى ذلك من خلال قول رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، معلقا على خطاب الرئيس: "من حقه أن يتمسك باستكمال عهدته، ومن حقنا أن نطالب بانتخابات رئاسية مسبقة"، علما أن المعارضة سبق لها وأن طعنت في شرعية العهدة الرابعة.
لا رئاسيات ولا تشريعيات ولا محليّات مسبقة بوتفليقة يتحدّى.. فأين "شجعان" المعارضة؟ تواترت في الآونة الأخيرة قراءات المعارضة بشأن المرحلة القادمة، وتوجهت في عمومها إلى أن السلطة ترتّب لاستخلاف الرئيس بوتفليقة، وهذا بناء على جملة من التحولات التي عرفتها الحكومة وأحزابها، ما أعطى خصوم العهدة الرابعة نفسًا جديدًا، ودفع بهم إلى التأكيد على مطالبهم السياسية، وفي مقدمتها تشكيل لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، لكن سرعان ما كشفت الأيام قصر نظرهم، وعدم قدرتهم على تحليل الأحداث بشكل دقيق، وربمّا وقعوا ضحية "تضليل سياسي" عبر بالونات الاختبار، التي تعودت دوائر صنع القرار في الجزائر إطلاقها، كلما همّت برصد نبض الشارع. في البداية خرج أحمد أويحيى العائد إلى قيادة سفينة الأرندي، ليرفع اللبس مؤقتا، بإعلانه عزم الرئيس على استكمال عهدته، ثم تبعه حليفه عمر غول، لكن المعارضة ظلّت متشبثة بخيط رفيع من الأمل الموهوم، قبل أن يقطع الرئيس نفسه الشك باليقين، مؤكدا في رسالته للأمة عشية عيد الاستقلال، مضيّه في أداء عهدته الانتخابية كاملة، مثلما فوضه إيّاها الشعب. الرسالة الصادمة للمعارضة، عكست برأي المراقبين ثقة الرئيس في قدرته على إدارة الصراع مع الرافضين لاستمراره في الحكم، بل كشفت زيف "الخدعة" التي كانت أطراف عديدة تحسبها معركة طاحنة بين أجنحة النظام، حتّى خرج الرئيس عن صمته، لتجدها سرابًا كاذبًا! لقد شكلت رسالة الرئيس الأخيرة منعطفًا بارزًا في الخلاف السياسي مع المعارضة منذ ترشح الرجل للمرة الرابعة، ما يعني أنّ رهانها على صراع الأجنحة في تغليب كفتها قد سقط في الماء، وما تبّقى لها هو أن تلعب أوراقها الذاتية، فماذا عساها تصنع الآن، وقد تحدّاها "خصمها اللدود" بنبرة: أخرجوا لي شجعانكم إن كنتم فاعلين؟ يبدو أن تنسيقية الانتقال الديمقراطي، ومعها هيئة التشاور، قد استقبلت "الرسالة الصحيحة"، ولو في وقت متأخر، فجاءت ردود أفعالها متباينة، لكنها جنحت لليونة، وتجاوزت لغة التعنّت والصدام الفجّ، بدليل ما جاء في موقف حركة مجتمع السلم، على لسان رئيسها عبد الرزاق مقري، الذي اعترف ضمنيا بشرعية الرئيس، حينما تحدّث عن حقه في التمسك بعهدته الانتخابية، بعد ما كان بالأمس بمعية رفاقه، يطالب بتطبيق المادة 88 من الدستور. صحيح أن الرئيس هو الآخر، قد تراجع عن تجريم المعارضة التي شبهها في رسالة سابقة بالاستعمار، داعيا مكوناتها هذه المرة لإثراء النقاش الديمقراطي، للمساهمة في البناء الوطني، لكن مثل هذا الخطاب، اقتضاه منطق التوافق الذي يريد الرئيس أن يمرّر في إطاره مشروع الدستور الجديد، وبالتالي فهو لا يحمل أي تنازل في صالح المعارضة التي ضرب بكل مطالبها عرض الحائط. وعليه، فإنّ السؤال الذي يواجه أنصار الانتخابات المسبقة، ماذا في وسعهم أنْ يفعلوا بعد ما استنفدوا الكثير من الأوراق التي احترقت، وتبخّر دخانها الباهت، دون أن تخنق أنفاس السلطة الجاثمة على صدورهم؟
