وحدها أنقاض المباني التي دمرتها آلة القتل والخراب لدى النظام السوري، تمتلك إحصاءات دقيقة عمن دفنوا تحتها من المدنيين السوريين في المحرقة الدائرة هناك. ومع إدمان النظام القتل والتهجير، بات التخريب والخراب أمرا عاديا لقواته وحلفائه، حتى لو راح ضحيته نساء أو شيوخ أو أطفال لا يقدرون على الفرار من "الموت المحلق" الذي يلاحقهم ويداهمهم على حين غرة. تنوعت وسائل الدمار من براميل متفجرة إلى غارات جوية يشارك فيها الحليف الروسي والإيراني إلى جانب النظام، وتظل النتيجة واحدة: خراب يطال البشر والحجر والشجر، وواقع أليم لمن قضوا، وذكريات أشد ألما لمن بقي مسكونا بمشاهد الرعب كحال الطفل عمران دقنيش. فالمأساة التي عاشها الطفل الحلبي ابن الأعوام الخمسة كفيلة باغتيال براءة ملايين الأطفال، تفوق أفلام الرعب الخيالية. عمران خاض تجربة الدفن حيا، وشاءت إرادة الله تعالى أن تهيئ له ولعدد من الأطفال والنساء من ينتشلهم وقد لحقت بهم إصابات مختلفة بعد تدمير منازلهم في غارة نفذتها الطائرات الحربية على حي القاطرجي بحلب مساء أمس الأربعاء، قتل فيها ستة مدنيين وأصيب 12 آخرون بجروح. وغارة أمس ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فهي تأتي ضمن الحملة العسكرية التي تشنها طائرات روسية وسورية على أحياء حلب الشرقية والجنوبية، وتخلف عشرات القتلى يوميا والإصابات. المدنيون السوريون أصبحوا على موعد دائم مع "تسونامي الدمار"، فالقصف يحول المنازل والمرافق في لمح البصر إلى مقبرة جماعية لسكانها، حتى يهيئ القدر خروج من بقي منهم على قيد الحياة بعد عمليات بحث شاقة وبدائية وسط الأنقاض. إصابات الجسد وتشوهاته يمكن علاجها والتكيف معها، لكن ما يعلق بالذاكرة والروح والعقل يظل الأقسى، خصوصا لدى الصغار الذين حرموا طفولتهم قبل الأوان، وصودر حلم الأمن والعمران منهم ومن عمران.