وأنا أتابع بعض أخبار زيارة النجم الكروي العالمي زين الدين زيدان إلى الجزائر.. وأنا أشاهد على صفحات بعض الجرائد وعلى شاشة التليفزيون صورا له ملفوفا بالعلم الوطني، و هو في نشوة لا تعادلها نشوة، ونحن أيضا، مثله، في نشوة لا تعادلها نشوة، تساءلت، ربما بعضكم أيضا تساءل : لماذا لا يحب الكتاب النجوم الجزائريون هذا البلد مثلما يحبه زين الدين زيدان؟ أو لماذا لا يعبرون عن حبهم لجزائريتهم وجزائرهم على طريقة زين الدين زيدان، بنشوة واعتزاز؟ * * ومثل كثير منهم فزين الدين زيدان، الذي يحبه الجزائريون جميعا، هو فرنسي من أصل جزائري أو جزائري ذو جنسية فرنسية. ومثلهم زين الدين زيدان على الرغم من جنسيته الفرنسية وشهرة نجوميته فهو أيضا، ولأن اسمه زين الدين، يعاني من عنصرية الغرب المتعصب المصاب بالأسلاموفوبيا والعربوفوبيا والبربروفوبيا . * فلماذا لا يحب الكتاب النجوم المجيء إلى الجزائر؟ * و تساءلت مرة أخرى وبمرارة: لماذا يقاطع الكتاب الجزائريون النجوم الفعاليات الثقافية لبلدهم؟ تساءلت هذا السؤال الحنظل وأنا أحضر الفعاليات الثقافية لمعرض الكتاب الدولي السادس عشر بالمغرب في الدارالبيضاء، الذي نظم ما بين 12و21 فيفري المنصرم، حيث دعيت للمشاركة في الندوة التي خصصت للرواية المغاربية، تساءلت وأنا أشاهد كيف يعود الكتاب النجوم المغاربة إلى بلادهم للاحتفال ببلدهم وبثقافته وليشاركوا في النقاش والحوار بحدة تارة وبهدوء تارة أخرى، ولكن في كل الحالات بعنف شعري جوهره عشق بلدهم. * أحدثكم بصراحة المجروح حتى أعماق القلب . * في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء استمعت وبحرقة إلى كلمة الشاعر والروائي عبد اللطيف اللعبي الحاصل على جائزة الغونكور للشعر في دورتها 2009 وهو يكرم من قبل وزارة الجالية المغربية . * وعبد اللطيف اللعبي، للذين ربما لا يعرفونه، مناضل ثقافي عنيد و شاعر وروائي ومترجم يكتب بالفرنسية، قضى في زنزانة سجون نظام مخزن المغربي ثماني سنين من 1972 إلى 1980، لا لشيء إلا لأنه كان معارضا بالثقافة والكتابة لسياسة نظام الملك الحسن الثاني آنذاك. ولكن ورغم ذلك جاء الشاعر إلى بلاده ونظام الحكم هو نفسه لم يتغير، ملكية بمخزنها، وملك خلف أباه الملك، جاء الشاعر والمثقف ليتحدث عن أحلام التغيير في المغرب، كان يتحدث عن بهجة الشعر والمقاومة بالثقافة وبالإبداع ضدا لكل إحباط أو تشاؤم. ولم يقل أحد من المثقفين المغاربة: إن عبد اللطيف اللعبي خان مبدأه أو خان قراءه. كان الجميع محتفيا به: كتاب بالعربية أو بالفرنسية، أجيال من كتاب الخمسينات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات.. كان عبد اللطيف اللعبي يريد أن يقول لأبناء وطنه من المثقفين والكتاب: إن الوطن أكبر من أي نظام. والتاريخ أعظم من الأشخاص . * وجاء إلى هذا الموعد الثقافي الطاهر بنجلون الحاصل على جائزة الغونكور للرواية وجاء محمد برادة ورشيد بن الزين.. جميعهم جاءوا للاحتفال بالثقافة وبالوطن بعيدا عن غوغاء السياسة الموسمية والكرنفالية الاستعراضية، جاءوا يحملون الثقافة بكل أبعادها المتعددة والمختلفة والمتسامحة على ألوان وطنهم . * جاء المثقفون المبدعون المغاربة، النجوم وأنصاف النجوم والجيل الجديد الصاعد المقيمون في الخارج، من كل بلدان العالم حيث يقيمون جاءوا، من أوروبا وأمريكا وآسيا، مغاربة العالم من الكتاب والصحفيين والسينمائيين والتشكيليين والمسرحيين.. جاءوا إلى معرض الكتاب كضيوف شرف بدعوة من مجلس الجالية المغربية بالخارج والوزارة المكلفة بالجالية. لقد تركوا جانبا خلافاتهم وتنازلوا عن الصغائر وتخلصوا من تهم التخوين والتكفير وما شابه ذلك ورفعوا ألوان الثقافة