وزير الاتصال والثقافة الأسبق عبد العزيز رحابي ل"الشروق" مغازلة الرئيس للمعارضة رسالة موجهة للخارج كيف قرأتم تراجع رئيس الجمهورية عن مهاجمة المعارضة في رسالته، بمناسبة الذكرى 53 للاستقلال، والتي جاءت مناقضة لما جاء في رسالته بمناسبة عيد النصر؟ الرئيس لم يتراجع عن مهاجمة المعارضة، لأن ممارسات التضييق قائمة في الميدان، وهذا خطاب تكتيكي، أعتقد أن الرئيس أقر من خلال رسالته، أنه ضعيف وليس له إمكانية لمواجهة معارضة قوية لعدة أسباب، أهمها هشاشة الجبهة الداخلية، حيث الجزائر محاطة بمخاطر خارجية على الحدود، والجبهة الداخلية ضعيفة، وهذا من شأنه أن يضعف رئيس الجمهورية في أي قرار داخلي أو خارجي، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ثانيا: عندما اختير رئيس الجمهورية ليكون رئيسا فعليا لحزب جبهة التحرير الوطني، يكون قد فقد بالتالي الإجماع الوطني حول منصب رئيس الجمهورية، مثلما يكون قد فقد السلطة الطبيعية كرئيس جمهورية، وأصبح خطابه خطابا حزبويا، لا يرقى إلى مقام رئيس في خدمة الإجماع الوطني، يضاف إلى ذلك عامل آخر، يتمثل في خضوع كل مؤسسات الدولة إلى إرادته، في حين أن البلاد ليست مؤسسات فهي شعب قبل كل شيء. وأمام ما تعيشه البلاد من تحديات داخلية وإقليمية ودولية تحتم على الرئيس تقوية الجبهة الداخلية، وإن لم يعمل ذلك يبقى أي قرار يصدر عنه ضعيفا. برأيكم لماذا تأخر الرئيس بوتفليقة في تأكيده على استكمال عهدته إلى اليوم، وهل يعني ذلك وجود ترتيبات حصلت قبل ذلك؟ بعد سنة عن انتخابه في ظروف غير عادية لعهدة رابعة، لم تضف حصيلة الرئيس السنوية شيئا، حيث تأزم الوضع اقتصاديا، والإصلاحات جامدة منذ 2012، ورئيس الجمهورية ليس لديه أي إرادة في الدخول في إصلاحات سياسية عميقة، لأن هذا قد يزعزع استقرار السلطة، ولكن السلطة تعطي الشعور بأن هذا يزعزع استقرار البلاد. ولما انتخب بوتفليقة في أفريل 2014، انتخب لعهدة كاملة وليس لنصف عهدة، وفي اعتقادي بوتفليقة لم يغير شيئا في رؤيته للحكم منذ 99 "الرئاسة مدى الحياة"، وحديثه عن استكمال العهدة فقط لربح الوقت مرة ثانية، لأنه نفس الخطاب الذي اعتاد الرئيس ترديده. هل غيّر خطاب الرئيس شيئا لدى المعارضة، خاصة وأن الرسالة جاءت قبل أيام فقط قبل اجتماع المعارضة (هيئة التنسيق والتشاور)؟ هيئة التشاور تجتمع اليوم بمقر حزب طلائع الحريات، ومبدئيا سترد على رسالة الرئيس، والرد سيكون جماعيا وتوافقيا، ويبرز فيه انعدام الإرادة السياسية للسلطة في معالجة الأزمة، كما أن المعارضة متيقنة أن مجاملتها من قبل الرئيس ليست سوى رسالة من النظام إلى الخارج بأنه يقوم بإصلاحات، باعتباره يخشى الضغط الخارجي أكثر مما يخشاه من الداخل، والواقع يؤكد ذلك، حيث تعيش المعارضة مضايقات يومية، ولولا الإعلام الخاص لدفنت المعارضة منذ زمن.
