صح صيامكم أيها الأحبة ورمضان مبارك.. شاركت كأستاذ في تصحيح بكالوريا الجنوب-دورة ماي 1995- والبلاد كانت آنذاك تحت الحديد والنار والدماء، وقامت دولتنا مشكورة بالحراسة المشددة والمحددة أثناء الامتحانات في شهادة البكالوريا. لقد تم نقل أظرفة الامتحانات تحت حراسة مشددة إلى المطار ومنه إلى مطاري بسكرة وغرداية، وتم إيصال الأوراق تحت حراسة مشددة لقوات الدرك الوطني والأمن الوطني ورجال الكومندوس إلى مركزي الامتحان، وعانينا من سوء التغذية ومن رداءة الوجبات ورداءة الإجابة النموذجية، لكننا جعلنا الجزائر فوق كل اعتبار، وبكينا، وكانت النزاهة . عبد الحق موسي شكرا يا أستاذ على الشهادة، أنت تتحدث عن مرحلة "سنوات الجمر"، وحتى لا ننسى، يجب أن نذكّر أيضا، بأن الإرهابيين في تلك الفترة هددوا حتى المترشحين والتلاميذ من الدراسة في الجامعة، وتصوّروا كيف يُمكن لمهدد في حياته وهو مقبل على أهم امتحان في حياته، أن ينجح في هذا الامتحان ويتحصل على البكالوريا كتأشيرة لدخول الجامعة؟ لم يستسلم آلاف المترشحين آنذاك، متمدرسين وأحرارا، وكذا أولياؤهم وعائلاتهم، إلى تهديدات الإرهابيين، واختاروا المجازفة، وتحوّلت عندها البكالوريا إلى "قضية حياة أو موت"، وستر الله المغامرين، ونجح منهم من نجح ودخل الجامعة، ومنهم كثير اختاروا رفع التحدي أكثر، باختيار المدارس العسكرية للتخرّج منها كضباط في مختلف التخصصات. هذه هي بكالوريا 1995 وتلك السنوات الأليمة التي يتمنى كلّ الجزائريين ألا تعود إلى الأبد.. أمّا اليوم، فهاهي لغة الفايسبوك والإنترنت تسكن كلّ الألسنة، وتتحوّل عند وزارة "التغبية" إلى العدو رقم واحد، والأخطر من كلّ هذا، أنها تفشل في مواجهته، وتعجز عن التصدّي له بوسائل أكثر ذكاء وبآليات تجعلها تتفوق عليه دون أن تكبّد خسائر لغيرها! لقد بكيتم أيها الأستاذ المحترم، لأن الدموع كان لها معنى في ذلك الوقت، وكانت المقاومة مفتاح الانتصار، أمّا اليوم فإن النصر في نظر الوزارة المسؤولة على "الباك"، هو حماية الامتحانات من الغشّ والتسريبات، بعدما كانت كلّ الأمة تشارك في حماية البكالوريا والمدرسة والتلاميذ من تهديد ووعيد الإرهاب الذي حرّم العلم والتعلّم! هيهات بين البارحة واليوم، بالأمس كانت المعركة جماعية ومن أجل البقاء، أمّا اليوم فإن المعركة للأسف أصبحت شبه فردية وأهدافها تكاد تكون شخصية، والدليل أن باك 95 هزم الإرهاب، بينما انتصر الفايسبوك على باك 2016، واسألوا عن الخطة البائسة لوزارة التربية لمحاربة "النت" بدل تطهير "ديوان الصالحين" من الكائنات الغريبة!