والإبداع فوق هامة بلدهم. * وإذ جاءوا، أحضروا معهم أيضا أصدقاء لهم من الكتاب والصحفيين والساسة من الأوروبيين ومن غير الأوروبيين بهدف تسويق صورة بلدهم الثقافية والسياسية والسياحية: من دوفيل بان رئيس وزراء فرنسا السابق، إلى جان دانيال رئيس تحرير نوفيل أوبسرفاتور، مرورا بكلود لوفبير وجان بيير هان وكوليت فلوس، وصولا إلى الكاتبة نجاة قن ذات الأصول الجزائرية وغيرهم ... * و أنا أحضر هذا الحضور المنسجم في تعدده، المتسامح في اختلافاته، تساءلت بمرارة وغيرة زرقاء أكلت قلبي: لماذا يا ربي يا علي يا قدير، لماذا، منذ أصبحت آسيا جبار عضوا في الأكاديمية الفرنسية، وهذا مكسب لبلادنا وقوة تواجد لأصواتنا الجزائرية في مراكز ثقافية وازنة وحساسة عالميا، لماذا يا ترى لم تزر ابنة شرشال بلادها منذ هذا التتويج، مع أنها تجوب العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا؟ * نظمت بلادنا سنة 2007 تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية و دامت أزيد من ثلاثة عشر شهرا ولم تحضر آسيا جبار، ونظمت بلادنا في شهر جوليت 2009 المهرجان الإفريقي"الباناف" وحضرت إيزابيل عجاني بصوتها من خلف الستار.. وغابت آسيا جبار. * وموقف المفكر الجزائري محمد أركون يشبه أيضا موقف آسيا جبار، فهو الذي نلقاه يحاضر في كثير من الدول العربية والمغاربية.. في المغرب وتونس ومصر وقطر والأمارات العربية وغيرها يرفض المجيء إلى الجزائر. * هناك خلل ما .. هل إننا نعيش خللا مريعا إلى درجة وصلت إلى المقاطعة، وربما لا ندري؟ * وحتى لا يتحول حديثنا عن غياب أسمائنا الكبيرة إلى ما يشبه البكاء أو الرثاء، علينا البحث عن الأسباب التي جعلت الكتاب والمفكرين الجزائريين يمارسون هذا الموقف السلبي تجاه بلدهم الجزائر. واسمحوا لي أن أقدم قراءتي الخاصة لأسباب غياب نجوم الكتاب والمثقفين الجزائريين عن بلدهم . * 1- إذا كانت المقاطعة قائمة على خلفية سياسية فأنا أعتقد أن النظام الجزائري ليس أسوأ من غيره من الأنظمة العربية التي يزورها هؤلاء الكتاب ويحاضرون فيها، بل يمكنني القول بأن ما يسمح به عندنا في باب النقد أكثر جرأة مما يقال في كثير من البلدان العربية والمغاربية، ولنقرأ صحافتنا اليومية . لكن طريق الديمقراطية لا يزال طويلا . * 2- يعود العطب في إمكانية إقامة جسور متينة بين الجزائر وأبنائها من الكتاب المتفرقين على أرض الله الواسعة إلى خلل يكمن أساسا في الاستراتيجيات المنتهجة، إذا كانت هناك إستراتيجية أصلا من قبل المؤسسات الثقافية والجامعية والبحثية التي يفترض فيها دعوة واستقبال هذه الوجوه، ولكني أريد أن أنبه إلى أن دعوة المفكرين والكتاب والمثقفين الكبار بالمعنى الفلسفي لكلمة " كبير " الذين يحترمون أنفسهم وأقلامهم .. لا تعني " الوعدة " أو " الزردة " . * 3- يجب الاعتراف أيضا بأننا لم نتمكن من تقدير مكانة آسيا جبار عند دخولها الأكاديمية الفرنسية، فبدلا من أن تكون فخرا لبلادنا ولمثقفينا، حول البعض منا بقدرة قادر هذا الدخول إلى خيانة وتهم تهطل على رأسها: تهم الفرنكفونية والعمالة الثقافية وما إلى ذلك، تهم مريضة وحاقدة.. للأسف أطلقلها على آسيا جبار حتى بعض الكتاب المكرسين والذين من المفترض أن يكونوا إلى جانب الكاتبة في نجاحها هذا، إلى جانب الجزائر الكبيرة والمتعددة. إن حالة دخول الأديبة آسيا جبار إلى الأكاديمية الفرنسية ونجاحها الأدبي كشف لي عن ظاهرة غريبة يتميز بها المثقف الجزائري : إنه مصاب بمرض العدوانية، مليء بحقد مدمر لكل تفوق ونجاح وتميز . * 4- أعتقد أن شخصية عالمية مثل الأديبة آسيا جبار، وهذا رأيي الخاص، تستحق دعوة تكريمية من رئاسة الجمهورية، فآسيا جبار