رئيس كتلة جبهة التحرير بالغرفة السفلى محمد جميعي ل"الشروق": المعارضة مدعوة للتعاطي إيجابا مع رسالة الرئيس برأيكم ما الذي غير لهجة الرئيس تجاه المعارضة في ظرف خمسة أشهر، وتحولها من طرف "يمارس سياسة الأرض المحروقة" إلى "الشريك الواجب استشارته"؟ رئيس الجمهورية يسير دولة، والجزائر تفتحت على التعددية السياسية، وكانت من أوائل الدول العربية التي فتحت هذا الباب منذ 25 سنة، وبما أن الرئيس بوتفليقة يسير بلدا في هذا الوزن، يجب أن يفتح الباب كل مرة لهذه التعددية التي تمثل الساحة السياسية، أما فتح باب الدستور في هذا الوقت بالذات وهذه الأوضاع، حيث المحيط ملغم، والأخطار التي مرت بها الجزائر تهدد دولا أخرى، ارتأى الرئيس مد يده من جديد للمعارضة التي رفضت سابقا مد يدها، لأن الدستور ملك للجزائر والجزائريين جميعا، وفي اعتقادي أن الرئيس لم يغلق الباب أمام المعارضة التي ترفض في هذا الوقت الخطير أمام المخططات لضرب استقرار الدول العربية، مد يدها، وحكمة الرئيس أنه ورغم هذا الرفض يمد يده عدة مرات، ويكون "كبيرا". لكن المعارضة تقول إن الرئيس يريد أن يستغل صورتها لتمرير دستور تم تحضيره على المقاس، من خلال إشراكها؟ * من مهام الرئيس السعي كل السعي في هذه الظروف المحدقة بالجزائر للوصول إلى دستور توافقي يحتوي الجميع، إذا كانت المعارضة لم تعط أفكارها، يمكنها استغلال الفرصة لتقديمها، وإذا لم تجد هذه المقترحات في الدستور ثمة يكون هناك حديث آخر، وعلى سبيل المثال أقول نحن في الأفلان قدمنا مقترحات تخدم المعارضة أكثر من خدمتها للموالاة كما تسمونها أنتم في الإعلام، طالبنا بتعزيز دور المعارضة وحرية الإعلام، ثم أعتقد أن آراء المعارضة عبرت عنها أحزاب أخرى قبلت المشاركة في المشاورات، وهي أفكار تتقاطع فيما بينها، وإن كان هناك اختلاف فهو طفيف يمكنها أن تدافع عنه من خلال مقترحات جديدة. لماذا تأخر الرئيس في الرد على المعارضة بخصوص مطالبتها بإعلان انتخابات مسبقة أو إعلان شغور منصب الرئيس، وإعلانه في رسالة 5 جويلية بأنه سيكمل عهدته رغم المرض؟ الرئيس يؤدي مهامه على أحسن وجه، ولا يمكن أن نغطي الشمس بالغربال، وبشهادة الإطارات التي تتعامل مباشرة مع الرئيس أو حتى الأجانب من رؤساء الدول والبرلمانات، ثم هناك شهادة طبية، كلها تؤكد أن الرئيس يسير حكومة كاملة ويسير دولة، الرئيس خرج بتزكية شعبية، حتى من نادوا بانتخابات مسبقة من المفروض أن يخجلوا من أنفسهم، لأنهم ترشحوا معه ولم يستطيعوا منافسته، لأن الشعب انتخب الرئيس، وأعتقد أنه لو اتبعنا هذا الأمر، المفروض القول أن لا كلام فوق كلام الشرعية الشعبية، وعلى هؤلاء احترام هذه الشرعية، لأنه من العيب والعار ضربها أو التشكيك فيها، ثم لو أن الرئيس ترشح مجددا واليوم لحصل أيضا على الأغلبية، هل لهم حق في أن يتدخلوا في محبة الشعب للرئيس. في اعتقادكم هل تغيير لهجة الرئيس حيال المعارضة ستغير موقفها؟ بحكم منصبي وموقعي انتهج نهج الرئيس وأدعو باسم كتلة الأفلان، المعارضة لانتهاز الفرصة والمشاركة في إعداد الدستور وتقديم اضفاءات حسنة تخدم الجزائر والجزائريين.