عاد الحديث بقوة مجددا، عن تدخل عسكري فرنسي غربي وشيك في ليبيا، بالتوازي مع مساعي الدول المجاورة لإقامة حكومة الوفاق الوطني المتعثرة، وهو ما أعطى الانطباع بأن الأطراف التي تنفخ في هذا المسعى، لا تريد لهذا البلد أن يستقر.. فما الذي يسعى إليه الغرب من وراء التدخل العسكري في ليبيا، وماذا حقق تدخل الحلف الأطلسي في 2011، الذي أطاح بالقذافي، حتى يراد لتدخل جديد أن يحدث؟ هذه الأسئلة وأخرى، سيجيب عنها الملف "السياسي" لهذا العدد. المنطقة لم تتخلص من تداعيات تدخل "الناتو" في 2011 هذه خلفيات التحرش الغربي المستمر بليبيا تكشف المعلومات المتواترة بشأن التحضير الجاري لتدخل عسكري غربي في ليبيا، بداعي محاربة الجماعات الإرهابية في صورة "داعش" وبناتها، عن وجود حسابات استراتيجية تحركها دوافع مصلحية ضيقة وسباق من أجل بسط النفوذ على منطقة أوسع، تأكد تمتعها بمزايا "ثرواتية" وجيوسياسية تسيل لعاب القوى العظمى. ولم تكد المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء، تتجاوزان تداعيات التدخل العسكري الغربي في ليبيا في عام 2011، حتى عاد شبح تدخل عسكري ثان في هذا البلد الجريح إلى الواجهة، في الأيام الأخيرة، وذلك بالتوازي مع تركيز الإعلام الغربي على قرب سيطرة جماعات موالية لتنظيم "داعش" على حقول النفط في ليبيا. ومعلوم أن وسائل إعلام أمريكية قد كشفت عن وصول قوات عسكرية فرنسية إلى بنغازي، التي تعيش على وقع اقتتال بين الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المعروف بكونه من أبرز المطالبين بالحل الأمني، وخصومه السياسيين، في الوقت الذي يدرس فيه البرلمان الليبي إمكانية إعطاء الثقة لحكومة فايز السراج، بعد العديد من المحاولات الفاشلة. وما يعزز فرضية "تأزيم الأزمة" الليبية المبرمج من الخارج، هو أنه كلما اقترب الفرقاء في الجارة الشرقية للجزائر، من الوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة، ازدادت ضغوط التدخل العسكري الغربي والفرنسي خاصة، في مسعى لا يمكن فهمه إلا من جانب إرباك الوضع وتمديد عمر الأزمة. وكانت فرنسا هي المحرض الأول على التدخل العسكري الغربي تحت راية الحلف الأطلسي، في ليبيا في عام 2011، مثلما كانت هي أول من وجه أولى الضربات الجوية في 19 مارس 2011، ضد معاقل نظام الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، وهو ما دفع بالكثير إلى اعتبار فرنسا المتسبب الرئيسي في الأزمة التي تعيشها ليبيا وتداعياتها على دول المنطقة. ويرى متابعون أن فرنسا كانت على دراية مسبقة بتداعيات إرباك المشهد في ليبيا، بالنظر إلى خصوصية هذا البلد الذي كان ينام على ملايين القطع من الأسلحة، ومع ذلك لم تستمع إلى الأصوات المحذرة ومن بينها الجزائر، التي كانت تحذر من وصول تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، ولا سيما في ظل التداخل الحاصل بين الجماعات الإرهابية ومنظمات الإجرام العابرة للحدود، التي تنشط في مجال ترويج الممنوعات، مثل السلاح والمخدرات. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الأزمة التي ضربت شمال مالي في العام 2011، ليست إلا نتيجة من نتائج التدخل العسكري الغربي والفرنسي خاصة في ليبيا، كونه تسبب في تدفق ملايين قطع السلاح الليبي إلى منطقة الساحل، التي تحولت إلى منطقة غير آمنة، ومن ثم مبرر لإقامة قواعد عسكرية فرنسية في عدد من دول المنطقة، مثل ماليوالنيجر، بداعي محاربة الإرهاب، ولا تزال هذه القواعد العسكرية الفرنسية موجودة إلى غاية اليوم. ويبدو أن فرنسا وغيرها من الدول الغربية والعربية الداعية إلى تدخل عسكري جديد في ليبيا، إنما يشجعون على عسكرة هذا البلد، الذي لا يزال لم يتخلص بعد من تداعيات التدخل العسكري الأطلسي لسنة 2011، ما يعني أن من بين أهداف من يقول بهذا الطرح، هو استمرار خلق الفتن وإدامتها، لزعزعة استقرار الدول المجاورة لهذا البلد، التي تبقى مستهدفة وفي مقدمتها الجزائر. وبرأي خبراء في الجغرافيا السياسية، فإن الرغبة الفرنسية المتزايدة للتدخل الخارجي، نابعة من حرصها على إبقاء منطقة شمال إفريقيا وهي في عمومها تضم مستعمراتها السابقة، مجالا حيويا لنفوذها، وخاصة في ظل بروز منافسة أمريكية متنامية في السنوات الأخيرة. ففرنسا تعتبر ليبيا بوابة ثانية لإفريقيا بعد الجزائر، وخاصة بالنسبة إلى دولة النيجر التي تعتبر رابع منتج عالمي لليورانيوم، الذي يستخدم في إنتاج الأسلحة النووية، حيث تملك فرنسا مناجم كثيرة فيها، علما أنها كانت من بين المبررات التي قدمتها لإقامة قواعد عسكرية بهذا البلد، بعد اندلاع الأزمة في شمال مالي.
وزير الدفاع الليبي السابق أسامة الجويلي "ليبيا هي الخاسر الوحيد.. وأستبعد فرار الإرهابيين إلى الجزائر " يؤكد وزير الدفاع الليبي السابق أسامة الجويلي، أن الخاسر الوحيد، في حالة تنفيذ الغرب عملا عسكريا، هو ليبيا. ويذكر الجويلي في هذا الحوار مع "الشروق" أن الليبيين صاروا يرتضون العمل الغربي ببلادهم نتيجة للخطر الذي صار يمثله التهديد الإرهابي وعجز المؤسسات الرسمية عن صده. هل من مسوغ لدى الغرب لتنفيذ عمل عسكري في ليبيا؟ بعد انتشار التنظيمات المتطرفة وقرب خطرها من أوروبا، وتعثر تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى مهمة تأطير جهود مكافحة الإرهاب في الأرض الليبية، تحرك الغرب، والبداية بالإدارة الأمريكية التي استهدفت مركزا لإيواء إرهابيين في صبراتة. هل يُقبل هذا العمل العسكري الأمريكي دون استشارة أي من الأطراف الليبية، الحكومة المعترف بها دوليا والأخرى غير المعترف بها والثالثة التي تبحث عن الاعتراف الداخلي؟ الحكومات السابقة غارقة في مشاكلها، ولا يمكن لها القيام بأي شيء، وثانيا، الإدارة الأمريكية لا تثق فيها، بأن تجعلها شريكة لها، ولهذا نفذ الجيش الأمريكي العملية ودون العودة إلى أحد ودون استئذان. من هو الرابح والخاسر من العمل لعسكري الغربي في ليبيا؟ إذا وُجد خاسر واحد فهو بالطبع ليبيا، ليبيا تعاني من الفوضى ومن انتشار الجماعات الإرهابية، وعدم وجود جيش نظامي قادر على مواجهة المتطرفين، وأوروبا والغرب بصفة عامة يعملون وفق هذه الضربات الاستباقية على منع الخطر، وأقصد انتقال الخطر الإرهابي إليه، وليس خطر الإرهابيين على الليبيين. حملة رفض كبيرة أثيرت بعد العمل العسكري المصري الإماراتي على ليبيا وتحديدا في مدينة درنة، بالمقابل لا نرى هذا المستوى من الرفض إزاء الضربة الأمريكية، لماذا هذا التباين في المواقف؟ مع مرور الوقت، شعر الليبيون بخطر التنظيمات الإرهابية، وهم يتابعون ما يحدث من سيطرة لتنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة سرت، وبدأ انتشار التنظيم في المنطقة الغربية، وبالمقابل عجز المؤسسات عن كبح الخطر الإرهابي، بل لا أمل موجودا في إقامة مؤسسات سياسية وأمنية، وعملا بالقاعدة الفقهية الضرورات تبيح المحظورات، صار الليبي يرتضي العمل العسكري الغربي في بلاده لمواجهة هذا الخطر الداهم. هل بالإمكان انتقال الإرهابيين بعد العمل العسكري إلى دول الجوار، وهل صار الخطر داهما عليها؟ أقول ردا على الجزء الأول من سؤالكم إن هذا الأمر وارد جدا، وهو الذي جرى بعد العمليات العسكرية الروسية والأمريكية في سوريا والعراق، فنتيجة للضغط الكبير عليها، انتقل عدد من الإرهابيين إلى ليبيا، لأنها تحولت بالنسبة إليهم مكانا أكثر أمنا، وفي الجزء الثاني من السؤال أقول إن الضغط الذي سيلحق بهم، سيدفعهم حتما إلى مغادرة مناطقهم في سرت ودرنة والمنطقة الغربية من ليبيا، إلى مناطق أخرى، وتحديدا الجنوب كأوباري وغات وسرت ومرزق، لأنها مناطق أكثر ملاءمة لها، لكن أستبعد تماما خروجهم من ليبيا إلى دول الجوار كالجزائر ومصر وتونس والتشاد والسودان والنيجر، هذه المناطق ليست أماكن جذب بالنسبة إليهم. أي الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة الليبية؟ يجب علينا كليبيين أن نستفيد من تجارب الآخرين، وأخص بالذكر التجربة الجزائرية، التجربة الجزائرية لم تعتمد على الحل الأمني فقط، بل حوارات مع المتطرفين، عبر الخطاب المسجدي والديني، والإعلام، والتواصل مع الدول الصديقة في مجال التنسيق الأمني، خاصة أن الجماعات الإرهابية في ليبيا وافدة وغالبيتهم أجانب، الليبيون في الجماعات المتطرفة معروفون منهم من كان في أفغانستان والعراق. ما هو المطلوب من الجزائر في هذا الوضع؟ أن يكون هنالك تعاون أمني، ولو دون وجود مؤسسات حقيقية، يعني تتعاون مع الجميع، وتضطلع بضبط الحدود.
رئيس لجنة السلم والمصالحة بإفريقيا أحمد ميزاب التدخل الغربي لا يهدف للقضاء على داعش تمر الأزمة الليبية بمنعرج حاسم، بعد ارتفاع الأصوات الغربية التي تحذر من خطر تمدد "داعش"، وقرب الإرهاب من حدود أوروبا، ليتم اتخاذ القرار بشن عمليات عسكرية على التنظيم، في معاقله بالأراضي الليبية، في ظل تعفن الوضع السياسي، في هذا البلد بعد سقوط نظام القذافي سنة 2011، وما ترتب عنه من تداعيات أمنية خطيرة. الغرب يستعد لعمليات عسكرية في ليبيا، هل الإجراء قانوني وأخلاقي في نظرك؟ المسألة ليست قانونية أو أخلاقية، فالغرب سنة 2011، لما شن عملية عسكرية لم تكن أخلاقية، لأن الهدف منها كان الانتقام من شخص والقضاء عليه، وبالتالي الغرب تحركه أهداف خاصة بعيدا عن المسائل القانونية والأخلاقية، فكلما يرى مصلحته تتطلب العمل العسكري يتدخل دون إدراك تداعيات الأمر على المنطقة أو الدولة المعنية، فكل ما تعرفه ليبيا اليوم، من فوضى وتطاحن سياسي وتغول للمنظمات الإرهابية، هو نتاج لتدخل 2011 الذي لم يواكبه استمرار لبناء الدولة والمؤسسات الليبية، بل انتهى بمجرد إسقاط النظام وانهيار الدولة بمقتل العقيد القذافي لتغرق ليبيا في الوحل الذي يعصف بها ويهدد دول الجوار معها. برأيك من الرابح والخاسر في حالة التدخل العسكري؟ بطبيعة الحال لو تكلمنا بمنطق الربح والخسارة نجد أن الدول الغربية رابحة في مجال تأمين أوروبا من خلال تقليم أظافر "داعش" والحد من خطرها على أوروبا دون القضاء عليها، ونشر بؤرة توتر وفوضى في المنطقة المغاربية تجعلها محل اهتمام من طرف هذه الدول، وتأمين مناطق حيوية، في ليبيا، وتدمير ثم استفادة شركاته من برامج إعادة الإعمار، مما يدر أموالا كبيرة، وتنشيط سوق السلاح، بالمقابل دول الجوار والشعب الليبي خاسران بلا ريب في العملية من خلال أزمات تتعلق باللاجئين، ونشر الفوضى وتمدد التنظيمات الإرهابية، ومحاولة خلق فوضى في دول الجوار. بعد تدخل 2011 في ليبيا، ما الذي تغير حتى يتم تدخل آخر في هذا البلد؟ الغرب والحلف الأطلسي أقر انه اخطأ بتدخله في 2001، لأنه لم يكن مدروسا بقدر ما كان يهدف لتحقيق طموحات شخصية لساركوزي وايطاليا وكامرون، من دون مراجعة الساحة الليبية، فالتدخل المفروض له خطة استراتيجية وعمل مدروس لما قبله وأثناءه وبعده، وهو ما لم يحدث في تدخل 2011. أما التدخل الحالي فإن شعاره القضاء على "داعش"، و"داعش" ليست المنظمة الإرهابية الوحيدة في ليبيا، بل توجد عدة منظمات ارهابية ك"القاعدة" و"أنصار الشريعة"، وغيرهما من المليشيات التي تحمل نفس الفكر. هل تعتقد ان الغرب يريد فعلا القضاء على "داعش" في ليبيا، وكيف ترى رد الفعل في ليبيا؟ لا اعتقد ان للغرب نية صادقة في القضاء على "داعش" في ليبيا، بل الحد من خطورتها نحو أوروبا فقط في أحسن الأهداف، لأن القضاء على "داعش" دون شريك فعلي على الأرض لن يتم، والقبائل الليبية غير معنية بالأمر، وترى في الحالة استعمارا وتدخلا خارجيا يجب مقاومته، لذلك ارى ان التدخل الغربي في ليبيا هو عملية تفجير قنبلة موقوتة تصل شظاياها إلى دول الجوار بلا شك، ومن اكثر الدول التي ستتضرر تونس، كما ان منطقة الساحل تتفجر من التدخل الغربي لما فيها من منظمات إرهابية وضعف أمني لدى أجهزة الدول كالنيجرومالي، واعتقد ان التدخل الغربي سيحدث صدمة لدول الجوار . في هذا الإطار، ماذا يجب على دول الجوار فعله لتفادي التداعيات الخطيرة لأي تدخل غربي؟ يجب عليها التدخل بدفع عجلة الحوار السياسي واللعب على كل الأوراق الضاغطة لمنع أي تدخل عسكري في ليبيا، وكل من تونسوالجزائر ومصر لها أطراف في المشهد الليبي بإمكانها التأثير عليها للتفاهم والحوار وتفعيل التوافق السياسي لبناء دولة ليبيا بمؤسساتها، ثم دعمها لمحاربة الإرهاب، لأن انعكاسات التدخل على الجوار أكثر خطورة، فالجزائر ستعرف المزيد من الضغط على حدوها الملتهبة أصلا مع ماليوالنيجر، ثم ليبيا، وقد يقوم "داعش" بمحاولة ومناورة لتنفيذ عملية استعراضية في الجنوب كحادثة تيقنتورين، مما يتطلب المزيد من اليقظة والحذر، خاصة أن أعداد المقاتلين في التنظيم بليبيا يتضاعف بشكل مستمر ووصل حتى الآن إلى حوالي 6700 مقاتل وأكثر من ذلك.