اليوم تمثل بسلطتها المعنوية والأدبية أكبر سفير عرفته الجزائر منذ الاستقلال. لا أحد ينكر أو ينسى مبادرة التهنئة التي بعث بها إليها رئيس الجمهورية حين حصولها على جائزة السلم الألمانية، التي حملتها إليها الروائية والوزيرة السابقة السيدة زهور ونيسي، ولكني أعتقد أن آسيا جبار تستحق أكثر من هذه الالتفاتة التي أعتبرها نبيلة، تستحق أكثر من أعلى هرم دولتها كما من مثقفي بلدها. * 5- في بلادنا، للأسف، يتم تسييس الساحة الثقافية الإبداعية إلى درجة الهوس أو يتم فلكلرتها "من فلكلور"، إلى حد الابتذال، مما يجعل الخطاب الثقافي المتأمل والمعرفي العاقل في جنونه والمجنون في عقلانيته في المرتبة الأخيرة من سلم الخطابات. وهذا الواقع هو الذي ينفر الكتاب والمفكرين و يجعلهم يبتعدون عن مؤسساتنا الثقافية والجامعية أو يحذرون في التعامل معها . * 6- لقد تم مؤخرا تكريم المفكر محمد أركون من قبل أمير دولة قطر، فشكرا للأمير ومبروك للمفكر محمد أركون، ولكن وبكل مرارة أقول أيضا أما كان علينا نحن أولى من يكرمه، قبل العالم، للأسف لا تزال هناك مجموعة كبيرة من أصوات الغوغاء الجاهلة في بلادنا، وفي كل مرة، تهاجم المفكر وتخونه وتكفره وتهوده وأنا متأكد أنها لم تقرأه أصلا، وحتى إن قرأته لا تفهمه. وربما هذا هو الذي يجعل السلطة الجزائرية تتعامل بحذر مع مفكر كمحمد أركون، علينا وبكل شجاعة فكرية وثقافية أن نقول: لقد حان الوقت للصوت الفكري والثقافي أن يرتفع عاليا، مع احترام حق الاختلاف، على سنة علمائنا التراثيين العقلانيين من أمثال ابن رشد والمعري وابن خلدون وابن نبي وغيرهم إذا ما أردنا فعلا خدمة بلادنا وخدمة صورة الجزائرالجديدة وبالتالي جمع شمل أبنائها الموزعين في أصقاع الكرة الأرضية. * 7- تملك الجزائر اليوم، على المستوى المؤسساتي، وزارة أو نصف وزارة تهتم أساسا بشأن جاليتنا في الخارج، فعمل هذه الهيئة هو القيام بإعادة الثقة ما بين المثقفين الرموز وبلدهم، أولئك الذين يصنعون المخيال ويزرعون القيم الجديدة من الأدباء والصحفيين والسينمائيين والعلماء والباحثين وغيرهم من منتجي الفكر والجمال والإبداع، هؤلاء هم القادرون على إعادة نحت صورة جديدة لبلادنا . * لقد أدهشني العمل الثقافي الذي قام به مجلس الجالية المغربية بالخارج في باب الثقافة والذي عرض في معرض الكتاب الدولي في دورته الأخيرة، إذ تم طبع وترجمة أزيد من ألف كتاب من عيون الكتب الجادة التي تمثل صلب الثقافة المغربية في الخارج. * أني أقول هذا الكلام بمرارة وحزن دون فقدان التفاؤل لما أشعر به من مأساة قطيعة أو غياب كتابنا النجوم عن وطنهم، فكلما أضحى الكاتب الجزائري معروفا في الخارج إلا وانقطع عن أرضه. وفي الوقت نفسه، كسائر أبناء هذا البلد البسطاء الصادقين، شعرت بسعادة حين شاهدت نجوم الرياضة العالميين كزين الدين زيدان يحمل العلم الوطني ويلعب تحت رمزية النجمة والهلال، إن هذه الصورة، التي دون شك ستدور العالم، هي من أكبر وأعظم استثمارات الجزائر. فماذا كانت ستكون صورة الجزائر الثقافية، يا ترى، لو أن أصواتنا في الإبداع والفكر من أمثال محمد أركون مع حفظ حق الإختلاف معه للجميع وآسيا جبار وغيرهما ممن يسوقون صورة الجزائر الثقافية الجميلة شرقا وغربا، تحركوا بإحساس يشبه أحساس زين الدين زيدان؟ * مثلكم أنا أيضا حزين لهذا الغياب أو القطيعة الثقافية المتمثلة في بتر عضو أساسي من أعضاء جسد الوطن الثقافي والمتمثل في أبنائه من المبدعين والمفكرين في المهجر والذين جبلت روحهم من تراب وهواء هذا البلد العظيم: الجزائر. * فمتى يا ترى يكون لنا زين الدين زيدان في الثقافة والأدب؟ لست أدري . ولكن لنتفاءل . * * aminzaoui@yahoo . fr